ما هي رؤية سمو ولي العهد المستقبلية لمشروع العقبة الإقتصادية؟
كتب أ.د. محمد الفرجات
قبل أشهر قليلة إجتمع سمو ولي العهد بمجلس مفوضي سلطة منطقة العقبة الإقتصادية الخاصة، وصرح لهم بأن المشروع الوطني الإقتصادي الكبير قد إنحرف عن البوصلة، ومنذ ذلك الحين وزيارات سموه تتكرر وبشكل دوري ومفاجيء غالبا؛ يتابع، يقيم ويقوم.
ولي العهد، الشاب الهاشمي والعسكري الصلب حسين بن عبدالله، يدرك تماما بأن هذا المشروع الذي إنطلق في بواكير تسلم والده جلالة الملك سلطاته، عليه تحويل العقبة إلى محرك تنموي إقتصادي عملاق للمملكة، يتميز بإستقلالية مالية وإدارية، ذاتي الإعتماد في إيراداته لتمويل بناه التحتية وخدماته ومشاريعه، ومن ناحية أخرى يرفد من الفائض خزينة الحكومة المركزية لإسناد الدولة الأردنية ماليا.
في جلستنا مع جلالة الملك وولي عهده في إطلاق أعمال اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، أوعز سيد البلاد للأمير حسين بمساعدته في الملف الإقتصادي للبلاد، وقد كتبت في هذا الشأن في حينه.
العقبة التي تعد مدينة سكانية كبيرة لأبناء العقبة الأصليين وعشرات آلاف المواطنين من كافة محافظات المملكة، هي بتنوعها الجميل مدينة العقول والخبرات والفنيين وحملة الشهادات في مختلف التخصصات، وحاضنة صناعية سياحية تجارية، وكذلك حاضنة أعمال، تحتوي بنى تحتية وفوقية وشبكات وخدمات جيدة وحديثة وعلى الرغم من حاجتها للنقل العصري الحديث، كما وتتميز المدينة بتنظيم قطاعي المياه والطاقة فيها.
مطار الملك الحسين الدولي والذي توسع وأصبح مطارا دوليا في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، وبوجود موانيء الركاب والبضائع والحاويات المتطورة، وموانيء الفوسفات والإسمنت والبوتاس والبترول والزيوت وصوامع التخزين، وجاهزية العقبة لعمليات الإستيراد والتصدير والتوزيع بالنقل البري والجوي والبحري، وخاصية التخزين وإعادة التصدير، كلها تزيد من جاذبية العقبة التي تقع على ثلاثة حدود دولية، وتتوسط قارات العالم كذلك، كمركز عمليات تجارية عالمي.
المجمع الصناعي في العقبة بصناعاته المتوسطة والمطلوبة عالميا، ينمو مع الزمن، ويجد كل الخدمات والبنى التحتية والفوقية اللازمة والداعمة، وتبقى عملية الإنتاج والترويج والتسويق مسائل مهمة لدخول منتجاتنا مزيدا من الأسواق العالمية.
بيئة وجغرافية وجيولوجية العقبة، وبحضور بيئة خليج العقبة الفريدة عالميا بتنوع أحيائها وطبيعة مياهها وملوحتها، مع طقس رائع على شواطيء ذهبية من أيلول إلى نيسان، جعلت العقبة مقصدا للسفن السياحية والطيران السياحي بتردد عالي، وبوجود منشآت سياحية مرموقة من مطاعم وفنادق ونقل ومكاتب خدمات سياحية، وتكامل العقبة ورم والبترا في مثلث سياحي ذهبي، فإن العقبة تعد مقصدا سياحيا عالميا يوفر الشمس الدافئة المعالجة التي تعد ضالة شعوب العالم الغني، وهذا لا يمنع من وجود مسارات سياحية داعمة حول المدينة لإطالة فترة مكوث السائح وبما يعود بالنفع على المجتمعات المحلية، وقد تقدمنا ببعضها كأفكار ومقترحات، وما زالت بين مكاتب المسؤولين.
تعد العقبة جاذبة للأعمال و(البزنس) لعقد الصفقات التجارية من إستيراد وتصدير ونقل، وصفقات سياحية، وصفقات إستثمارية، والأمر يحتاج تنمية هذا القطاع، على أن مقوماته موجودة في المدينة ومؤسساتها وقانونها على حد سواء.
قانون منطقة العقبة الإقتصادية الخاصة مشجع لجذب الإستثمارات في قطاعات الصناعة والسياحة والتجارة والأعمال والإبتكار، ومشاريع المستقبل، ويقع على عاتق مفوضيتها وشركة تطويرها الكثير لتحقيق الرؤية ومخرجات المخطط التنموي الشمولي.
