صواريخ حزب الله الدقيقة صنع في لبنان !
مهدي مبارك عبد الله
المتتبع لكلمة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني بمناسبة ذكرى القادة الشهداء التي أقيمت في الضاحية الجنوبية وبعض البلدات الاخرى يلحظ عدة رسائل صاروخية ذات رؤوس متفجرة حملتها ثناياها أهمها وصول المقاومة الى تصنيع المسيرات بما يفيض عن الحاجة وامتلاكها منذ سنوات القدرة على تحويل آلاف من صواريخها الخاصة الى صواريخ دقيقة وأنها ليست بحاجة لجلب الصواريخ من إيران بالطرق التقليدية الخطرة
حيث انتهت الى غير رجعة تحديات وصعوبات ومغامرة نقلها عبر سوريا أو البحر إضافة الى الكشف عن حيازة المقاومة على قدرات تقنية وعلمية وعسكرية واستعلامية جديدة لتفعيل نظام الدفاع الجوي الموجود منذ سنوات لمواجهة خطر المسيرات الاسرائيلية هذا الإعلان وفي هذه المرحلة يتجاوز في مضمونه ونتائجه أي خبر سابق عن قدرات واستعداد المقاومة
ربما تكون هذه الكلمة في مطلع عام 2022 الأكثر تعبيرًا والأوسع تأثيرا وحساسية لما تحمله في الشكل والمضمون من ثقة عالية وأبعاد مهمة ومعادلات خطيرة يجب التوقف عندها مليا ومحاولة مقاربتها بما يمكن أن تشكله من تغييرات مفصلية في أي مواجهة مقبلة مع العدو الاسرائيلي وهذه المرة حتما ستكون صفعة جديدة لكنها أقوى ومختلفة كثيرا عما سبق
حديث السيد نصر الله في الجانب المعنوي البحت افزع وأرعب كيان الاحتلال المهزوز وأوقف قادته ومحللوه على قدم واحدة لتفسير كل حرف وكلمة تكسرت في مضامينها ومعانيها معادلة الردع وتغيرت معها قواعد اللعبة وصيغ التحدي بعدما كان يركن الصهاينة في السابق الى ثلة من العملاء والجواسيس داخل لبنان وخارجه لاكتشاف أماكن تخزين الصواريخ الدقيقة لحزب الله لضربها والحيلولة دون تنامي عددها ووصوله الى عدة الألف
العدو الإسرائيلي اصطدم اليوم بحقيقة مخيفة سوف لن تدع لقادته العسكريين مجالا للنوم بعد الآن وهي أن الحزب لا ينتظر قوافل من هذه الصواريخ الدقيقة لتصل إليه من إيران بل هو بالفعل يمتلكها بكميات هائلة ويمكنه ان يحول الآلاف العادية منها الى أخرى دقيقة وبالتالي فقد خسر العدو رهانه تماما وانكسر معيار التوازن والتفوق الذي كان يسعى للوصول إليه دائما
هذا الإنجاز من ناحية امتلاك آلاف الصواريخ الدقيقة لن يكون وقعه عاديا على العدو الذي كان يشكل امتلاك المقاومة عشرات منها كابوسا له فكيف سيكون عليه الحال مع امتلاكها الآلاف
وقد تضمنت الرسالة ايضا إشارة للعدو بأن المقاومة أصبحت تصنع طائرات مسيرة وهي تسير منذ سنوات في هذا المجال بكل حزم وتفوق واصرار
وبما تحمله هذه القدرة من مفاجآت وغموض حول أنواع وامكانيات ومميزات هذه المسيّرات والتي من غير الواضح كيف سوف تدير المقاومة مناوراتها انطلاقًا من الحدود الجنوبية الملاصقة بالكامل والمتداخلة جغرافيًا مع أراضي فلسطين المحتلة وبما تحضنه من مستوطنات ومراكز ومنشآت مدنية وقواعد وتجمعات عسكرية وخطوط نقل وآليات يمكن استهدافها بسهولة وقدرة تدميرية عالية وهو ما سيعزز منسوب القلق الذي يهيمن على قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي بعدما انهارت كل الحدود والقيود في مسيرة بناء وتطوير القدرات النوعية والدقيقة للمقاومة
