تأثيرات مسيرة الأعلام على الكيان الصهيوني
م.علي أبو صعيليك
مسيرة الأعلام التي ينوي المستوطنين الصهاينة تنظيمها الأحد المقبل ليست مجرد فعالية ينظِّمها اليمين المتطرف، إنما هي خطوة رسمية من حكومة بينيت استكمالا لسلسلة خطوات تقوم بتنفيذها حكومة الاحتلال مؤخراً لها أهداف مرحلية وهدفها الرئيسي بناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى.
المسيرة التي يعود تاريخها إلى عام 1968 تقام في ذكرى اكتمال احتلال مدينة القدس فيما يسمى عند الصهاينة “توحيد القدس” وينظِّمها اليمين المتطرف ويتم تمويلها من وزارة التربية وبلدية القدس في الكيان الصهيوني وجمعية دينية متطرفة، واستمرت إقامتها بشكل سنوي، وتغيّرت الطرق التي تمر فيها المسيرة في أكثر من عام، بحيث تمر من عدة أبواب إلى البلدة القديمة، وفي العام الماضي أعلن منظمو المسيرة نيتهم المرور من باب العامود وهو ما تم الغاؤه في حينها بعد تدخل المقاومة من غزة وإطلاقها صواريخ نحو القدس.
تقوم قوات الاحتلال بإجبار أصحاب المحلات التجارية من مواطني القدس على إغلاق محلاتهم من أجل تسهيل مرور المسيرة، ويتخلّل ذلك استفزازات المستوطنين من خلال اعتدائهم على المحلات التجارية للفلسطينيين.
لماذا توحد الصهاينة في مسألة تنظيم المسيرة هذا العام؟ لأن حكومة بينيت التي تقود الكيان الصهيوني تعمل على تنفيذ مخطط تقسيم الأقصى مكانياً وزمانياً بحيث يمتلك بعدها اليهود الحق في استباحة الأقصى كما سماها بينيت بنفسه عندما قال “حرية العبادة مكفولة بالكامل لليهود كما المسلمين في المسجد الأقصى شرق مدينة القدس”.
خطة اليمين المتطرف لتقسيم الأقصى مكانياً وزمانياً كشفت عنها مؤسسة الأقصى للوقف والتراث في 22 أكتوبر 2013 وذلك عبر وثيقة وخارطة “لقونَنة” تقسيم المسجد الأقصى أعدها ناشطون من حزب الليكود يُطلقون على أنفسهم اسم “منهيجوت يهوديت” (أو قيادة يهودية) وتحتوي خارطة تحت مسمى “مشروع قانون ونُظم للمحافظة على جبل الهيكل مكانا مقدّسا” ويوجد فيها تفاصيل دقيقة لأوقات وأماكن خاصة لليهود وللمسلمين في التواجد بالمسجد الأقصى.
المسجد الأقصى هو قبلة المسلمين الأولى ولا حقوق لليهود فيه واستباحتهم ساحات المسجد الأقصى هي شكل من أشكال الاعتداءات التي توسعت وقد تؤدي إلى حرب دينية لن تكون مقتصرة على الشعب الفلسطيني حيث إن الدفاع عن المسجد الأقصى هو وآجب شرعي ملزم به المسلمين حسب عدة فتاوي شرعية.
حكومة بينيت غير المتجانسة بما تظمّ من اليمين المتطرف واليسار، كما هو حال المستوطنين اليهود، وتهدف إلى تنفيذ مخططاتها وبناء شعبيتها ولكن التاريخ يقول عكس ذلك، فقد حاول سابقاً نتنياهو وفَعل الكثير من أجل كسب رضا المستوطنين وفي نهاية المطاف غادر منصبه وهو يجر ذيول الخيبة بينما بقي الشعب الفلسطيني ومقاومته راسخين في أرضهم كالجبال.
حكومة بينيت أصلاً حكومة هشة غير متجانسة وانسحاب القائمة العربية الشريكة منها كفيل بإسقاطها والكيان الصهيوني يعاني من أزمة عاصفة منعت الاستقرار الحكومي من آذار 2019 وتعيش الأحزاب اليهودية حالة من الفوضى والإرباك ولجأت للاستقطاب لكي تستطيع تشكيل حكومة.
بل إن بينيت نفسه صرح قبل أيام “إنّ مستقبل الكيان الصهيوني في خطر” وذلك بناء على عدم وجود تجانس في نظام الحكم وكثرة الخلافات والصراعات وذلك بعد انسحاب غيداء ريناوي النائبة في الكينيست عن حزب “ميرتس” اليساري الشريك بالحكومة،
وهنالك أنواع عديدة من الصراعات الداخلية التي يعاني منها الكيان بشكل عام وتظهر على شكل الحكومة الحالية أبرزها صراعات أيديولوجية وسياسية واجتماعية ودينية.
ومن قراءةِ تاريخ حكومات الاحتلال وخصوصاً مرحلة نتنياهو ومن ثم إسقاط القراءة على حكومة بينيت، فإن سلسلة اعمال حكومة بينيت وجيش الاحتلال من قتل الصحفية شيرين أبو عاقلة والاعتداء على جنازتها ومحاولة اقتحام مخيم جنين ومن قبل ذلك الاعتداء على المرابطين في الأقصى وغيرها من الخطوات ودعمها لمسيرة الأعلام ستؤدي لا محالة إلى نهاية مبكرة لحقبة بينيت، ليس ذلك فحسب بل تأتي مسيرة هذا العام في وقت تطورت فيه قوة المقاومة الفلسطينية بما قد ينتج عنه حدثاً كبيراً في المنطقة قد لا يكون تقليدياً كما حدث العام الماضي.
قد تكون الأيام القادمة حبلى بأحداث كبيرة في تاريخ احتلال الكيان الصهيوني لفلسطين مع المتغيرات التي تحصل بين دول العالم الكبرى من حيث القوة، وتخبطات حكومة بينيت قد تسرع في النهاية المنتظرة للكيان اليهودي الذي لم يكتب له سابقاً أن استمر لمدة تزيد عن ثمانين عاماً.