إخلاص القاضي تكتب: من قال لكم أن الأوكرانيات سبايا في سوق نخاسة ؟!
دبابة تهرس سيارة أمام عيون العالم، قصف مدفعي وصاروخي، راجمات، نزوح، لجوء، جوع، دماء، قتل، دمار، رعب، بشاعة مشاهد، نحيب نساء وبكاء اطفال، وحديث عن احتمالات تصعيد لا يحمد عقباها، كل ذلك، واكثر، لا يثني بعض ضعاف النفوس عن رؤية الحرب على اوكرانيا من منظار مريض، حيث يختزلوا مأساة شعب بفتاة شقراء جميلة، يتيح لهم خيالهم المختل تصوّرها كسبية حرب رخيصة، أو لاجئة، ستدق باب بيته، وتقول له: “احمني من رصاص الروس”!، وهو بالكاد يقوم بواجباته البيتية والزوجية، وغالبا ما يقترض بضعة دنانير من هنا أو هناك” من خمسة بالشهر، ليجيب خبز ولبن رايب لبيته”!
لم أجد أكثر إهانة للمرأة الاوكرانية بصفة خاصة وللمرأة عموما، من تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي و”جروبات الواتساب”، وصور و”فيديوهات”، تصوّر المرأة الأوكرانية بدونية واحتقار، متناسية أنها ذاتها الأم التي ينفطر قلبها الآن على ابنها الذي ربما لن يعود من الجبهة، والزوجة التي تعيش اسوأ لحظات الرعب خوفا على أطفالها، من البرد والجوع والقنص والقتل، وهي ذاتها المقاتلة التي تتدرب وتحمل السلاح للدفاع عن وطنها، وهي نفسها من جاءت للأردن معززة مكرمة، عن طريق زواجها من أردني، وتقيم على أرضنا بكل احترام والتزام، فلماذا الإصرار على حصر الاوكرانيات بقالب معين من الرخص والوضاعة وسوق النخاسة والعبيد والرقيق الابيض؟ ما هذا الكم الهائل من الانحطاط الأخلاقي، والتنمر، والشماتة بمصيبة شعب، ربما لم يقرر مصيره، ولا يريد الحرب أصلا؟
لست بمعرض أي تحليل سياسي، من سيربح الحرب ومن سيخسر، لهذا مقام آخر، ولكن في الحروب تتعاطف الشعوب مع بعضها بعضا، ولا تشمت، ولا تقول”بيستاهلوا، فليذوقوا ما ذاقه العرب”، هذا ليس عملا انسانيا، فلا أحد يرغب أن يرى الأبرياء يتساقطون، في أي بقعة من العالم، ودائما ما أقول أن للتاريخ ذمة، رؤساء الدول يرتكبون الأخطاء التاريخية، والشعوب الحاضرة تدخل في خانة الخونة، رغم أنهم يكونوا بلا خيار، وليس لديهم موقفا، ومغلوب على أمرهم، وحين تكر سبحة الاحداث، يلام الحاضر، على اخطاء الماضي، ويقع الأبرياء ضحايا، القتلة، أصحاب القرار، فهذا التفكير في الثأر، ممن لم يكونوا حينذاك، نوع من التفكير القاصر وغير المتوازن.
ما اسوأ الحروب، ووحشية الدمار بإسم البحث عن السلام، في كل حرب، أتخيل ابنتي، أختي، أنا، بمواجهة الرعب والنزوح والإهانة، تخيلوا “لاقدر الله” لو أن أحدا، يتنمر على مواطنة أردنية بهذه الصور، أو يحاول الغمز واللمز عليها” شو بيكون موقفكم”؟
في نهاية المطاف هنالك قيمة وكرامة لأي امرأة، وعدم استغلال أوضاعها، خاصة، في حالات النزاع أو الحرب أو الفقر و المجاعة، هو واجب أخلاقي، ولو معنويا، ماذا تتوقعون من الحرب، إلا الحزن والفراق والدمار وبكاء الاطفال وتشتت العائلات، بينما هي مصلحة اقتصادية لتوحش رأس المال وصراع المصالح وفرض القوة.
ذكرني منظر الدفاعات الجوية والقصف على اوكرانيا” مع فارق الاسباب والزمن”، بليلة الهجوم الغاشم على بغداد، ليلة ١٦ على ١٧ كانون الثاني ١٩٩١، ومن يومها والمنطقة كلها تعاني وليس بغداد فحسب، الحروب قذرة ولا تخلف إلا الدمار، وقصة الحديث عن الاوكرانيات كأنهن سبايا حرب، مؤلمة بحق المرأة التي تموت الآن من الرعب على فلذات اكبادها، وهمها مسألة حياة او موت.
لماذا لا نرى بالحروب، إلا نزوح النساء ووضعهن بمخيمات، هذا اللامنطق غير مقبول حتى لو كان في إطار المزاح، هذا تفكير لا يرتقي لمستوى الحدث الجلل، أعان الله كل أم تخاف على نفسها وأولادها وبيتها في زمن الحرب، اعان البشرية من جائحة حربية لا نعرف كيف ستنتهي، وكم من الخسائر والأرواح ستحصد، وكم من بشاعة المشاهد سنرى، على أمل أن تنتهي هذه الحرب سريعا، وتنتقل البندقية من كتف العنف لكتف الحوار والتفاوض، حقنا للدماء ووقفا للدمار ولكل تبعات الحرب. .
المجد لكل الشهداء في كل ساحة حرب، ولنساء واطفال فلسطين والعراق وسوريا ولبنان الذين عاشوا على وقع اصوات الرصاص والمدفعية والقمع، ولكل طفل عربي، أو في أي مكان بالعالم، عانى من ويلات، فضحايا الحروب، هم حتما الأبرياء من الأطفال والنساء، والمجد لكرامة المرأة أوكرانية كانت أم عربية، واللعنة على الحروب التي تنعش تجّار الدولار والنفط والرقيق واللأخلاق والانحطاط وأسواق النخاسة التي تعشعش في عقول مختلة.