الطالبان والخيارات المتاحة في تحقيق الاعتراف الدولي بشرعيتها
بقلم: اللواء الركن المتقاعد هلال الخوالدة
الطالبان يحاولون جاهدون لكسب الشرعية وهم في صراع مع الزمن خوفا من خسارة شعبيتهم والمماطلة في وعودهم التي قطعوها على انفسهم امام الشعب الافغاني ومحاولة زيادة كسب الرضى من الشريحة التي لا توافقهم رؤاهم ومنهجهم في ادارة البلاد ويسعون الى احكام سيطرتهم على كافة مناحي الحياه والتعامل مع الدول ذات المصالح المتضاربة في افغانستان والتركيز على الدول التي ترى فيها موضع قدم للانطلاق الى اكتساب الرأي العام العالمي وبالتالي الشرعية ، ورغم انها اجرت بعض اللقاءات في دولة قطر وتركيا الا ان التركيز الدولي فيها كان منصباً على تنفيذ كافة الشروط الدولية لتحقق الشرعية والبحث في اسلوب ايصال المساعدات الدولية ، ومن خلال متابعة ما تقوم به هذه الحركة فأن اهم الخيارات المتاحة امامها لاستمرارها ونجاحها في ادارة البلاد وتجاوز جميع التحديات والحصول على الشرعية القانونية هي:
الخيار الاول : تقديم تنازلات كبيرة للمجتمع الدولي وتلبية كل مطالبهم في حقوق الانسان والموافقه على مشاركة المراة الافغانية في جميع مناحي الحياه واعطاء حق الخروج الآمن لكل الرعايا الاجانب والمتعاونون …الخ . هذا الخيار سيكون له الكثير من السلبيات اولها سيتم استخدام هذا الخيار كوسيلة دبلوماسية قوية للضغط على افغانستان للوفاء بكافة الشروط وتغيير كافة السياسات وسياخذ هذا الخيار وقتا طويلا جدا للتاكد من تنفيذ كل الشروط ، وستخسر طالبان الكثير من شعبيتها بتعاونها مع دولا كانت تحتل ارضها وعدوها اضافة الى انها ستفتح جبهة مع تنظيم الدولة الذي لا يزال موجودا وستكون هذه التنازلات سببا مقنعا للوقوف ضدهم ، وسيساعد في تشكيل جبهة داخلية منافسة ومعارضة للطالبان وتسعى الى اضعاف سيطرتها وخلق بيئة غير مستقرة وتشتيت جهدها واظهار عدم قدرتها على ادارة البلاد ، وقد يساعد هذا الخيار على انشقاق الكثير من جماعات الطالبان وانقلابه عليها بسبب مخالفة النهج العام للحركة والذي يعتبر جميع الدول التي كانت على الارض الافغانية دولاً محتله ولا يجوز التعامل معها مهما كانت الاسباب وفي المقابل قد يحسن الوضع الاقتصادي بسبب الافراج عن الودائع المالية الافغانية وانفتاح العلاقات التجارية مع العالم وقد يساعد تبني هذا الخيار على تقديم المساعدات الامنية والاستخبارية لها لمواجهة تنظيم الدولة والفصائل الارهابية المعادية.
الخيار الثاني : الاستمرار في مماطلة المجتمع الدولي وفرض واقع الحال وتشكيل حكومة جديدة تضم عناصر سياسية من خارج الحركة لا تؤثر على مسك القرار الافغاني مع اعطاء الوعود في تحقيق جميع المطالب الدولية او تنفيذها على المدى البعيد وبالتدريج املاً منها ان هذا الخيار سيجعل صبر المجتمع الدولي ينفذ ويتخذ خطوات دبلوماسية بعيدا عن اي تدخل عسكري . لكن ذلك سيضاعف المشكلات الافغانية ويزيد من انهيار االوضع الاقتصادي المتدهور اصلا وسيزيد من عزلة الطالبان وازدياد المعارضة الداخلية والخارجية وستخسر مصداقيتها وقدرتها على ادارة البلاد. وستتخلى عنها بعض الدول التي استمرت في فتح قنوات معها لغايات انسانية تحت تاثير ضغط المجتمع الدولي الذي ربما ترك لهم الباب مفتوحا مؤقتاً ، وستتزايد هجومات تنظيم الدولة بسبب استمرار الاحباط وتزايد الفوضى بسبب الجوع والفقرواستغلالهم لحاجات الناس ، ستظهر جماعات معارضة جديدة اذا طالت المدة ووقف المجتمع الدولي منتظرا انهيار الطالبان من الداخل وبالتالي استمرار القتل والفوضى وتزايد السخط من حكم الطالبان .
