مهدي مبارك عبد الله يكتب: كتائب شهداء الأقصى الوفاء الثابت للقضية والبندقية
تأسست كتائب شهداء الأقصى كحركة فلسطينية مسلحة مع اندلاع انتفاضة الأقصى الثانية في 28 أيلول عام 2000 ومن بعدها اعتبرت الجناح العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح وقد حملت عدة أسماء مختلفة مثل ( العاصفة والفهد الأسود والصقور ) قبل أن تحمل اسمها الحالي بشكل نهائي
في المسار الفكري والعملي تتبنى الكتائب المبادئ الأساسية لحركة فتح باعتبار الكفاح المسلح استراتيجية وليس تكتيك وان الثورة المسلحة للشعب العربي الفلسطيني عامل ضروري وحاسم في معركة التحرير وتصفية الوجود الصهيوني وأن طريق الكفاح والنضال بمختلف الوسائل والاشكال المشروعة لن يتوقف إلا بالقضاء على كيان الاحتلال وتحرير ارض فلسطين المغتصبة
منذ تشكيلها حتى عام 2005 كانت كتائب شهداء الأقصى واضحة الهوية والهيكلية والقيادة لكن في عام 2007 وضع الرئيس محمود عباس خطة محكمة للقضاء عليها وتفكيكها انطلاقاً من معارضته الشرسة للعمل المقاوِم المسلّح وضمن هذا التوجه تم الاتفاق مع إسرائيل على منح مقاتليها عفوٍ عام والتوقف عن ملاحقتهم مقابل تسليمهم أسلحتهم وذخائرهم للسلطة الفلسطينية والتي ستعمل في المقابل على ادماجهم في الأجهزة الأمنية والوظائف الحكومية الأخرى
بناء على ذلك وافق المئات من مقاتلي الكتائب على تلك الصفقة ثم أصدر الرئيس عباس المرسوم الرئاسي رقم 17 لسنة 2007 والذي حظر بموجبه كافة الميليشيات المسلحة والتشكيلات العسكرية أو شبه العسكرية غير النظامية أيا كانت تابعيتها كما منع القيام بأي نشاطات سرية أو علنية وحذر كل من يساعدها أو يقدم أي خدمات لها بتعرضه للمساءلة الجزائية والإدارية
على الرغم من كل الاغراءات والتهديدات رفض العديد من عناصر الكتائب التسوية والاتفاق وبقوا متمسكين بسلاحهم وملاحقين من قبل اسرائيل وأجهزة السلطة وقد استشهد العديد منهم واعتقل آخرون ولا زال العشرات منهم في السجون الإسرائيلية حتى الساعة بعد تلك المسيرة النضالية الطويلة والمشرفة التي قدمت خلالها الكتائب مئات الشهداء والجرحى ونفذت العديد من العمليات ضد أهداف إسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة وداخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48
التغيرات التنظيمية التي طرأت بعد رفض حركة فتح رسمياً تبنى جناح الكتائب العسكري أثرت كثيرا على دعم المقاومين وتمويلهم وتسليحهم وهو ما دفَع كثير منهم للتعاون مع الفصائل المسلحة الأخرى وتشكيل مجموعات عمل مستقلّة حيث اضطر بعضهم إلى شراء السلاح والذخيرة من ماله الخاص بالدين او ببيع بيته واعز ممتلكاته ( حركة فتح وفقا لتكتيك أمني معين ولمنع الإدانة الإسرائيلية والدولية تجنبت تبني هذا التنظيم العسكري رسميا وجميع بياناتها ومواقعها الإلكترونية كانت تخلو من أية إشارة اليه
هنالك عدة مجموعات مسلحة نشطت في هذا الإطار المقاوم وكل واحدة منها كانت تطلق على نفسها اسم كتائب الأقصى بعضها كان موال للسلطة الفلسطينية في رام الله ويتماشى مع مواقفها السياسية وبعضها الآخر غير موال لها وعارض وينقد سياساتها وقراراتها في معظم المواقف مثل تلك التي تتمركز في قطاع غزة وتتبنى خيار المقاومة المسلحة
خروج مئات العناصر المسلحة من كتائب شهداء الأقصى في نابلس مؤخرا وهم يعلنون تنفيذ عدة عمليات في الضفة الغربية المحتلة ضد مستوطنات ومعسكرات الاحتلال ردا على جرائمه في الأراض الفلسطينية وما رافقها من هتافات لقائد كتائب القسام الجناح العسكري حركة حماس محمد الضيف ( حط السيف على السيف إحنا رجالك محمد ضيف ) ارعب قوات الاحتلال وأعطى مؤشر خطير على مستوى التحدي والإصرار على المواجهة
