هل وأد الاردنيون اتفاقية إعلان نوايا مقايضة ” الطاقة بالمياه ” مع دولة الكيان الصهيوني… ؟؟
احمد عبدالباسط الرجوب
بعد تردد طال حول الكتابة عن موضوع إعلان نوايا لمقايضة ” الطاقة بالمياه ” بين الأردن ودولة الكيان الصهيوني والتي تم التوقيع عليها بالاحرف الاولى في جناح الامارات العربية المتحدة في معرض “إكسبو دبي 2020″ يوم الاثنين بتاريخ 22/11/2021 ، ويندرج هذا المشروع في اطار إعلان نوايا للتعاون في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وتحلية المياه، حيث سيكلف هذا المشروع من 1200 الى 1600 مليون دولار وبتكلفة المياه للمتر المكعب من (نصف – دولار) على أن تبدأ دراسات جدوى المشروع العام المقبل. وتنص الاتفاقية على أن يعمل الأردن على توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لصالح دولة الكيان، والتي ستعمل على تحلية المياه لصالح الأردن الذي يعاني من الجفاف…
لم انتظر طويلا فقد شرعت بوضع النقاط فوق الاحرف لاخرج بمقال يثري النفع العام ويسلط الضوء على مكامن هذه الاتفاقية ” ما لها وما عليها ” من عدة زوايا (السياسية والاقتصادية والفنية) ، مع مراعاة الصالح العام الذي تقف عندها مصلحة بلادنا وهنا مربط الفرس بان الاردن خط احمر واي خطأ في اتخاذ اي قرار يتعلق بامنة المائي او الحدودي هو بمثابة الخطيئة يتحمل وزرة من كان تحت قسم المسؤولية بغض النظر عن موقعة الوظيفي في الدولة… ونشرح ونقول فيما يلي ابتداءً:
(1) البعد السياسي والاجتماعي
دعونا هنا نتحدث من المنظورين (السياسي والاجتماعي ) عن قدرة الأردن على تحمل تبعات ما يتم الحديث عنه من مشاريع استثمارية ستولد من رحم الاتفاقيات الايراهيمية ( Abraham Accords) والتي وقعت بين بعض دول الخليج العربي مع دولة الكيان الصهيوني ، وهذه الاستثمارات يطغى عليها الجانب السياسي التطبيعي قبل الشأن الاقتصادي وهي ما يخضع لمقياس الضغط بصورة مستدامة لمعرفة درجة الأمان في السير بالخطوات المكلفة للاستثمار في خطط هذه الاتفاقيات الطويلة المدى، كأنابيب نقل النفط وخطوط تجارة الترانزيت والتي هى من صلب اجندة هذه الاتفاقيات…
لذلك كانت الخطة الأولى هي الوعود بتأمين عائدات للمواطن الأردني من هذه المشاريع لضمان اشتراكه بالاستفادة، وفقاً لما يسمى بطمأنة الشعوب بالفوائد الاقتصادية والتي ستعود عليها بالنفع وزيادة فرص العمل في بلد وصلت فيه نسبة البطالة (24.5) ، وهذه هي وظيفة المشروع الممول لبناء مزارع توليد الطاقة الجديدة النظيفة من الشمس، في الصحراء الأردنية وبيعها لكيان الاحتلال، مقابل شراء كميات من المياه المحلاة التي تنفذها مشاريع يمولها ذات البرنامج ضمن إطار التشجيع على الاستثمار المتبادل، ولم يكن أحد من القيمين على المشروع ليضع في حسابه أن يتعرض البرنامج لحملة احتجاج شعبية تعادل الانتفاضة تجعله موضع إعادة نظر، في ضوء خروج الآلاف من الأردنيين في تظاهرات رفضاً للمشروع، وما تؤشر عليه نحو المستقبل…
(2) دول الجوار الاقليمي
يعتري هذا المشروع الكثير من الارهاصات (السياسية والتمويلية) من خلال بعض الملاحظات التي تراشقتها وسائل اعلامية وتقارير صحفية كونها لم تاخذ الطابع التنسيقي ما بين دول الحدود (السعودية،الاردن،الامارات) خصوصا في البُعد السياسي وبشكل أكثر خصوصية في مجالي الحفاظ على البيئة وتأثير استخراج الطاقة الشمية ، إضافة لحزمة من الملاحظات الفنية حول كلفة تحلية مياه صالحة للاستعمال وإرسالها أو تخزينها إلى الأردن عبر دولة الكيان بعد تحليتها على شواطئ البحر المتوسط في فلسطين المحتلة….
