نايف بن بندر السديري يكتب: العبث النووي الإيراني ومؤتمر المراجعة
ينعقد في نيويورك مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي، في نسخته العاشرة على مدى أربعة أسابيع؛ إذ بدأ المؤتمر عقد جلساته في الأول من أغسطس (آب) الحالي. وبعد أن فُتح باب التوقيع على هذه المعاهدة في عام 1968، دخلت حيز النفاذ في عام 1970. ومنذ دخولها حيز النفاذ، أصبحت تشكل حجر الزاوية في النظام العالمي لعدم الانتشار النووي. وقد انضمت إليها 191 دولة طرفاً، من بينها الدول الخمس الحائزة للأسلحة النووية، لتصبح بذلك في مقدمة اتفاقات نزع السلاح المتعددة الأطراف من حيث عدد الأطراف فيها.
توصل مؤتمر مراجعة معاهدة الحد من الانتشار النووي عام 2010، إلى اتفاق هو الأول من نوعه، يتناول بصورة خاصة نزع السلاح وإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.
وأقر المؤتمر بالإجماع بياناً ختامياً من 28 صفحة، يتضمَّن أربع خطط عمل بشأن كل من المحاور الرئيسية الثلاثة في معاهدة الحد من الانتشار النووي، وهي: نزع الأسلحة ومراقبة البرامج النووية الوطنية للتحقق من أهدافها السلمية، والاستخدام السلمي للطاقة الذرية، وبشأن إقامة شرق أوسط خالٍ من السلاح النووي.
وحول هذه النقطة الأخيرة، تنص الوثيقة على تنظيم مؤتمر دولي عام 2012 يفترض أن تشارك فيه جميع دول المنطقة، وأن يفضي إلى قيام منطقة منزوعة السلاح النووي، يفترض أن تشمل إسرائيل وإيران. تعثر الاتفاق ولم يُعقد المؤتمر الموعود رغم الجهود التي بذلتها الدول العربية بقيادة المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، بالتنسيق مع ميسر المؤتمر الدبلوماسي الفنلندي المخضرم السيد جاكو لاجافا.
لاحقاً -بعد فوز بايدن بالانتخابات الأميركية- في فيينا، استؤنفت مفاوضات مع إيران للحد من طموحها النووي. سلكت إيران طريق الابتزاز كما كان متوقعاً. النتيجة مزيد من التوتر في منطقة متوترة أصلاً. تضاءلت احتمالات إحياء الاتفاق النووي الإيراني خلال الأشهر الأخيرة. الولايات المتحدة من جانبها قالت إن باب إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة لن يبقى مفتوحاً إلى الأبد. العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية ليست أكثر صعوبة فحسب؛ بل ستتطلب أيضاً أن تعيد الولايات المتحدة التفكير في كيفية اكتشاف أي محاولة مستقبلية من جانب طهران لبناء أسلحة نووية. ومن الخيارات المطروحة في حالة فشل المفاوضات، القيام باتفاق مؤقت يحد من عمل إيران المتقدم في أجهزة الطرد المركزي، ونشاط التخصيب المتسارع، وأبحاث معادن اليورانيوم. وهذا من شأنه أن يكسب الوقت ويمنع البرنامج الإيراني من الوصول إلى المنطقة الخطرة. يضاف إلى ذلك برنامج الصواريخ الباليستية المقلق الذي تتبناه طهران. وكشفت في فبراير (شباط) الماضي، عن صاروخ «خيبر شكن» الجديد محلي الصنع الذي يبلغ مداه 1450 كيلومتراً.
بعد فشل عودة المفاوضين إلى طاولة المحادثات النووية في فيينا مؤخراً، برزت تصريحات إيرانية مفاجئة.
فقد قال عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، حسين نوش آبادي، لوكالة أنباء «دده بان إيران» إنه «إذا فشلت محادثات فيينا، فمن الممكن أن نرفع مستوى التخصيب». ومن المعروف أن رفع مستوى تخصيب اليورانيوم خطوة تصعيدية يصعب التراجع عنها. منذ ذلك الحين ونحن نقرأ تصريحات إيرانية مشابهة تزيد الملف النووي الإيراني اشتعالاً.
الدول الخمس (الدائمة العضوية في مجلس الأمن)، وألمانيا المعنية بالتفاوض مع إيران، لا تجد مفراً من اللجوء إلى التهدئة، على الرغم من خطورة هذا النهج الذي درجت طهران على سوء تقديرها لأبعاده المدمرة!
ستكون مهمة رئيس مؤتمر المراجعة الحالي السفير جوستافو زلاوفينين (أرجنتيني) شاقة ومضنية، للوصول إلى صيغة ترضي طهران المتهورة. مؤتمر المراجعة العاشر محطة ضرورية وحاسمة لإيجاد حل تقبل به كافة الأطراف المعنية بإيران نووية، تشكل تهديداً متزايداً للسلم والأمن الدوليين، وتنتهك بشكل سافر معاهدة حظر الانتشار النووي والبروتوكول الإضافي الملحق بها. لو تأملنا المشهد خلال الأسابيع القادمة سنجده ضبابياً، إيران لا تكف عن المجادلة والتقية السياسية.
الدول الكبرى حساباتها معقدة؛ لا سيما بعد التلويح باستخدام أسلحة نووية في الصراع الدائر في أوكرانيا. دول المنطقة تختبر بحذر الحلول الدبلوماسية.
* كاتب ودبلوماسي سعودي