للحقيقة والتاريخ لا بد من الإشارة الى ان عناصر الكتائب حظيت بدعم كبير من الرئيس الراحل ياسر عرفات بعدما كلف اللواء ( جهاد العمارين ) الذي اغتالته القوات الاسرائيلية عام 2002 بتفجير السيارة التي كان يستقلها في حي النصر شمال مدينة غزة بتأسيسها ثم قادها ميدانيا الأسير ناصر عويس ابن مخيم بلاطة الذي شكل حاضنتها الاولى
كما كان هنالك دور بارز للقيادي الفتحاوي الأسير مروان البرغوثي بدعمها ومساندتها وحشد الشباب للانخراط في صفوفها ولهذا زعم بعض المسؤولون الإسرائيليون أنه كان الزعيم الحقيقي للكتائب حتى اعتقاله في نيسان 2002 كما اتهم أيضا اثناء محاكمته بانه ساهم في تمويل كثير من الأنشطة التي نفذتها خلاياها في الضفة الغربية المحتلة
العديد من التقارير تظهر بان الكتائب نالت كامل الدعم التسليحي والمالي واللوجستي من قبل مسؤولين وضباط كبار في أجهزة السلطة المختلفة وهو ما عمم تجربتها وعاظم دورها خلال سنوات الانتفاضة وساعدها في تنفيذ المئات من العمليات الفدائية التي ركزت على استهداف المستوطنين في الضفة الغربية فضلا عن تنفيذ العمليات الاستشهادية داخل اسرائيل وقد برزت عدة قيادات ميدانية وازنة في مختلف اطرها العسكرية والميدانية مثل الأسير زكريا الزبيدي وعاطف عبيات ورائد الكرمي ونايف أبو شرخ وغيرهم
التسلح العام للكتائب في الضفة الغربية لا يتجاوز الرشاشات والقنابل العادية في معظمه لكن مجموعاتها التي تنشط في قطاع غزة طورت عتادها إلى صواريخ أقصى1 وأقصى2 وامتلكت قذائف الهاون والعبوات التفجيرية وغيرها وقد كان لقياداتها وعناصرها في لواء الشهيد نضال العامودي ووحدات الشهيد نبيل مسعود ولواء الشهيد جهاد جبارين وباقي التشكيلات العسكرية الأخرى دور متقدم في المشاركة بعملية سيف القدس في أيار عام 2021 وامطار المدن والبلدات الإسرائيلية ومستوطنات غلاف غزة بعشرات الرشقات الصاروخية كما شارك مقاتليها أيضا مع عناصر حركة الجهاد الإسلامي في مواجهة العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة
كتائب شهداء الأقصى في أكثر من مرة أعلنت مسؤوليتها عن عدة هجمات على الأهداف العسكرية الإسرائيلية أُطلق فيها الرصاص دون تمييز على المدنيين الإسرائيليين داخل إسرائيل كما حدث في العفولة في تشرين الثاني 2001 وفي حفل الخضيرة في كانون الثاني 2002 فضلاً عن العديد من هجمات إطلاق النار على المستوطنين الإسرائيليين التي تلت ذلك بجراءة لافتة وتخطيط متميزة
في الشهور القليلة الماضية تشكلت في منطقة جنين شمال الضفة الغربية المحتلة وفي نابلس تنظيمات مشتركة لناشطين فلسطينيين مسلحين ينتمون إلى حركة الجهاد الإسلامي وتنظيم فتح وحماس كما أقيمت غرفة عمليات مشتركة لهذه الفصائل
التنظيم المشترك في نابلس كان ضالع في عملية إطلاق النار في محيط قبر يوسف التي أصيب فيها 3 مستوطنين وقائد لواء شمال الضفة في جيش الاحتلال العقيد روعي تسفيغ الذي صرح وهو يغادر المستشفى العسكري ان ( المستوطنين والاستيطان والجيش الإسرائيلي هم شيء واحد ) وما قاله لم يكن زلة لسان فرئيس المجلس الإقليمي لمستوطنات شمال الضفة يوسي داغان يقود منذ زمن بعيد حملة واسعة هدفها ( ربط الجيش بحبال ثخينة بالمستوطنين )
خطورة توثيق وتمتين العلاقة بين الجيش والمستوطنين تكمن في الرغبة بالوصول الى حالة عدم اكتراث الجيش الإسرائيلي بالعنف المنهجي الذي يمارسه مستوطنون متطرفون من سكان البؤر الاستيطانية العشوائية ضد قرى فلسطينية مجاورة في إطار معركة مدروسة لاستيلائهم على مزيد من الأراضي والممتلكات
عودة كتائب شُهداء الأقصى الفتحاوية إلى الساحة اليوم بقوة وتحالفها الاستراتيجي مع حركة الجهاد الإسلامي يشكل أحد أهم التطورات المتشائمة التي تقلق الجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك خاصة وان الكتائب كانت التنظيم المسلح المركزي في الضفة الغربية خلال الانتفاضة التي اندلعت في خريف العام 2000
