بعد 200 عام من “الحياد”.. هل انحرفت سياسة سويسرا بأوكرانيا؟
“الحياد لا يعني عدم المبالاة”.. تصريحات للرئيس السويسري، إغناسيو كاسيس، عقب تبني بلاده عقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا، من بينها تجميد أصول، تشير إلى تصعيد وتغيرات في السياسة التي اتبعتها بلاده على مدار أكثر من قرنين.
وعقب العملية العسكرية الروسية، قال كاسيس: “نحن في وضع استثنائي حيث يمكن اتخاذ إجراءات استثنائية”، مكررا إدانة سويسرا للهجوم، واصفا إياه بأنه “انتهاك خطير للقانون الدولي”.
وشددت سويسرا أيضا إجراءات كانت قد اتخذتها بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم في 2014، لمنع موسكو من استخدام سويسرا للتحايل على عقوبات الاتحاد الأوروبي، فيما أكد كاسيس أنه “لأسباب الحياد، لم تتبن سويسرا بشكل مباشر عقوبات في ذلك الوقت.. اليوم الحكومة شحذت ردها.”
المحلل السياسي أميد شكري، قال لموقع سكاي نيوز عربية، إن حماية مصالح بلد ما في بلد آخر متجذرة في مبدأ “الحياد” الذي تقبله سويسرا، وتنص اتفاقية لاهاي لعام 1907 على حقوق والتزامات الدولة المحايدة.
وأضاف شكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية وأمن الطاقة في مركز “تحليلات دول الخليج” (مقره واشنطن)، أن حرب أوكرانيا مفترق طرق للحدود المتغيرة للقوى الأوروبية وكان لابد من موقف حازم تجاه مثل هذه الانتهاكات.
وأشار إلى أن سويسرا ابتعدت عن فرض عقوبات في سلسلة من الأزمات، بما في ذلك عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، وحتى الآن، تبنت قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والذي يتعين عليها تنفيذه بموجب القانون الدولي، مؤكدا أن الهجوم هو الأول على دولة أوروبية ذات سيادة ما كان العامل الحاسم في قرار المجلس الفيدرالي ومن ثم تغيير موقفه السابق من العقوبات.
وأكد على أن “سويسرا قطعت شوطا طويلا بين إظهار التضامن مع الغرب والحفاظ على حيادها التقليدي، والذي تقول الحكومة إنه قد يحولها إلى وسيط محتمل”.
وتابع: “نظرا للموقف المنسق للدول الأوروبية، يبدو أن سويسرا تتعرض لضغوط متزايدة حتى من الرأي العام الداخلي للوقوف علانية مع الغرب ضد موسكو وتمرير عقوبات الاتحاد الأوروبي، وكذلك محاصرة موسكو عبر عدم باستخدام سويسرا كمنصة للتحايل على العقوبات”.
وحول تغير تأثير سياسة سويسرا على أوضاعها، قال إنه “بالنظر إلى أن روسيا قد غزت أوكرانيا دون اعتبار للقانون الدولي، وأن غزو روسيا لأوكرانيا قد تم إدانته من قبل المجتمع الدولي، فإن قرار سويسرا بفرض عقوبات على روسيا لا يمكن أن يكون له تأثير سلبي على النظام المصرفي والمالي في البلاد”.
بدوره، قال توبياس فيستنر، رئيس برنامج “الأمن والقانون” في مركز جنيف للسياسة الأمنية، إن الحكومة السويسرية تبنت في البداية تفسيرا تقليديا وضيقا للغاية للحياد، وهو ما يترجم إلى قرار بعدم إصدار أي عقوبات.
وأضاف: “مع ذلك، رفض البرلمان السويسري والمواطنون بقوة، بحجة أنه لا يمكن التسامح مع العدوان العسكري الروسي الضخم.. هذا دفع الحكومة إلى إعادة النظر في موقفها”.
كما نقلت صحيفة “إكسبريس” الهندية عن لوران جوتشيل، رئيس معهد أبحاث “سويس بيس” (مقره في برن) قوله إن “ما حدث ليس سابقة، فخلال الحرب في البلقان، والحرب الأهلية في سوريا، استولت سويسرا على العقوبات التي قررها الاتحاد الأوروبي على الرغم من أنها لم تكن مدعومة بقرار مجلس الأمن الدولي”.
وبعد أيام من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتن “العمليات العسكرية” في أوكرانيا، نزل آلاف المواطنين إلى الشوارع في عدة أجزاء من سويسرا، بما في ذلك زيورخ وبرن وبازل، ودعوا الحكومة لدعم عقوبات الاتحاد الأوروبي.
وبحسب بيانات من البنك المركزي السويسري، فإن مواطنين روس كانوا يحتفظون بحوالي 10.4 مليار فرنك سويسري (11.21 مليار دولار) في البلاد عام 2020.
وأثرت الأزمة أيضا على الفرنك السويسري الذي قفز إلى 1.288 مقابل اليورو في وقت سابق الاثنين، وهو أعلى مستوى له منذ يونيو 2015، مع اقبال المستثمرين على شراء الفرنك، وهو من عملات الملاذ الآمن.
وتتبع الدولة الصغيرة الواقعة في جبال الألب سياسة الحياد المعمول بها منذ عام 1815. ويشهد موقعها الإلكتروني الرسمي على ذلك، مشيرا إلى أن “الحياد الدائم هو مبدأ من مبادئ السياسة الخارجية السويسرية”.
على الرغم من أنها تعمل كمقر للعديد من البعثات الدبلوماسية وكموقع للمعاهدات التاريخية مثل اتفاقية جنيف، إلا أن سويسرا ليست جزءا من الاتحاد الأوروبي أو الناتو. إنها علامة على مدى الجدية التي يأخذ بها السويسريون سياستهم الخارجية المحايدة، حيث انضموا إلى الأمم المتحدة مؤخرا في عام 2002، مما وضع نهاية لسنوات للنقاش بعد تصويت 54 في المائة من سكانها لصالح هذه الخطوة.