لارا مصطفى صالح تكتب: عروة زريقات.. عرّاب التلفزيون الأردني

ليس لعقلي ذاكرة منتظمة. لكن من بقوا فيها، على قلتهم، كانوا ولا يزالون في مستوى الحيز الذي شغلوه. واليوم أكتب عن “عروة زريقات” بدافع شخصي أو ربما هي بعض شهادة لما يمتلكه هذا الرجل من اختلاف وخصوصية.
“عروة زريقات”، عراب التلفزيون الأردني قبل أن تتراخى خيوطه وتتهدل، وشيخ المخرجين كما يحب والدي أن يسميه. لم يكن يوما ندا أو بديلا لأحد، بل كان وسيظل جزءا لا يتجزأ ورافدا من روافد الحركة الثقافية في الأردن، ومنجزه الثري في تاريخ التلفزيون الأردني وتاريخ الدراما يشهد عليه.
تجربته الممتدة من الذاتية إلى المحيط الخارجي جبلت على وقع مخزون الوعي لديه والذي تكون إبان منتصف الستينات في مرحلة تاريخية شهدت أحلاما واحتمالات وخيبات كبيرة.
أنهى عروة زريقات دراسة الحقوق في لبنان، وبدأ مسيرته المهنية ممثلا في الإذاعة الأردنية ليلتحق فيما بعد بالتلفزيون الأردني. حمل رسالة واحدة، خلف الكاميرا وأمامها. كسر الجدار العازل بين المواطن والمسؤول واقتحم بوابة التابوهات فسلط الضوء على هموم وقضايا المجتمع الأردني برؤية واضحة، لها ظلال وقادرة على التوصيل في آن واحد. آمن بالشباب إلى أبعد حدود الإيمان، وهذا الجانب حدده أكثر مما ميزه. كلنا يعرف عروة زريقات لما كان يفيض في الحديث ويسترسل. وكلنا يعرف برامجه الحوارية “عين الكاميرا، بناة المستقبل، مساء الخير، حديث الناس، مواجهة، وجها لوجه، أهلا شباب والحكي إلنا”، والتي كانت عينا مفتوحة على مشاكل المجتمع ودلالاتها في زمن كانت فيه البرامج التلفزيونية مصابة بالإنكار.
صحيح أن “عروة زريقات” حفر اسمه بحس فني مدرك على جسد العديد من الأعمال الدرامية، وصدق اسمه. لكن الأكثر صحة أنه كان يملك الكثير ليقدمه، غير أن المرارة التي اجتاحت صناعة الدراما قطعته عنها قطعا مؤلما. وبالطبع، حين نتذكر أعمال عروة زريقات الفنية، فإننا نتذكر مباشرة (جلوة راكان، محاكم بلا سجون، رياح الليل، السعد وعد، الإرادة، الصرخة، المثل البدوي، اللغز البدوي، لغز الساعة الثالثة، الكنز، جرح الغزالة وطائر الشوك).
وعروة زريقات نقي السريرة، وفي، متواضع، عنيد في الحق، مرح وصاحب نكتة. قسماته مزيج من الحنان والصلابة، وروحه لا تعترف بمرور أكثر من 70 عاما.
ولعروة صوت بالغ النفوذ. يا له من صوت و يا له من ريحة أبوي حين ضعف قلبه ذات صيف. ما زلت أذكر لحظة هوت تلك النبرة الدافئة، المضرجة بالأمل فالتقطتها روحي وهدأت، على الرغم من ضجة عمان آنذاك وسادية الأسئلة.
هذا سرد لا ينتهي، وهو ليس سردا يبحث عن ذكريات هاربة من حارات قلبي المفتوحة. بل هي سنوات من الأحلام والإنجازات والخسارات والورود والأشواك والضحك والدموع المحفورة على جدران العمر. وما كتبته بحق الرجل ، بقدر ماهو ممكن إلا أنه عصي أكثر مما يبدو. والأمر المؤكد، أن أبا خالد لا يشبهه أحد!

 

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى