من حقوق الإنسان إلى قانون “المثلية الجنسية”، إلى أين تتجه البشرية؟
كتب م.علي أبو صعيليك
مفهوم “حقوق الإنسان” الذي ملأ الدنيا ولم يقعدها وخصوصاً منذ النصف الثاني من القرن الماضي وتم تسخير وسائل الإعلام الغربية ومن ثم العربية في تسويقه وإكسابه حاضنة شعبية ومن ثم إستخدام المنظمات الحكومية وغير الحكومية في تنفيذ برامجه وأغلبها في منطقة الشرق الأوسط بدأ يخبو تدريجياً مقابل مفاهيم جديدة وتحديداً مفهوم حقوق “المثلية الجنسية”، والسؤال من هي القوة التي تطرح هذه المفاهيم وتدعم تطبيقها في كل دول العالم بهذه القوة والنفوذ ولماذا؟ وهل فعلا تبحث هذه القوى عن حقوق الإنسان والمرأة وحتى الشواذ؟ أم لها مآرب أخرى؟
مناقشة الموضوع لا يعني أننا ضد حقوق الإنسان أو حقوق المرأة تحديداً، فهي ليست مجرد مفاهيم تجارية في نظرنا بل هي أساسيات رسختها الأديان السماوية قبل القوانين البشرية، وأيضاً هي أهداف يجب أن يكفلها كل نظام متحضر غير عنصري، ولكن الإختلاف قد يكون وفق طرق التطبيق وإحترام الأديان وتنوع الثقافات وبعض الأمور التي سيتم بحثها في السطور القادمة.
بالعودة لمصدر تلك المفاهيم التي تحضى بصدى عالمي، ومع الأخذ بعين الإعتبار إنهيار منظومة القوى الإشتراكية في نهاية القرن العشرين، ومن ثم صعود وسيطرة النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي تسيد المشهد في المعمورة، والفكر العميق للنظام الرأسمالي بتطوراته التجارية ومن ثم الصناعية حتى الوصول للمالية، ومن ثم سيطرة المؤسسات المالية الدولية هي الأساس فيما يتم فرضة وتطبيقه من مبادىء رأسمالية الفكر خصوصاً مفاهيم تحرر الأسواق، والإنسان “المستهلك” هو المستهدف الرئيسي في هذا الفكر المادي، ولذلك تم صياغة تفاصيل حقوق الإنسان ومن ثم المرأة بما يتناسب مع تلك المفاهيم، ولكن يبدو أنها ليست كافية لتغول رأس المال!
ولأن المؤسسة الرأسمالية العالمية تهدف لصناعة الأموال وهو ما إتضح من خلال نشاة الطبقة البرجوازية، فقد تم تفصيل “قماشة” مفاهيم “حقوق الإنسان” وكذلك “حقوق المرأة” بما يناسب تحقيق ذلك الهدف، ولم يكن الإنسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص إلا “أدوات” أو “سلعة” للوصول للهدف المنشود والذي يتضح يوماً بعد يوم بتضخم الأموال في قبضة جزء قليل من البشر وتضخم معدلات الفقر والجهل والتبعية في العالم.
تنافضات النظام الرأسمالي مع تلك المفاهيم كثيرة ومن الشواهد على ذلك على سبيل المثال سلسلة جرائم الحرب والإبادة التي إرتكبتها الدول الرأسمالية الغربية في مختلف أنحاء العالم وقتل المدنيين وهو الذي يتنافى مع مفاهيم حقوق الإنسان والمرأة، وكذلك تمكين العديد من الأنظمة الديكتاتورية التي تضمن تحرر الأسواق وهو عنصر أساسي لتمكن الرأسمالية من السيطرة.
الأديان السماوية فيها من التشريعات ما يضمن للإنسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص كرامتهم وحقوقهم ولا يحتاج الموضوع للكثير من الإجتهاد والإبتكار في هذا الشأن، وهنالك الكثير من التفاصيل التي لم تترك مجالاً للإجتهاد ونستدل هنا كمثال من القرآن الكريم في سورة الإسراء {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وَرَزَقْنَٰهُم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}
وبالإنتقال لأحدث المفاهيم التي تعمل القوى الرأسمالية على نشرها وتشريعها قانونياً في دول العالم وذلك من خلال أذرعها ذات النفوذ القوي، مفهوم حقوق “المثلية الجنسية” وهو الذي يعطي الحق قانونياً لمن هم من نفس النوع “ذكر مع ذكر” أو “أنثى مع أنثى” بالزواج أو الحق بإقامة علاقة كاملة في إطار قانوني.
وفعلاً تم تشريعه قانونياً في ثلاثين دولة لغاية الآن أغلبها أوروبية، وقد لا تمر فترة طويلة قبل أن تتعدل تشريعات العديد من دول العالم ومنها الدول العربية لكي تتوافق مع نظيرتها الأوروبية، فمن تنازل عن أمور عقائدية سابقاً لن يصعب عليه التنازل عن غيرها لاحقاً، إلا إذا كان للمواطن العربي ردة فعل مختلفة هذه المرة!
“المثلية الجنسية” ليست ظاهرة جديدة على البشرية، فقد إشتهرت تاريخياً من خلال قصة لوط عليه السلام مع قومه وما نزل عليهم من غضب الله تعالى وتم ذكره مفصلاً في القرآن الكريم في سور متعددة منها الأعراف، هود، الحِجر، الأنبياء، الشعراء، النمل، العنكبوت، الصافات، القمر، وفي كل سورة كانت هنالك عبر ومقاصد ودلالات، وكانت عقوبة قوم لوط أن أغرقهم الله تعالى وخسف بهم الأرض وأباد وجودهم بسبب سلوكهم الشاذ.
الفكر الرأسمالي يأخذ البشرية نحو مزيد من الإنحرافات في سبيل صناعة المال وتضخم الثروات وقد يأتي بمفاهيم أخرى وهنالك مؤشرات لخطوات تتعلق بالحياة الجنسية للأطفال!
إذا كانت مفاهيم حقوق الإنسان وحقوق المرأة قد وجدت لها دعماً وقبولاً وهذا شيء طبيعي لأنه يتوافق مع العقل البشري في بحثه عن حقوقه، فإن مفهوم “المثلية الجنسية” يختلف جذرياً ولن يجد له حاضنة شعبية لأنه سلوك شاذ منافي للطبيعة البشرية ونتيجته الحتمية غضب الله تعالى خصوصاً في المناطق التي تنتشر فيها.