نتناول في هذه المقالة الشأن الحزبي في الأردن، لأن الأمر يحتاج التبصر فيه، وطرح وجهات نظر متباينة، لعلنا نبدأ بالتعبير عن الآراء وممارسة الديموقراطية قبل أن تبدأ الأحزاب والتحزبات، راجياً أن تروق لكم.
بعد ما شاب ودوه ع الكتاب
إن تلميح كبار رجالات الدولة، وأصحاب المناصب المتقدمة؛ من الذين كانوا يديرون مفاصل الدولة منذ استقلالها وحتى تاريخه، عن رغبتهم في التحزب، أو بتعبير أصح توزيعهم على مسميات حزبية جديدة، وقد كانوا عازفين عنها ردحاً من الزمن؛ وهم يرغبون الآن بالعزف على وتر الحزبية من جديد، من أجل قيادة البلد بالطريقة التي عرفوها ومارسوها، إن هذا لهو أمرٌ عجيب.
التخمة أشد ضرراً من الجوع
أتخمت الساحة الأردنية بأحزاب من كل الأطياف، وهي تفوق مجموع الأحزاب السياسية في الاتحاد الأوروبي، هناك ما يقرب من (70) حزب سياسي موجود حالياً، أو مرخص له. وهو عدد لا يسمح منطقياً، بولادة أحزاب جديدة على الساحة الأردنية، لا قيصرياً ولا طبيعياً، سواء أكانت حقيقية أم وهمية، إلا إذا كان المقصود إكراه التوجهات والتنظيمات الحزبية القائمة على التجمع في محاور جديدة مدروسة ومخطط لها مسبقاً، بدلاً من حثها على أن تعيد تنظيم بُناها التحتية، وتشارك في الحياة العامة (السياسية) بشكل حقيقي.
أحزاب برامجية أم مبرمجة
أظن وليس من عادتي التشاؤم، ولا النظر إلى المستقبل بنظارة سوداء، وقبل أن يُعلن عن التشكيلات والأسماء الحزبية الجديدة، ولكن أرى أن وضع البلد وما وصلت إليه من فساد، ومديونية وترهل، ومناصب توزع على شكل هبات؛ تحت سمع وبصر تلك الشخصيات الموجودة في مواقع متقدمة، لن يمنحهم ثقة حقيقية من المواطنين، فلو كانت لديهم برامج قيادية ناجحة؛ لنجحوا في تطبيقها وهم في القيادة والسلطة التنفيذية، وليس بكونهم في أحزاب معارِضَة، أو مُعَارَضة، ولذلك فإن الانطباع عنها، يجب أن تكون أحزاباً مبرمجة، وليست برامجية.
كائنات هُلامية
أعتقد كما يعتقد الكثير ممن يرى المشهد الحزبي عن كثب؛ إن وجود هذا العدد الهائل من الأحزاب السياسية؛ لتمثيل مجتمعٍ صغيرٍ نسبياً، في فترة نمو قصيرة جداً، قد أوجدت مخلوقات سياسية هُلامية، تُعاني من الاضطراب والضبابية والتشوه، وانعكس ذلك بكل تأكيد على مشهد الحياة السياسية الأردنية؛ مما جعل هذه الأحزاب تعاني من كثرة الازدحام، وقلة عدد المنتسبين إليها، إذ لا يوجد لدى بعضها أي نصاب قانوني، أو الحد الأدنى من المنتسبين، فكيف الحال بعد زيادة العدد إلى ما فوق (70) حزب!!
لو بدها تمطر كان غيمت
إن قيادة ما يسمى بالنخب لأحزاب جديدة؛ يعني من وجهة نظري تحييد الأحزاب القائمة، وإبعاد أحزاب قائمة ومرخصة ومضى على تشكيلها (30) عاما رغم ضعفها، وإقصاء أي رغبة في ممارسة الحزبية الحقيقية، هذا إن كان مسموحاً بإبداء وجهات نظر معارِضة فيما بعد، هل كانت النخب تعاني من الضغط والتضييق على آرائها وهي في مواقع القرار؟، والآن تتوقع أن يفسح لها المجال النهوض بالبلد وهم على شكل أحزاب.
تحوم الشكوك حول التنافس، والانتخابات برمتها، رغم وجود منافسات حقيقية في كل دول العالم، فكل التجارب السابقة تقول: إنها لم تكن انتخابات حقيقية، ولا أظنها أن تكون رغم رجائي من الله أن تتحقق النزاهة والشفافية عند إجراء انتخابات قادمة. فقد سبق وأن جرت تكتلات، وتجمعت أحزاب ولكنها لم تنجح، إلا إذا كان القادم أمرٌ مفروض، ولن يكتب لها النجاح بطريقة غير جبرية. وإن الفكرة تنطبق تماماً على حال من يسقي أشجار الزينة أما منزله، وينتظر ثمارها في المواسم.
أحزاب بريستيج (SHOW OFF)
هل يعقل أن يقود حزباً سياسياً الحكومة؟! أو أن يرسم سياسة، أو أن ينهض بالأوضاع المتعثرة؟! أو يناقش رؤساء حكومات دول صديقة وشقيقة؛ لهم مئات من المستشارين الصادقين والمخلصين، وينشئ علاقات خارجية مع دول وتحالفات إقليمية وعالمية، ووجودهم بالأصل هو نوع من البريستيج والـ (SHOW OFF)، والصورة الجمالية على الحياة العامة في الأردن؛ لتزيين المنظر العام، والبيت الداخلي أمام الرأي العام العالمي، دون فاعلية حقيقية له، ولا وجود بارز لأعضائها في الحياة العامة.