جهود عالمية دؤوبة لإذكاء الوعي بإمكانية منع الانتحار
اخلاص القاضي – قوبل انتحار أربعيني حرقا وسقوطا من أعلى الجسور العشرة شرق العاصمة عمان، قبل حوالي اسبوعين، بكثير من الأسف على مصيره، لكن امتعاضا ودهشة، تثيرهما حوادث الانتحار بقطع النظر عن دوافعها، وسط تحريم ديني لقتل النفس، واستهجان مجتمعي، على الرغم من تعاطف بعضهم مع النهايات المفجعة، وليس مع فكرة الانتحار، حكما، التي يناهضها العالم ضمن يوم عالمي في العاشر من أيلول من كل عام.
ويجمع ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي على رفضه جملة وتفصيلا، سابرين غور اسبابه، من وجهة نظرهم، حيث يرى كل من عطالله ابو قتيبة وسليمان المناصير “اعمال حرة” أن للانتحار دوافعا مختلفة، منها نفسية، واجتماعية، واقتصادية، فضلا عن الابتعاد عن الدين، والفقر والبطالة.
ويؤيد كل من المناصير وقتيبة، فهد الصايغ”موظف بالقطاع العام” فيما يذهبا اليه، مضيفا:”انها لحظة تخلي قاتلة”، غير أن المتخصصة في الموارد البشرية رؤى الزهيري، تعتقد أن الكآبة والشعور بالوحدة، ربما يقودان لأفكار انتحارية، رغم تأكيدها: “لا سبب يبرر ازهاق الروح على الاطلاق”.
معنيون يؤكدون لوكالة الانباء الاردنية (بترا) أهمية تقديم الدعم النفسي والاجتماعي والاقتصادي والمعنوي، لكل من تظهر عليه نوازع انتحارية، اضافة الى ضرورة توفير البيئة الحاضنة المساندة، وتعزيز الثقة بالنفس والحوار البناء بين الافراد، والاستماع لمشكلات وهموم الأبناء، والتربية الصالحة والتواصل الدائم ضمن الأسرة الواحدة، والتكافل الاجتماعي، فضلا عن استثمار الفضاء الالكتروني المعرفي والمعلوماتي، ومنصات التواصل المختلفة، بقراءة ومشاهدة كل ما هو مفيد للصحة والعقل معا. وتشير منظمة الصحة العالمية عبر موقعها الالكتروني، الى أن الغرض من هذا اليوم، “هو إذكاء الوعي بإمكانية منع الانتحار، حيث تشارك في رعاية وتنفيذ مئات النشاطات حول العالم، شملت فعاليات تثقيفية وتذكارية، وإحاطات ومؤتمرات صحفية، وحملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وتبين: ينتحر أكثر من 700 الف شخص كل عام في العالم، إذ يعد الانتحار رابع سبب للوفاة عند الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاما، وان 77 بالمئة من حالات الانتحار في العالم تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، لافتا الى أن ابتلاع المبيدات، والشنق والأسلحة النارية هي من بين الأساليب الأكثر شيوعا للانتحار على مستوى العالم.
ويؤكد الموقع الالكتروني لدائرة الافتاء العام، أن “الانتحار حرام، وهو من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله تعالى، لأنه قتلُ نفسٍ حرمها الله عز وجل بقوله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)، ونفس الإنسان ملك لله تعالى وليس لصاحبها، قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا).
ويضيف: “الانتحار أن يُقدِمَ الإنسان على قتل نفسه بأي وسيلة كانت، كإطلاق الرصاص على نفسه، أو بشربه السمّ، أو إحراق نفسه أو إلقائها في الماء ليغرق، أو بترك الطعام والشراب حتى يموت، كل هذا وأمثاله حرام بالاتفاق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنَ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا)ويشير موقع “الافتاء” الى انه: إذا لم يمت من حاول الانتحار فإنه يؤدب وينكر عليه، لأنه أقدم على الشروع في قتل النفس المحرمة، ولا دية على المنتحر لأن العقوبة سقطت بالموت، وإنما عليه الكفارة في ماله، وإذا وجد المسلم نفسه تحدثه بالانتحار أو بشيء من ذلك، فعليه أن يكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والاستغفار، والإكثار من عمل الطاعات، وتذكّر الآخرة، إذ أن “ثقافة الانتحار هي من الثقافات الوافدة على مجتمعنا الإسلامي”.