الأجهزة الأمنية في المقاومة اللبنانية كانت على علم بجواسيس وعملاء الاحتلال وترصد تحركانهم ومساعيهم لكشف مخازن صواريخها ومعداتها وقد وضعت التخطيط والعدة لصد أي تحرك او محاولة إسرائيلية فلا خوف من ذلك سيما وان معامل المقاومة لإنتاج الصواريخ والمسيرات متفرقة ولا يمكن للاحتلال معرفتها وعليه ان يبحث عنها كما يشاء فرجال المقاومة بانتظاره في كل جبل وسهل ووادي وطريق
وعلي سبيل الافتراض حتى وان وجدوا مخازن وملاجئ الصواريخ لن يتمكنوا من استهدافها وقد بشر السيد نصر الله في هذا الصدد بإمكانية انجاز عملية أخرى عل غرار ( أنصارية 2 ) في إشارة الى كمين انصارية الذي سقطت فيه وحدة إسرائيلية عندما كانت تحاول ضرب أهداف للمقاومة جنوب لبنان قبل 25 سنة
منذ عام 1985 وبالصمود والعمل والاستشهاد والنضال وبقدرات متواضعة أصبحت اليوم مسيرة المقاومة قوية ومحصنة وثابتة حيث تملك امكانيات ضخمة من الأسلحة والتجهيزات وقد تجاوزت بأشواط أغلب حركات المقاومة في العالم وباتت بمصاف الجيوش العصرية القادرة وقد فشلت إسرائيل مرات عديدة في منع نمو وتعاظم قوة المقاومة وقطع الطريق عليها في جلب اسلحة جديدة نوعية ومتطورة
امام كل ذلك على قادة الاحتلال ان يعلموا بان المعادلة العسكرية والامنية انكسرت وان ردع المقاومة أصبح أقوى وقد نرى تغيرا في طريقة الرد مع التطورات الجديد لكسر معادلة التوازن التي طالما تفاخروا بها العدو رغم خسائره المتوالية أمام المقاومتين اللبنانية والفلسطينية والوقوف في وجه غطرسته بكل قوة وتحدي واقتدار
هنالك من المنظور التحليلي دلالات عديدة لهذه التطّورات النوعية في قدرات المقاومة بعدما أصبحت تمتلك من القدرات ما يمكنها من التسليح الذاتي والتغلب على مخاطر الحصار والتطويق الذي يمكن أن تلجأ إليه إسرائيل ونذكر هنا بما كانت عليه غزة قبل أن تبدأ بإنتاج وتصنيع بعض الصواريخ سحب حزب الله من يد العدو باعتماده على نفسه ورقة المراهنة على نفاد ذخيرته في المواجهات الطويلة والمتواصلة وهو ما يرجح تغير وجه الصراع مع العدو الإسرائيلي في المنطقة في البعدين الاستخباراتي والعملياتي تحديدا
اللافت هنا ان إسرائيل كانت دائمًا تتغنى وتتباهى بما تسميه بالتفوق الاستراتيجي والتقني والتسليحي وتتباهى بامتلاكها القدرات التي تمكنها من تصنيع السلاح والذخائر المناسبة لها ودائما كانت تسعى لمنع أعدائها من الحصول على القدرات العسكرية فعندما يصل حزب الله لهذا المستوى من التطوير التقني للتصنيع العسكري المتطور
فان ذلك يعني كسر قاعدة استراتيجية غالبا ما عمِلَت عليها إسرائيل كأساس في عقيدتها العسكرية وهو التفوق العسكري في التصنيع وفي الامتلاك وفي التقليد وبالتالي استطاع حزب الله ان يكسر القاعدة ويحدِث ما تسميه إسرائيل الوضعية الكاسرة للتوازن وهو ما كان العدو يخشاه قد تحقق وأصبح واقعا ملموسً ( الأمر تم وأنجز ) ولما في ذلك من تداعياته على تقديرات إسرائيل وخياراتها العدوانية في أي مستوى كانت
في مجال التداعيات الاخرى المتوقعة ستواجه القيادة الإسرائيلية وتحديداً في قطاعي الجيش والاستخبارات بعد ما روجت طويلا للكذب والتضليل بأن هذا المسار ( تطوير الصواريخ الدقيقة ) مستحيل ولا يزال تحت السيطرة وهو ما سيفرض عليها الان البحث في سبل احتواء الواقع المستجد على أكثر من مستوى في وقت تظهر إحصائيات في إسرائيل عن تراجع مستوى الثقة بالجيش وانخفاض القابلية للخدمة في الوحدات القتالية المتقدمة