ناقشنا في منتدى النهضة مخطط العقبة الشمولي التنموي الإستراتيجي، وناقشنا أهمية تحديثه، لمعايرة نموذج وسيناريو نمو العقبة ومشروعها وأراضيها وسبل تطويرها، مع إسقاطات محدثة، وكتبنا حول ذلك ونشرنا منذ نحو عام، كما وقد طرحنا موضوع العقبة في منتدى الإبتكار والصناعة، ونطمح لإيجاد قناة فضائية دولية ومركز إعلامي عالمي لترويج مشروعنا الوطني هذا، ونعتب لأن المنطقة لم تجذب بعد سوق إفريقيا القريب، ولم تصبح حاضنة إبتكار عالمية تنمي تكنولوجيا مشاريع المستقبل والإقتصاد الأخضر، وتجذب الأفكار العالمية، لتكون منطلقا لتنمية وتجارة الأفكار لكل العالم، مقترح مشروعنا الكبسولة الرقمية عام ٢٠١٥ مثال.
سمو ولي العهد أصبح واضحا جدا على مستوى وطني ودولي، بأنه يتبنى تنمية الفكر الشبابي الإبتكاري، ويهمه كثيرا مشاريع المستقبل، كالروبوت والذكاء الإصطناعي والنانوتكنولوجي والتكنولوجيا الرقمية والطباعة الثلاثية، بجانب تكنولوجيا الإقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة، وما ينعكس عن ذلك من منتجات فكرية إبتكارية في مجالات الدواء والطب والهندسة والنقل والغذاء والمياه والطاقة المتجددة والإعمار وغيرها، لتشكل القاعدة الآمنة لدخول المئوية الثانية للدولة، ودخول الألفية الثالثة مع العالم، في ظل ثورة صناعية رقمية لن ترحم من لا يتقنها.
سمو ولي العهد وبجانب رؤية مشروع العقبة التي قامت عليها، وبعد أن يعيد الأمور إلى نصابها في العقبة؛ سياحيا وصناعيا وإستثماريا وتجاريا وأعمالا، بالتأكيد سيوجه هذا المشروع العقباوي الوطني العملاق ليصبح إضافة لما سبق، قاعدة وطنية إقليمية دولية لإنتاج وتصنيع وتطوير أفكار مشاريع المستقبل، والتي قطع فيها شوطا طويلا في العاصمة عمان، ونشأ عنها جامعة متخصصة وقواعد متعددة ومتخصصة للإبتكار وصناعة التكنولوجيا.
إيجاد فرص عمل للأردنيين وأجيالهم الحالية التي تنتظر الفرج، والأجيال القادمة كذلك، تنتج عن مشروع العقبة القائمة التي يعيد توجيه بوصلتها الأمير، بجانب رؤيته لإحداث وتعزيز قواعد وتطوير صناعة أفكار ومشاريع المستقبل فيها، وفي خطة خمسية، سواءا في العقبة ذاتها وبشكل مباشر، أو بشكل غير مباشر في باقي أنحاء المملكة،
ستجعل العقبة المدينة الذكية التي تسند المملكة في إقتصادها الفيزيائي والرقمي، وتحقق طموحنا نحو إقتصاد قوي مستدام وفيزيائي على أرض الواقع.
بجانب ذلك، فالأمير يتابع السيناريو الذي ستنمو وفقا له العقبة؟ ويحدد مع إدارة المنطقة، ما هو مستقبل الطاقة المتجددة في المدينة، وما هو مستقبل التحلية لضمان الأمن المائي؟، وما هو مستقبل التدوير للحفاظ على البيئة وضمان قواعد الإقتصاد الأخضر وإستعمالات الأراضي، في منطقة تطل على خليج ذات بيئة بحرية حساسة، وتقع على حوض رسوبي تكتوني عملاق مليء بالرسوبيات غير المتماسكة، ويحدها بعض المخاطر الطبيعية التي قامت المفوضية وشركة التطوير مشكورة بوضع الحلول لبعضها؛ خطر الفيضان والإنذار المبكر مثال.
إلى نهاية عامنا هذا ٢٠٢١، من المؤمل أن يستجيب مشروع العقبة، ويعود إلى مساره، وتبدأ الأمور تري إنتعاشا وحركة في الأسواق والإعمار والتجارة والأعمال والسياحة، ونمو في عمليات التصدير خاصة.
في ضوء النجاح المنتظر في الربع الأخير من هذا العام بعون الله تعالى، ستبدأ في بواكير عام ٢٠٢٢ عملية تحديث واسعة لمخطط العقبة الشمولي التنموي الإستراتيجي، ليواكب ثورة العالم الصناعية الرابعة، ويؤسس لمشاريع المستقبل، وحينها سيتم إشتقاق خطط تنفيذية سنوية من ذات المخطط المحدث، وندعو الله تعالى للأمير الهاشمي النجاح في رؤيته، وكلنا داعمين للفكر الذي يسند دولتنا العزيزة سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا.