د. عصمت حوسو تكتب : أميرة في أوسكار التطبيع والعار
حلقة جديدة من مسلسل العهر الصهيوني تُضاف إلى تاريخه القذر بأدواته العربية الرخيصة، فأمسى التبجّح بالتطبيع والتصهين هو الحلقة الأبرز في فضاء الوهن العربي، فلم يكتفوا ببيع فلسطين في سوق النخاسة العربي، ولم يكتفوا بالتنكيل في شعبه المقاوم العظيم وحصاره وحرمانه من أبسط حقوق الإنسان، فبدأوا الآن بتشويه صمود الأسرى البواسل وحفاظهم على تكاثر النسل من المقاومة الحرّة من خلال تهريب “النطف المحرّرة” لزوجاتهم، وهذا ليس بغريبٍ على هؤلاء البواسل والجين النضالي الذي يسري في عروقهم ويرغبون بشراسة إلى استمراره إلى أن تتحرّر فلسطين، كل فلسطين من النهر إلى البحر..
فلم (أميرة) المبتذل يشوّه أصالة الدم الفلسطيني ونقائه وقوة مقاومته، ويستخفّ بصمود الأسرى، ويتنكّر لجميع الدماء العربية الطاهرة التي سالت على أرض فلسطين المباركة ذودًا عنها أمام الاحتلال الصهيوني الغاشم الغاصب، كما يستهين في ذات الوقت بصبر أمهات الشهداء اللواتي قدّمنَ فلذات أكبادهنّ فداءً لفلسطين ودفاعًا عمّا تبقّى من فتات الكرامة العربية إن بقي منها شيء يُذكر..
لعلّ انتصار المقاومة في معركة سيف القدس الأخيرة، والنصر الذي حققه الأسرى عندما كسروا أنف الكيان وشقّوا طريق حريتهم من تحت الأرض حتى وإن باءت محاولتهم بالفشل، إلاّ أنّ شرف المحاولة هو نصر بذاته لمن يعي معنى الحرية الحقيقي، بالإضافة إلى معارك الأمعاء الخاوية الكثيرة للأسرى التي دكّت جدار القوة المصطنع لكيانٍ أوهن من بيت العنكبوت، وانتصرت إرادة الأسرى على ضغوطهم الشاقّة وأسلحتهم المتطورة، والأخيرة تسقط دومًا أمام إرادة أبطال المقاومة.
تلك الأحداث الأخيرة البارزة استدعت الصهاينة لتشويه صورة الأسرى والتقليل من قيمة المقاومة أمام قوة الكيان المزعومة، كمحاولة بائسة تُضاف إلى محاولاتهم القبيحة والكثيرة جدًا على مدار سبعة عقود ونيف لإشعار العرب كافة والشعب الفلسطيني خاصة بأنهم الأقوى، وما عليهم سوى الاستسلام أمام جبروت الصهاينة ودعم العالم لهم، وبأنّ المقاومة لا جدوى لها، وكل تلك المحاولات باءت بالفشل وما زالت المقاومة تزيد إصرارًا وعزيمة لتحرير فلسطين، فلم يعد (كيّ الوعي) يُجدي نفعًا، فلجأوا إلى التطبيع أو بالأحرى “التطويع والتركيع” مع العرب للضغط على المقاومة الفلسطينية وإضعافها لتبقى وحدها في الساحة، فظهرت لنا الكثير من اتفاقيات الذل والعار للتطبيع عالمكشوف وتسليم زمام أمورنا للصهاينة على جميع الصُعُد، وبالرغم من كل ذلك وأمام طغيان العهر العربي يزيد أمامه عدد الأحرار من الأمة العربية الرافضين لكل هذا الذلّ العربي (( الطوعي )) وممن يدعمون المقاومة..
التعدّي على المقاومة وتشويهها ليست المرة الأولى، وتجميل قباحة التطبيع لن تكون الأخيرة، فجاء هذا الفلم المدعو “أميرة” لتزيين التطبيع من خلال الفنّ، ولتجميله أيضًا من خلال فكرة خطيرة تدور حوله أحداث الفلم باختلاط الأنساب بين الصهاينة والعرب، وينبني على ذلك ضرورة تقبلهم والتعايش معهم بسلام بسبب المصاهرة من خلال النطف المهربة التي يبثّ سمومها هذا الفلم العفن، والذي يعكس بدوره عفن كل القائمين عليه، ولا أستثني منهم أحدًا..
