في ذكرى الانتفاضة الوطنية الفلسطينية الكبرى
بقلم: شاكر فريد حسن
مضى 34 عامًا على الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الباسلة، المسماة بانتفاضة الحجارة، وهي الانتفاضة الوطنية الأولى والكبرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي انطلقت من مخيم جباليا في قطاع غزة، بعد استشهاد أربعة عمال على حاجز بيت حانون المعروف بـ “ايرز”، حيث أقدم أحد المستوطنين بدهس العمال بشاحنة، وسرعان ما امتد لهيب الانتفاضة إلى كل بلد ومخيم في القطاع، ومن ثم إلى الضفة الغربية، وتحديدًا إلى مخيم بلاطة ومدينة جبل النار نابلس، وفيما بعد اشتعلت في كل أنحاء الأراضي الفلسطينية، وسقط الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى.
وتواصلت الانتفاضة على مدار سبع سنوات، وقامت سلطات الاحتلال بالرد العنيف على الانتفاضة، واقامت الحواجز وأغلقت الجامعات الفلسطينية التي شكلت بؤر للنضال والوعي والمقاومة، واعتقلت نشطاء وقيادة الانتفاضة، وابعدت عددًا منهم خارج الوطن، وهدمت البيوت والمنازل ودمرت البشر والحجر والشجر.
وشكل الشباب الفلسطيني عصب هذه الانتفاضة الباسلة، والعنصر الأساسي المشارك فيها تحت توجيه من القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، وارتوى ثرى فلسطين بدماء الشهداء الأبرار الذي دفعوا حياتهم فداءً للوطن والقضية والاستقلال.
وظلت شعلة الانتفاضة متوهجة إلى ان خف أوارها بعد توقيع اتفاق أوسلو، الذي أعاد الهدوء للمناطق المحتلة، لكنه تسبب بانقسام حاد في الشارع السياسي والمجتمع الفلسطيني، والطامة الكبرى في مفاوضات أوسلو التي اسفرت عن إخماد شعلة الانتفاضة والهبة الجماهيرية الكبرى، بعد أن حققت مكاسب سياسية على الصعيدين الداخلي والعالمي. وغرق الفلسطينيون في مفاوضات عبثية لأكثر من ربع قرن، وبالمقابل حقق الاحتلال مزيدًا من المكتسبات والمنجزات على الأرض من حيث اتساع رقعة الاستيطان وزيادة أعداد المستوطنين، وكسب الوقت وإبقاء الوضع على ما هو عليه، لإطالة عمر الاحتلال وتكريسه.
وتفاعل الشعراء والمبدعون الفلسطينيون مع الانتفاضة، فكتبوا فيها أجمل واروع القصائد والأشعار، وأنشدوا لها ومجّدوا صناع الحياة وشباب المقاومة، وتغنوا بالحجر، سلاح الفلسطينيين في مواجهة المحتلين.
مرت سنوات وسنوات طويلة على انتفاضة الحجارة، ومضى عهد أوسلو، ولم تجدِ المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي نفعًا، بسبب تعنت المفاوض الإسرائيلي، ولم يحقق شعبنا الفلسطيني حلمه بالحرية والاستقلال، وتحولت السلطة إلى حارس أمين للاحتلال قامع المنتفضين والمقاومين له، وأصبح الانقسام سيد الموقف وعنوان المرحلة الراهنة.
وأخيرًا، فإن قيم ورسالة الانتفاضة الفلسطينية الكبرى لن تغيب أبدًا، وتبعث الأمل في نفوسنا بإنهاء الانقسام المعيب والمدمر والخطير، الذي كان وسيكون له آثار سلبية وضارة على النضال الوطني التحرري الاستقلالي.