المفهوم نفسه ينسحب على واقع المسيرات لكن بمستويات أبعد مدى خاصة وان نصرالله لم يعلن عن تطوير مسيرات يتم الحصول عليها من الخارج وإنما تحدث عن تصنيع مسيرات ومنذ أمد طويل وهذا يعزز بصورة اكبر منسوب القلق الذي يهيمن على عناصر الجيش الاسرائيلي والذي كشف عنه وزير الأمن بيني غانتس قبل أسابيع بالحديث عن خطورة المسيرات المتطورة التي تدرب عليها إيران حلفاءها في المنطقة حيث تتعمق المشكلة بالنسبة للإسرائيلي وأن القدرة على التصنيع تعني أن لا حدود واضحة للأعداد التي يمكن أن يملكها حزب اللهً
مسيرات حزب الله تتمتع بمزايا عملياتية تجعلها أكثر تحدياً لمنظومات الاعتراض الصاروخي الإسرائيلية وبمستويات دقة على إصابة أي هدف داخل إسرائيل ولا تزال ضربة أنصار الله لشركة أرامكو السعودية عام 2019 ماثلة أمام القادة الإسرائيليون الذين اعتبروها محطة مفصلية في تطور القدرات الدقيقة وعلى مسافة مئات الكيلومترات فكيف عندما تكون من بلد مجاور حد التلاصق لفلسطين المحتلة
جميع المخططات الإسرائيلية وعبر السنوات الاخيرة السابقة عجزت في تحجيم دورِ المقاومة وتل ابيب باتت تدرك أكثر أن الذهاب إلى الحرب مكلف لذلك اخترعت مصطلح ( المعركة بين الحروب) لوقف انتقال السلاح النوعي إلى لبنان عبر ممارسة العدوان على سوريا ولكن ذلك كان في صالح المقاومة حيث اصبح لديها منذ سنوات قدرة على تحويل الصواريخ الموجودة لديها بالآلاف إلى صواريخ دقيقة ولم تعد بحاجة إلى أن نقلها من إيران ومواجهة الاخطار
بعد أيام من إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن المقاومة الإسلامية في لبنان بدأت بتصنيع طائرات من دون طيار وفي تحدي مستمر ورسائل جديدة حلقت يوم الجمعة الماضي طائرة مسيرة من نوع حسان تابعة لحزب الله في سماء فلسطين المحتلة لمدة 40 دقيقة بعمق 70 كم داخل الأراضي الفلسطينية
حيث وصلت الطائرة الى شمال بحيرة طبريا ضمن مهمة استطلاعية لجمع المعلومات عن قواعد الجيش ونشاطاته قبل أن تعود بسلام بعدما دوت صفارات الإنذار والاعتراض حيث فشلت جميع المحاولات المتعددة والمتتالية لإسقاطها رغم استخدام طائرات ومروحية وإطلاق صاروخ اعتراض من منظومة الدفاع الجوي القبة الحديدية الأمر الذي دفع الإسرائيليين لإشراك طائرات هليكوبتر مسلحة في محاولة لاعتراضها وإسقاطها بصواريخ جو-جو
وفي محاولة ذليلة للمحافظة على بعض من ماء الوجه حلقت طائرتين حربيتين إسرائيليتين فوق سماء لبنان على علو منخفض قبل ان تغدرا تجران اذيال الخيبة
طائرة حسان ليست اول طائرة استطلاع ترسلها المقاومة الى فلسطين المحتلة وقطعا لن تكون الاخيرة وإن فشل إسرائيل اعتراض مسيرات حزب الله اللبناني إنما يدل على فشل القبة الحديدية ليضاف لفشلها السابق في مواجهة صواريخ ومسيرات المقاومة الفلسطينية في حرب غزة
هذه الحادثة كشفت عن معضلة جديدة عند الجيش الاسرائيلي في التعامل مع هذه المسيرات بسبب صغر حجمها كما ان سلاح الجو سيواجه تحدى أكبر في التعامل مع اسراب من الطائرات المسيرات الصغيرة والحوامات في حال اندلاع مواجهة مع لبنان وعليه ستيبقى كيان الاحتلال الغاصب يعيش حياة القلق والخوف والخطر الى ان يتم كنسه وقطعان مستوطنوه عن كل ارض فلسطين