رنا حداد تكتب : الموضة السريعة .. جدا
بصفتي أمًا لثلاثِ بناتٍ في مراحلٍ عُمرية ٍتهتمُ فيها الفتياتُ بالمظهرِ والأزياءِ ويتابعنَ بشغفٍ «ترندات» الموضةَ والملابسَ، بالطبعِ من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بكافةِ منصاتِها، ووسائل عرض وجذب، حدث ولا حرج، أجدُ نفسي اليومَ أمامَ مصطلحِ «الموضة السريعة» ، أو «الموضة التي تُستخدمُ مرة واحدة».
مرغماً أو بطيبِ خاطرٍ، اعتماداً على الوضع المادي بالطبع، تراك تدفع لبناتك وأولادك ثمن هذه السلع، التي تصلُ غالباً عن طريق «خدمة التوصيل» إلى باب منزلك بسهولة ويسر.
الأمرُ لا يقف هنا، فهم مستمرون، صناع الموضة والمستهلكين، فما يلبثُ أصحابُ ماركات هذه السلع الذين يدركون تماماً فهم المستهلكين وقبولهم للجودة الأقل للملابس مقابل الأسعار المنخفضة، لذا تراهم يسارعون إلى التخلص من السلع القديمة والبحث عن تقديم كل ما هو جديد، وهكذا دواليك.
بطبيعةِ الحالِ، الأزياءُ، عالمٌ متجددٌ، لكن «التلوث» الحاصل نتيجة سلوكيات الموضة السريعة، مخيف، ومكلف ومهدد ايضاً.
بيئياً ومادياً وانسانيا، هناك ضرر، فهذه الشركات تلقي ما يفيض عن تسويقها هنا وهناك، وتحاول البحث عن حلول، بعد إغراق العالم ببضائع رخيصة لما تبقى منها ولم يسوق.
هؤلاء، غالباً ما يعيدون تدوير البضائع في البلدان التي نشأت فيها على شكل سجاد أو بطانيات وغيرها.
إنسانياً، أتعاطفُ أحياناً مع تجار هذه الموضة، لاسيما حين أسافرُ بمخيلتي إلى مصانعٍ في دول نامية، يتلقى فيها العمالُ أجوراً زهيدةً لتخرج هذه البضائع إلى دولٍ وأفرادٍ مستهلكين، ومستهلكين بكثرة.
مع الموضة السريعة، أصبح الناس يتخلّصون من ملابسهم بعد فترة قصيرة من استخدامها، وأجد نفسي دائماً في عراك «موضة» مع بناتي، حيث أميل أكثر إلى الموضة البطيئة، حيث التركيز على الملابس ذات الجودة العالية، المستدامة والأقل تلوثاً وإسهاماً في تحقيق مبدأ «سرعة التخلي» .. حتى عن قطعة ملابس واستبدالها فوراً.
الأفقُ لا يحمل علامات على توقف هذه «البضاعة» بضاعة الموضة السريعة، لكن المخيف أن تصبح حياتنا، مبادئنا، علاقاتنا، شبيهة بهذه الموضة، فلكم أن تتخيلوا حجم التلوث الفكري والإنساني الذي لا يمكن تدوير الفائض منه وحشوه بوسائد.
عالم سريع مخيف مكلف، ندعو الله ألا تمتد فيه وتيرة السرعة في التصنيع والارتداء والتخلص، ان تطال ما بقي من إنسانيتنا، التي أصبحت أكثر قابلية للتخلص منها.