الخيار الثالث : السعي الى استثمار العلاقات الودية مع بعض الدول خلال فترة حكمهم السابق او ذات المصالح الامنية والاقتصادية والسياسية لكسب وانتزاع الاعتراف بالتدريج والتخفيف عن كاهل الشعب الافغاني وزيادة شعبيتها مثل روسيا وايران والصين ودول الجوار الاخرى الباكستان والجمهوريات على حدودها الشمالية وتركيا والوصول الى تفاهمات ثنائيه في سبيل تلبية مطالب تلك الدول الاقتصادية والسياسية والامنية واستغلال الطاقات المتوفرة محليا في سبيل تحسين الوضع الاقتصادي املا في كسب الشرعية على المدى البعيد بعد اثبات جديتهم وقدرتهم على العيش والسيطرة على مفاصل الدولة المختلفه واستغلال قدرة هذه الدول في تغيير وجهة نظر المجتمع الدولي عنها ، ولكن ذلك لن يمنع استمرار هجمات تنظيم الدولة وبعض الفصائل التي لا يروق لها حكم الطالبان او تسعى الى اخذ مكان افضل والمشاركة في الحكم ، وسيزيد هذا الخيار الوضع الاقتصادي سوءا بسبب عدم تعامل الدول الفاعلة الكبيرة معها سياسيا واقتصاديا وابقاء الودائع المالية الافغانية محجوزه .
يبدو ان الطالبان رغم قناعتي انها لن تغير نهجها بسهولة وتحقق كل المطالب الدولية مقابل الاعتراف بشرعيتها وهذا ربما يحتاج الى تغيير فكر جيل كامل ورغم ان الاجيال الحالية لطالبان لم تعاصر هزيمة بلادها وانهاء حكم الطالبان قبل عشرون عاماً ولكنهم يتعاملون مع ويأتمرون من جيل قاتل وعاصر الهزيمة وقادر على التخطيط ورسم سياسة الطالبان السياسية والعسكرية مستفيدين من معرفة الارض والمحيط السياسي والاستناد الى حاضنة شعبية تمثل اكثر من نصف المجتمع الافغاني (البشتون) ومن التف حولهم بحثا عن الامن والعيش بسلام بعيدا عن التاريخ الحافل بالحروب ، اضافة الى بعض العلاقات الودية من بعض الدول المجاورة التي تبحث عن مصالحها الامنية والاقتصادية ، وفي ظل تنامي الخوف من المجهول وعودة الطالبان الى سدة الحكم وتفردهم كأكبر قوة على الارض سيزيد ذلك من شعبيتهم وقوتهم بعد استيلائهم على مقدرات الجيش الوطني الافغاني التي تقدر بالمليارات وأرى ان الخيار الاكثر قبولا للطالبان والذي ربما ستتخذه الحركة هو الدمج ما بين الخيار الثاني والثالث وهو السعي الى استثمار العلاقات الودية مع بعض الدول خلال فترة حكمهم السابق او ذات المصالح الامنية الملحّة والاقتصادية والسياسية لكسب وانتزاع الاعتراف بالتدريج اضافة الى فرض الواقع الحالي وتشكيل حكومة افغانية تخلف هذه الحكومة واشراك بعض القوى السياسية فيها من خارج الطالبان بحيث لا يوثر على سيطرتهم على القرار مع المماطلة في تحقيق جميع الشروط المطلوبة والتي تحتاج الى وقت طويل لتغيير البنية الاجتماعية القبلية المتجذرة اضافة الى ان بعض الشروط تتعارض من رؤاهم والتي ان تنازلوا عنها سيبدأ العد التنازلي لانهيارهم من الداخل وانشقاق الكثير ممن انضموا لها وعودة البلاد الى المربع الاول مع دعواتنا ان ينشر الله الامن والسلام والطمأنينة في افغانستان والعالم اجمع اللهم آمين .