النطف المهربة من الأسرى أيها المطبعون الأنذال طاهرة ولن تتنجّس بنطف الصهاينة التي حاول هذا الفلم إظهارها، وقد صدر فيها فتاوي شرعية ثابتة، وهناك إجراءات مشددة عند القيام بها، كما أنّ طرق تهريبها كثيرة الصعوبة من داخل سجن العار للأحرار الذين يقبعون داخل أسواره، وبدلاً من تشويه نسل الأسرى في هذا الفلم النجس كان من الأجدى ترويج ضعف الصهاينة أمام الأسرى، وقدرة الأسرى على الصمود والمقاومة والتكاثر والتناسل من داخل السجون الصهيونية رغم كل أنواع الأسلحة المدججة والأدوات الخانقة التي تحيط بهم.
فكان عليكم تعظيم فكرة تهريب النطف النقية وطهارتها، وتوعية الشعب العربي والغربي على كل أشكال المقاومة الفلسطينية داخل السجون وخارجها بدلاً من الأفكار القبيحة التي حاولتم بثّ سمومها في هذا الفلم الصهيوني بامتياز..
ولا يسعني هنا مع الكثير من أحرار العرب والعالم الأجمع سوى لعنة كل من قام على هذا العمل المشين، وإن أردتم التقدم به لجائزة الأوسكار فنعم لقد نجحتم بشراسة لأوسكار الذل والعار، وتمت إضافتكم للقائمة السوداء في تاريخ التطويع العربي، وحينها لن تنفعكم الشهرة ولا المال أمام سباب ولعاب أحفادكم عليكم وعلى قبوركم..
ولا غرابة في توقيت هذا الفلم وفكرته النتنة التي تزامنت مع (الهوية الجامعة) التي تريد أن تطمس الهوية النضالية الفلسطينية، وتريد أن تلغي الهوية الأردنية من خلال تذويبهما معًا في هوية جامعة كبديل عن الهويتين الفلسطينية والأردنية، وإلغاء حق العودة، وجمعهما معًا في وطنٍ واحد كوطنٍ بديل عن الأردن وفلسطين؛ وذلك لإنهاء القضية الفلسطينية وتقديم كل فلسطين طوعًا للصهاينة لإقامة دولتهم المزعومة، كما تزامنت أيضًا مع المحاولات البائسة كذلك لإثارة الفتن والنعرات بين الشعبين من خلال اللعب على وتر العنصرية والتي باءت جميعها بالفشل بسبب وعي الشعبين، حيث لم تعد تنطلي عليهما الدعايات والأفكار المغرضة التي نجحت سابقًا.
كل ذلك وأكثر لمحو القضية الفلسطينية من الوجود وللقضاء على كل أشكال المقاومة، والطريف في الأمر أنّ السحر دومًا ينقلب على الساحر وتعود قضية العرب الأولى إلى الساحة أقوى من السابق بفضل الله، ووعده لنا بالنصر وتحرير فلسطين من دنس الصهاينة جميعهم، والعرب منهم على وجه الخصوص..
وفي الختام نقول أنّ من يدافع عن فلسطين وعن المقاومة كأنه يدافع عن وطنه؛ لأنّ حماية فلسطين هي حماية لكل الوطن العربي دون استثناء، ونعود ونكرر كما نقول دومًا أنّ الشعب الفلسطيني هو الشعب العربي الوحيد غير المحتلّ، وستبقى المقاومة شوكة في حلق كل دعاة التطويع والتركيع، وستبقى المقاومة أيضًا المتجسدة بهوية النضال الفلسطيني “عقبة” أمام التمدّد الصهيوني في الأرض العربية التي عاث فيها من الفساد ما يكفي على رقاب البلاد والعباد..
خسئتم أيها المطبعون ولعنكم الله وسنبقى نقاوم بالكلمة والفكرة وبكل ما يقع بين أيدينا من أدوات لفضحكم وتعريتكم والتصدّي لكم..
عاش الشعب الفلسطيني المقاوم، وعاش الشعب الأردني الصنديد، وعاش الشعب العربي الحرّ….