يقول استشاري الطب النفسي الدكتور زهير الدباغ: صحيح أن أساليب الانتحار متعددة، ولكن الحقيقة التي لا يعلمها بعضهم، أن الغالبية العظمى منهم لا يريدون الموت، ولكنهم بالوقت عينه، لا يرغبون بالحياة، حيث يصلون الى طريق مسدود في لحظة قاتلة، مؤكدا انه لو قدر لمن حاول الانتحار النجاة، سيعرب بلا شك عن ندمه العميق، خاصة لدى شعوره بالألم أو الخوف، وأن ايذاء النفس لجلب الانتباه، هي من ضمن محاولات الانتحار، لأنها قد تفضي احيانا للموت، بينما كان صاحبها، يحاول فقط أن يكون في دائرة الاهتمام.
ويشدد أنه من الخطورة بمكان توافر أدوات تساعد على الانتحار بمحيط من لديهم نوازع له، كسلاح أو آلة حادة، ما يسرع بتنفيذ التهديد الضمني لقتل النفس، ولا سيما لمن تتوفر لديهم سمات اندفاعية وسرعة في اتخاذ القرار السلبي، بلا تفكير أو وعي أو دراية، مبينا أهمية “تنظيف” المكان من أي من الوسائل أو الادوات المساعدة على الانتحار.
وفي السياق، يُذّكر الدكتور الدباغ، بأن هنالك بعض حالات الانتحار الناجمة عن أمراض مؤلمة ومستعصية، وهنا، كما يوضح، لابد من تدخل الطب النفسي لتوفير العلاج اللازم قبل استفحال الحالة النفسية.
ويعزي أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي أسباب الانتحار الى تداخل عوامل عدة منها اقتصادية وأخرى نفسية واجتماعية، والأخطر، وفقا له، تنفيذ فيما يعرف بالانتحار الآني أو اللحظي، لافتا الى أن الانتحار قد يقع نتيجة لفقدان الثقة بالنفس وعدم القدرة على حل المعضلات، ووجود المرء ضمن بيئة مجتمعية غير مساندة، فضلا عن التفكك الأسري والفشل والفقر والبطالة والاحباط المزمن وتعاطي المخدرات.
ويسترسل: الانتحار رسالة مؤلمة وصادمة وقوية، ترسل الى من لا يهمه الأمر، وهنا، وفقا للدكتور الخزاعي لابد من التنبه لكل اشارات النوازع الانتحارية، من تذمر وشكوى وضياع وشرود واكتئاب وعصبية وقلق، مؤكدا أن الانتحار هو سلوك مرفوض دينيا وعقلانيا، حيث تدعو كل الديانات السماوية للصبر وبذل الجهد والاعتماد على النفس ومشورة الآخرين، “فلا يجوز ازهاق النفس تحت أي ظرف أو ضغط”.
ويزيد: أن الخطورة تكمن في محاولات انتحار الاطفال، أي من هم دون سن 18 عاما، وهذا مرده أيضا، للعنف الأسري، والحرمان، والأخطاء التربوية، مشيرا الى أنه ووفقا للتقرير الجنائي السنوي الصادر عن مديرية الامن العام/إدارة المعلومات الجنائية، فأن عدد حالات الانتحار في الاردن قد بلغ العام الماضي 169 حالة، في زيادة ملحوظة مقارنة بعام 2019 حيث بلغت حالات الانتحار وقتها، 116 حالة.
ويستعين الدكتور الخزاعي بدراسات ذات صلة، تشير الى أن نصف حالات الانتحار في الأردن، تتم عن طريق الشنق، و14 بالمئة، بواسطة السلاح الناري، و10 بالمئة ناجمة عن التعرض للحرق، و10 بالمئة جراء السقوط أو رمي النفس من أماكن مرتفعة، و12 بالمئة، شرب المواد الكيماوية، لافتا الى أن ثلث الفئة العمرية للمنتحرين، تتراوح من 18 الى 23 عاما، وأما فئة الأحداث، أي أقل من 18 عاما، فتصل لنحو 13 بالمئة.
أستاذ الحديث الشريف وعلومه في كلية الشريعة في جامعة اليرموك الدكتور خالد الشرمان يقول: لا يجوز الإقدام على قتل النفس لأي سبب من الأسباب، فهو سبب للخلود في نار جهنم والعياذ بالله، كما أن عذاب صاحبه يكون بنفس الوسيلة التي تم بها الانتحار، مذكرا بأن الله سبحانه وتعالى نهى عن اليأس والقنوط، وأخبر أن ذلك من صفات الكافرين فقال: (يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ).
ويدعو في هذا السياق الى تعظيم الرجاء بالله جلت قدرته، واليقين برحمته، والاكثار من الطاعات والدعاء، مذكرا بأن الحياة نعمة عظيمة لابد من اغتنامها بالعمل الصالح، وحضور مجالس العلم والذكر، والمحافظة على الصلوات في أوقاتها، مع الصبر، وتفويض الأمور كلها إلى الله الذي بشر الصابرين بقوله تعالى: ( وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون).
–(بترا)