مشروع مائي ذكي مناخيا إستقطبه الملك، هل سيحل أزمتنا المائية؟
كتب أ.د. محمد الفرجات
إستقطب جلالة الملك في إحدى زياراته إلى النرويج قبل سنوات تكنولوجيا ذكية مناخيا وبيئيا خاصة بتحلية المياه لغايات الزراعة، وقامت بالفعل ١٢ كم شمال العقبة، ويقوم المشروع المسمى ب”صحارى” بتحلية مياه البحر بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح لري نحو ٣٠ دونم، لغايات الإختبار والتجربة على أرض الواقع، مع أخذ ودراسة كافة المتغيرات المناخية والتربة والطاقة المتجددة المستعملة للتحلية والإنتاج الخضري بعين الإعتبار.
المزرعة التي تستخدم البذور فائقة الجودة وتقوم على تكنولوجيا رخيصة تتأقلم مع المناخ الجاف والحار، وعلى أفضل طرق الري وبأعلى كفاءة، إضافة لإستخدام الأسمدة العضوية، أنتجت ثمارا عضوية من ذات المساحة، بكميات وافرة تفوق ما ينتجه الدونم الواحد بمزارعنا التقليدية بعشرات الأضعاف وبجودة عالية جدا.
نحتاج في الأردن لغايات الزراعة سنويا ما مجموعه نحو ٣٥٠ مليون متر مكعب من مياه صالحة للشرب تأتي من المصادر الجوفية المتجددة وغير المتجددة، وكذلك من السدود والمصادر السطحية الأخرى، وهنالك كمية إضافية تبلغ نحو ١٠٠ مليون متر مكعب سنويا لذات الغاية تأتي من المياه العادمة المكررة.
ناقلنا الوطني المزمع مده للمحافظات من العقبة، مع تشييد محطة تحلية لمياه البحر، يتوقع منها أن تزود المحافظات بما يقارب ٣٠٠ مليون متر مكعب سنويا لسد العجز المائي لغايات الشرب.
المشروع يحتاج عدة مليارات وهي غير متوفرة، وسينتج مياها محلاة بنكهة غير محببة، ونوعية قد لا تكون صديقة للصحة على المدى الطويل.
ماذا عن تخصيص ربع هذه المبالغ، وإقامة بضعة مدن زراعية في أقصى الجنوب، ورفدها بذات تكنولوجيا مشروع صحارى وبمقاييس أكبر، وفتح الباب للمزارعين بالإستثمار فيها، على أن توفر لهم ولأسرهم السكن والخدمات الشاملة والبنى التحتية والفوقية العصرية وسبل الرفاهية.
لو نجح التوجه، وفتحت هذه المدن باب الخير والرزق للمزارعين بالتزويد الداخلي (أمننا الغذائي الوطني) والتصدير للخارج عبر ميناء ومطار العقبة القريبين، فسيخف الضغط والطلب على المياه لغايات الزراعة في محافظات الشمال والوسط وحتى الجنوب، ويذهب الفائض لغايات الشرب، ناهيكم عن أن سكان المدن الجديدة وبلكف بسيطة جدا يمكن أن يشربوا من خزان الديسة القريب منها.
كفاءة إستعمال المياه لغايات الري بتكنولوجيا صحارى ستنتج أضعاف ما تنتجه أراضينا حاليا من إنتاج خضري، بكميات أكبر وجودة أعلى ومنافسية قوية في الأسواق المحلية والعالمية، وقد نتوسع لزراعة الأعلاف ومشاريع إنتاج اللحوم والألبان.
الأمر سيفتح الباب أمام وزارة الزراعة لتنظيم الإنتاج الزراعي، والتغلب على عشوائية وخسارة القطاع والفلاحين.
هذه المدن بحد ذاتها ستكون مشاريع تنموية إستثمارية وطنية توازي رؤى مشروع النهضة الملكي دولة الإنتاج، توفر عشرات آلاف فرص العمل، وتعزز إيرادات الدولة والعملة الصعبة وتنعش السيولة على حد سواء.
أمام الشح المائي والتغير المناخي والعطش القادم والفقر والبطالة والشح الغذائي العالمي القادم وجنون الأسعار، نجد أن هكذا فكر حري بأخذه محمل الجد.
شكرا لجلالة الملك الذي إستقطب هذه التكنولوجيا عبر إحدى زياراته للنرويج، ونتمنى أن يتم دراسة الطرح من خلال فريق وطني متخصص، يقارن بين كلف وعوائد محطة التحلية والناقل الوطني من جهة والفكرة أعلاه من جهة أخرى.