وذات السياق فيما يتعلق بمشروع الناقل الوطني للمياه من العقبة الى عمان يحتاج لموافقة دولتين مجاورتين هما مصر والسعودية، والذي يبدو أن الاردن تلقى مبكرا إشعارا بأن السعودية لا تمانع من اقامة مشروع تحلية المياه على خليج العقبة… ويمكن تفسير هذا الإشعار على أنه تدخّل سعودي إضافي يحاول تجنيب الأردن الاسترسال والتعمّق في المشروع الإماراتي لتبادل خدمات الكهرباء والمياه خصوصا وأن المصالح الاردنية علقت في حسابات سعودية إماراتية تنافسية لها علاقة بمشاريع الطاقة والسياحة والخدمات إضافة إلى مشروع سكة القطار الاقليمي الذي يفترض فيه الربط ايضا مع مصر والعراق وحتى دول الخليج العربية.
(3) خط الناقل القومي
ننظر الى اهمية مشروع الناقل القومي وبخاصة إنجاز المرحلة الأولى منه ، بأنه سوف يساعد بسدّ جزء من عجز ونقص المياه التي تعاني منها مناطق متعددة في المملكة بحلول مائية مستدامة والحد من انخفاض مستوى المياه الجوفية التي حذرت منها دراسات دولية متقدمة ويوفر مصادر جديدة مستدامة وتنفيذ مشاريع مائية كبرى خاصة انه يعزز الاحتياط المائي في ظروف الازمات المفاجئة ، لذلك، تتطلب الإدارة المستدامة للمياه نهجًا نظاميًا شاملاً تندرج عليه التنبوء المستقبلي ومتطلباته وهى حالة الامن المائي والتي يندرج في سياقها المشروع الوطني الناقل للمياه وهو ما يوصف ” قدرة السكان على ضمان الوصول المستدام إلى كميات كافية من المياه ذات الجودة المقبولة للحفاظ على سبل العيش، ورفاهية الإنسان، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية “…
ولأن مصادر الطاقة النظيفة متوفرة لنا بدون سقوف، فإن توافر مصادر الطاقة النظيفة ذات الكلفة المنخفضة كفيلة بحل أزمة شح المياه حلا مستداما عن طريق مشروع تحلية المياه على خليج العقبة في البحر الأحمر ، وبعبارة أخرى نحن لسنا في وضع حرج يجعلنا نذعن ونقبل بأي حل لشح المياه ، ولسنا مأزومين لدرجة رهن مصادرنا المائية لكيان يتربص بنا السوء دوما ، أما وقد بدأت الحكومة ممثلة بوزارة المياه والري بالإجراءات التمهيدية لتنفيذ مشروع الناقل الوطني فعلينا أن نمضي في ذلك بعزيمة قوية…
(4) صفوة القول:
1. تعرض الاردن الى عدة ازمات مياه خانقة وبمعدل كل خمسة سنوات ، وبخاصة ازمة المياه عام 1987 نتيجة ضخ مياه عالية العكورة من قناة الملك عبدالله الى محطة تنقية زي، وغير بعيد عن ذاكرتنا ازمة وتلوث المياه الخانقة في العاصمة عمان في العام 1998 ، ولذا تعد إمكانية الوصول إلى مياه آمنة ونظيفة أمرًا بالغ الأهمية لمجموعة واسعة من القطاعات الاقتصادية… وهذا ما يدعونا الى التنويه لمخاطر اقامة مشروع مياه بيد دولة الاحتلال (الابارتهايد) لا تراعي للمواثيق والاعراف اي احترام وكما اسلفت بعد معاناة في حوادث تلوث مياه العاصمة عمّان في سنة 1998 و 2007 و 2009 وغيرها بعد اختلاط ماء ملوث بمياه الشرب الاردنية الواردة الينا من (دولة الكيان) …
2. ولا يغيب عن بالنا تهديد وزير الزراعة في حكومة الاحتلال الصهيوني، أوري أريئيل بتاريخ 22/10/2021، بقطع المياه عن العاصمة الأردنية عمان، ردا على إنهاء ملحقي الباقورة والغمر من اتفاقية السلام ،وقد نقلت وسائل إعلام عبرية عن الوزير قوله إن حكومته ستقلص المياه التي تزود بها عمان من أربعة أيام إلى يومين في الأسبوع إذا تم إلغاء الملحق الخاص بأراضي الغمر والباقورة… وفي ذات السياق وعلى خبث نوايا هذا الكيان الغاصب فقد ذكرت بعض المصادر بأن الكيان الصهيوني عاث في أراضي الغمر المستعادة فسادا قبل إعادتها للسيادة الأردنية فقد قام بردم 16 بئر مياه بأسلوب لا يمكن الاستفادة منها لاحقا، مما دفع الأردن لحفر 6 آبار جديدة، بكلف مرتفعة، بالإضافة إلى تخريبهم وصلات الكهرباء في المنطقة وإعادة البنية التحتية فيها إلى الصفر (سياسة الارض المحروقة) ، تخيلوا أهمية هذه الآبار في ظل الوضع المائي الذي نعيشه الآن! ، أما آن لنا أن نقرأ القرآن ونعرف سلوك الصهاينة اليهود وانهم يخربون بيوتهم قبل أن يغادروها فنكون مستعدين لهم؟! .. اذن كيف نضع شربة مائنا بين يديهم ..