التقديرات الأمنية لبعض أجهزة الاحتلال اشارت الى ان عودة نشاط كتائب شهداء الأقصى مرتبط بالقلق رقم 1 وهو صحة الرئيس عباس فإذا توفي أبو مازن أثناء ولايته أو تعرض لمرض مفاجئ لا يتمكن معه من الاستمرار في مهامه الرسمية فإن العلاقات بين إسرائيل والسلطة ستصل إلى النقطة الأكثر حساسية منذ وفاة ياسر عرفات في العام 2004 وكل ما يعني إسرائيل في هذا الشأن هو استمرار التنسيق الأمني لحماية إسرائيل والمستوطنين وتسهيل ملاحقة المقاومين والقبض عليهم
معظم المعنيون بمتابعة الاحداث يعلمون أن كتائب شهداء الأقصى وحركة فتح كانتا تعانيان من إخفاق واضح على المستوى الإعلامي وهو ما أدى إلى طمس الدور البطولي الذي لعبته حركة فتح وجناحها العسكري كتائب شهداء الأقصى في انتفاضة الأقصى المباركة التي قدمت خلالها الكتائب نموذجاً نضالياً عريقاً ليس له مثيل حيث تصدرت الصفوف الأولى في الدفاع المستميت عن شعبها وأرضها ومقدساتها
منذ بداية العام الحالي شهدت المنطقة الشمالية في الضفة الغربية المحتلة تصاعداً في العمليات الفدائية بعد مشاركة عناصر تنظيم كتائب الاقصى في العمليات المسلحة مقارنة بالسنوات السابقة التي تصدر فيها مقاومون من حماس والجهاد الإسلامي العمل العسكري
هذا التطور دفع قوات الاحتلال مؤخرا الى شن حملة واسعة من الاعتقالات والاغتيالات لخلايا فلسطينية مسلحة معظمها تابع لحركة فتح متهمة بالمسؤولية عن عدة عمليات إطلاق نار جرت في المنطقة ولا يزال الكثير من عناصر شهداء الأقصى حاضرين في ميدان الضفة الغربية لكنهم يفتقدون إلى القيادة المركزية والتسليح النوعي على عكس بقية التشكيلات العسكرية الأخرى فضلا عن تعرضهم المستمر للملاحقة والاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية
كتائب شهداء الأقصى جناح عسكري وطني تابع لحركة فتح في الأصل وهي لا تعتمد مركزية القرار مثل حركتي ولجهاد الإسلامي وحماس كما انها لا تعتبر ايضا مجموعة إسلامية حيث تتبنى نهج سياسي أقرب إلى العلمانية وفي عام 2005 اعتبرتها أمريكا واليابان ونيوزيلندا والاتحاد الأوروبي حركة إرهابية
جبريل الرجوب قائد الأمن الوقائي السابق في الضفة الغربية وصفها في تصريحه لصحيفة محلية في اذار عام 2002 بأنها ( أنبل ظاهرة في تاريخ فتح لأنها أعادت كرامة الحركة وعززت القيادة السياسية والأمنية للسلطة الفلسطينية ) ولهذا لم يتبرأ أغلب زعماء فتح الشرفاء منها لأنهم يعتبرونها جزء لا يتجزأ من فتح بل هي فتح نفسها حيث كانت تتلقى التعليمات من ياسر عرفات مباشرة
خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على مدينة نابلس كان راس المقاتل العنيد القائد العام لكتاب الأقصى في البلدة القديمة الراحل إبراهيم المصري أبو فتحي الذي تم تصفيته ورفيقه إسلام صبوح بعد اشتباك مسلّح استمر ساعات أكبر المطلوبين وقد تداول مواطنون في مدينة نابلس اخبار بان مقاومين من سرايا القدس التابعة للجهاد الإسلامي وفروا السلاح والذخيرة للشهيد إبراهيم النابلسي قبل أسابيع من العملية الاسرائيلية الغادرة
بعد تمادي الاستهتار الإسرائيلي بأرواح الأبرياء واستمرار سياسة التصفية والإرهاب المنظم أطلقت قيادة كتائب شهداء الأقصى العنان لكافة مقاتليها لبدء باكورة عمليات مزلزلة تستهدف قطعان المستوطنين وجنود الاحتلال في الضفة واراضي 48 وبما يثلج صدور قومٍ مؤمنين تلتحم فيها نابلس ومدن الضفة مع غزة في معركة ( التقاء الأحرار ) انتقاماً لدماء قادة شهداء كتائب شهداء الأقصى ودفاعا عن القدس والاقصى لتبقى الكتائب ذلك الكابوس المفزع الذي يقض مضاجع قادة الاحتلال المجرمين بصموده ومواصلته التحدي والمقاومة
[email protected]