م.علي أبو صعيليك يكتب :. الجريمة لا دين لها ولا جنس ولا هوية…
شكلت جرائم قتل نَيّرة أشرف وإيمان ارشيد ولبنى منصور حالة غضب كبيرة جدا لن يخفف وطأتها إلا تقديم المجرمين لمحاكمة تنتهي بإعدام القتلة، وليس الدخول في متاهة قضائية تطيل مدى تلك القضايا مما يزيد من حالة الإحباط المتزايدة هذه الفترة بسبب ما يحدث في العالم من صراعات تؤثر بشكل مباشر على معيشة الأفراد.
تنقسم جرائم القتل ما بين تلك التي ارتكبتها وما زالت ترتكبها بعض الدول في دول أخرى، فعلى سبيل المثال قتل الجيش الأمريكي قرابة 400 من نساء وأطفال العراق عندما تم قصف ملجأ العامرية في بغداد، وهو ملجأ مخصص لإيواء المدنيين، وقيل وقتها إن القصف استهدف مراكز قيادية عراقية وهو مالم يتم إثباته، ولم يتمّ محاسبة القيادة العسكرية الأمريكية على تلك الجريمة وبالتالي تمّ تكرارها في العراق وأفغانستان وغيرهما.
كذلك يرتكب جنود الاحتلال الصهيوني يومياً جرائم قتل بحق الشعب الفلسطيني وخصوصاً النساء والأطفال، وأحدث تلك الجرائم جريمة قتل الصحفيتين شيرين أبوعاقلة وغفران الرواسنة والطفل غيث يامين وغيرهم.
على مستوى الأفراد فهنالك جرائم قتل يومية في جميع دول العالم ومنها الدول الأكثر رفاهية مثل السويد والدنمارك والنرويج، بل إن أسوأ تلك الجرائم ما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، أكبر ديمقراطيات العالم، وأخرها قتل طلاب المدرسة الإبتدائية الأبرياء ومن قبلها جريمة قتل المواطن الأمريكي فلويد على يد شرطي أمريكي.
يختلف توصيف الجرائم التي ينفذها الأفراد، تارة يقال إنه عمل فردي، وتارة أخرى يتم ربط القتل بفكره معينة، مثل الإرهاب أو الذكورية أو العنصرية وغيرها من الدوافع التي قد لا تكون صحيحة في كثير من الأحيان، فعلى سبيل المثال، فإن ارتكاب مهاجر مسلم لجريمة قتل في قارة أوروبا يتم ربطها بالفكر الإسلامي، بينما يتمّ التعامل مع الجريمة نفسها لو ارتكبها مواطن أوروبي بأنّها جريمة قتل مجردة!
في أمريكا، تعامل المجتمع مع الجرائم أحيانآ كما ينبغي، وذلك من خلال البحث عن أصل الجريمة وأحيانا أخرى بانحراف شديد عن أصل الجريمة، مثلاً تم توصيف جريمة قتل 19 طالب في مدرسة إبتدائية أمريكية بأنها ناتجة عن الإنتشار المرخص للسلاح قانونياً في أيدي المواطنين وهو ما يؤدي للعديد من جرائم القتل بين الحين والأخر في المجتمع الأمريكي.
بينما تم توصيف جريمة قتل جورج فلويد تحت أقدام شرطي أمريكي بأنها عنصرية لأن المقتول من ذوي البشرة السمراء، رغم أن هنالك العديد من الجرائم وسوء التصرف الموثق بالفيديوهات لتعامل الشرطة السيء مع أشخاص بشرتهم بيضاء وليس فقط من ذوي البشرة السمراء، إذن أين يكمن الخلل فعلا؟
في نيوزلندا قتل الأسترالي المسيحي برينتون تارانت أكثر من خمسين مسلم وهم يصلون في المسجد، وقد ارتكب جريمته لدوافع دينية في حينها فهل عملت نيوزلندا على معالجة أصل الجريمة لكي تمنع تكرارها؟
في المجتمع العربي وهو في غالبيته مجتمع مسلم وصف البعض جرائم قتل نَيّرة وإيمان ولبنى بأنها حدثت من دوافع ذكورية، وفي ذلك توصيف غير دقيق لأصل المشكلة وبالتالي تتكرّر تلك الحوادث بسبب التغافل عن البحث في أصل الجريمة ومن ثم علاج أسبابها.
يحدث في العالم العربي يوميا جرائم قتل، يذهب ضحيتها العديد من الضحايا من مختلف شرائح المجتمع من أطفال وشباب وكبار بالسن ومن الجنسين، ولا توجد دراسات تؤكد استهداف شريحة معينة أو جنس محدد أو أتباع دين معين، ولذلك فإن التعامل مع الجريمة يجب أن يتبعه توثيق لدراسة حقيقة الدوافع ومن ثم البحث عن الحلول.
في القرن الماضي كانت الأسرة وأماكن التعليم من مدارس وجامعات وأماكن العبادة هي المؤسسات الأكثر تأثيراً في سلوك الأفراد، ومما لا شك فيه أن تأثيرها قد تراجع كثيراً مقابل تطور التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي وكذلك العمل التلفزيوني سواء المسلسلات والأفلام، وكذلك بعض تطبيقات الأجهزة الخلوية التي تدعو للعنف والقتل ويتمّ استخدامها يومياً خصوصاً من الأطفال.
كذلك فإنّ انتشار المخدرات بين الشباب العربي وتراجع منظومة القيم والأخلاق والدين، أسباب مؤثرة جداً في زيادة وبشاعة جرائم القتل التي حدثت وفي بعض الحالات قَتَلَ الابن أحد والديه نتيجة إدمانه على المخدرات!
البحث عن دوافع العنف والقتل ومن ثم تقييد تلك الدوافع ومنع انتشار أسبابها أولاً من خلال إعادة القيمة والهيبة للأسرة ودور العبادة وأماكن التعليم وبشكل قانوني هو المطلوب حالياً، ليس كردة فعل بقدر ما يجب أن تكون استراتيجية طويلة الأمد، قبل أن تصبح الجريمة شيئاً طبيعياً في حياتنا ونفقد ميزة الأمان المجتمعي.