3. اذا كانت الدول التي حاكت “بنود النوايا هذه” حريصة على مصلحة الاردن وعطشه المائي كان الاحرى بها تنبيه دولة الكيان الغاصب الالتزام بما اقرته خطة موفد الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور السفير جونستون عام 1953 لتوزيع مياه نهر الاردن ، لكن الكيان الصهيوني قام بعملية بلطجة جهارا نهارا بتحويل مجرى نهر الاردن الى عمق الاراضي الفلسطينية المحتلة ، والذي أقرتة دولة الكيان الصهيوني في مطلع الخمسينيات من القرن المنصرم وانتهى العمل به في العام 1964، فيما يعرف بخط المياه القطري والذي يسرق ما مجموعه 1.7 مليون متر مكعب في اليوم من مياه نهر الاردن ، وهى مياه مشتركة مع الاردن حسب تقسيم حونستون الامريكي الذي اشرنا اليه ، وهو السبب في تقلص مساحة البحر الميت لعدم وصول مياه نهر الاردن له على مدار 60 عاماً..
4. نحن على علم ودراية بانه لدينا مشكلة تتمثل بشح الموارد المائية ، ولكنها مشكلة غير مستعصية بل قابلة للحل السريع ولدينا الإمكانيات لتنفيذ مشاريع انتاج المياه وضمن قدراتنا المحلية وتعاون جميع الجهات المعنية (الحكومة والقطاع الخاص) ، وطالما أن الكيان أفصح عن أطماعه بجغرافية أرضنا لتوليد الطاقة النظيفة، فنحن أولى منه بها لحل أزمة شح الطاقة عندنا، ولسنا معنيين بمساعدتة على تنظيف مصادر طاقته ، ناهيك ان دولة الكيان الصهيوني لديه التزامات صارمة في مجال الاحتكام للأجندة العالمية في مجال البيئة والتلوث البيئي وبالتالي مصلحة الكيان البيئية تتطلب مساحة محددة فقط من انتاج الكهرباء عبر الطاقة الشمسية او عبر اشعه الشمس وبالتالي يوفر ايضا المشروع في حال اقامته في الاردن احتياجات الكيان المحتل من الكهرباء البديلة بالحد الادنى من الكلف المالية ومن التلوث البيئي بنفس الوقت ، وهو ما ظهر واضحا من مسوّدة اتفاقية النوايا بأن الطاقة التي سيتم توليدها على الاراضي الاردنية هى لاستعمال دولة الكيان، أي ارتهان ارض اردنية لصالح دولة أخرى (احتلال اقتصادي) بدون وجود البسطار العسكري …
ختاما … عندما يخرج الأردنيون رفضاً للمشاريع المصممة لكسب ودهم ورضاهم، بالتالي صمتهم على ما سيليها، وما يطلب إليهم حراسته وتوفير أمنه من مشاريع عملاقة لاحقة، فهذا يعني نسف فرص قيام هذه المشاريع، التي لا يمكن حمايتها إلا بالاستقرار، فمسار مئات الكيلومترات لأنابيب نفط السلام ! (الامارات – المتوسط) وقوافل التجارة وباصات / حافلات السياح، لا يمكن حمايته بنشر مئات آلاف الجنود على هذه المسارات والطرقات ، بل بخلق بيئة متصالحة مع المشاريع توفير الاستقرار السياسي والأمني، وهذا باعتقادي ما يجعل من مشروع اكسبو (المياه مقابل الطاقة) عديم الجدوى في هكذا رؤى قام عليها الامريكي عبر الاطلسي ، وما ليس بالإمكان تجاهل فشله وتجاوزه والسير بالمشاريع التي تصبح الاتفاقات الابراهيمية من دونها أقل قيمة ومردود، وتموت تطلعات أصحابه للشراكات الاستراتيجية المربحة، وهذا يعني بالتوازي صرف النظر عن مشاريع ضمان أمن صيغة الشام الجديد، التي تضم الأردن والعراق ومصر.
ولما تقدم وبدون مواربة ونقولها بصراحة اذا ما تم هذا المشروع نكون قد ارتهنا لصالح دولة لا تراعي المواثيق والعهود، مما يشكل خطورة كبيرة على الأمن المائي الأردني وخطرا وجوديا على بلادنا.. وكمثال على ذلك، مشروع الانبوب الناقل، الذي يصل بين البحر الأحمر والبحر الميت والذي كان سينقذ البحر الميت من التقلص وسيمكن الأردن من انتاج مياه صالحة للشرب، وبالرغم من توقيع الاتفاقية في عام 2013 فلم يرى هذا المشروع البيئي الهام النور بسبب التعنت الصهيوني…
باحث ومخطط استراتيجي