مهدي مبارك عبد الله يكتب: هل .. شكل التعديل الوزاري خيبة امل للشارع الأردني ؟
ابتداء ارجو ان ابين انني لا اقصد في مقالي هذا أي رئيس حكومة بعينة او وزيرا باسمه وانا اقدم تحليلا واقعيا نابع من الحرص على المصلحة الوطنية ومتسلحا مبدأ حرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور والقوانين والبعيدة عن اساليب الاستهداف والتشويه واغتيال الأشخاص والتي تتعمق في دراسة الاداء وانتقاد النهج والسلوك الوظيفي بموضوعية مجردة ودون افتراء او تحامل على أي شخص يتولى المسؤولية العامة في أي موقع رسمي وان اختلاف في الراي لا يفسد للود قضية
أجرى رئيس الوزراء بشر الخصاونة يوم الأربعاء الماضي تعديلا وزاريا بالنّمط الكلاسيكي ودون أي ضغوط او قيود من مراكز القوى المعهودة في اركان الدولة وبعد تأخير استمر لأسبوعين وهو النسخة الخامسة بعد نحو عامين على تكليفه خلفا لرئيس الوزراء السابق عمر الرزاز بتشكيل الحكومة في تشرين الأول عام 2020 حيث شمل التعديل بعض الحقائب الوزارية غير سيادية مثل الخارجية والداخلية والمالية
فيما زادت نسبة التمثيل النسائي إلى 5 منهم 3 تم توزيرهن للمرة الأولى بالأضافة الى دمج 4 حقائب وزارية وإجراء عدد من التنقلات بين مجموعة من الوزراء بغضهم لم يحدثوا نجاحات ملموسة في اختصاص وزاراتهم تنعكس بالفائدة على حياة الناس ( من خرج من الباب عاد من الشباك و ( المجرب لا يجرب )
الامر المحير جدا لعقل المواطن الأردني البسيط انه مع كل تشيل او تعديل وزراي يسمع وبشكل مضخم أسطوانة مشروخة يديرها الاعلام الحكومي وادواته لا تتساوق ولا تتطابق مع الحقيقة والواقع مقادها ان التغيير او التعديل الوزاري المعلن كان بهدف النهوض بالأداء الحكومي وتعزيز العمل بروح الفريق استعداداً لمرحلة جديدة للتعامل مع التحديات
.
فضلا عن رقد الطاقم الوزاري بدماء جديدة وشخصيات كفؤة وذات خبرة عالية ولديها الأفكار والبرامج والنظريات التي يمكن الاستفادة منها وتطبيقها في خدمة الوطن والمواطنين ثم بفاجئ بعد شهور قليلة بخروجهم في اول تعديل وزري لاحق فاذا كان هذا فعلا هو ما يحكم الاختيار لأعضاء الفريق الوزاري فما أهمية التعديل والاستغناء عنهم واختيار اشخاص جدد لا يزيدون عنهم في شيء تفضيلي او متميز من حيث الأداء والخطط المقترحة والاهداف المعلنة الا ما يدور من حديث ناقم في الكواليس حول تغليب معايير الصداقات والمحسوبيات والجغرافيا على أسس وقواعد الجدارة والأهلية والاقتدار
التعديل الوزاري الأخير على حكومة الرئيس بشر الخصاونة لم يطبخ على نار هادئة ولم يعطى قدر ممكن من التروي والتأني في اختيار أسماء وشخصيات وطنية نافذة ووازنة يمكنها مواجهة الظروف الصعبة والمصيرية المقبلة دون القفز من السفينة وتركها تغرق كما حدث سابقا
كما انه في سياقه العام وبحسب رؤية بعض السياسيين جاء متسرع وفقا لتكتيك ودبلوماسيته منح الحكومة الفرصة واعطائها مزيد من والمبررات لبقائها مدة اطول فيما الأصل أن يحدث التعديل دفعة قوية لقطار الحكومة وغربلة لوزرائها واستبدال الضعفاء والخاملين منهم بأقوياء وفاعلين لمزيد من العطاء والانجاز
حكومة الخصاونة خلال ادارتها لشؤون البلاد طالتها الانتقادات الكثيرة وانخفضت شعبيتها بشكل أدى الى تقويض الثقة العامة بين الحكومة والمواطن لكثرة الوعود التي لم تنفذ على ارض الواقع كما شهدت الحكومة أحداثا عدة أثارت غضب واستياء الرأي العام من بينها على سبيل المثال واقعة انقطاع الأوكسجين عن مستشفى السلط الحكومي الذي أدى إلى وفيات عدة بين مرضى كورونا بالإضافة إلى حادثة تسرب الغاز في ميناء العقبة وآخرها انهيار بناية اللوبيدة السكنية والتي أسفرت عن وقوع ضحايا مدنيين
التخوف السياسي لجموع المراقبين والمحللين في الكواليس والعلن لم يكن من فكرة التغيير او التعديل الوزاري وانما من ان اختيار فريق عمل يكون بلا قيمة او نكهة سياسية من جديد كما حصل في التعديلات الوزارية السابقة خاصة وان المحاصصة كانت المعيار الأساس للمناقلات في بعض الحقائب الوزارية
هنالك شكوك كثير من عدم قدرة الحكومة في المستقبل بالتفاعل المطلوب مع مخرجات تحديث المنظومة السياسية واستقبال الاحزاب الجديدة في العام اقادم والتمكين الاقتصادي وإصلاح القطاع العام وشعور المواطن والقطاع الخاص بالآثار التيسيرية في المرحلة المقبلة وما يتبغ ذلك اهتمام بالتحديث الاقتصادي ضمن برامج متخصصة وخطة طموحة لتطوير القطاع العام والتي لم تأتي ثمارها بعد والوصول الى اصلاحات جذرية وهيكيلة في القطاع الصحي والتربية والتعليم والتعليم العالي والتدريب المهني وغيرها
في الواقع لم يلقى التعديل الوزاري الأخيرة ترحيبا من القوى الشعبية وبعض التكتلات والأحزاب السياسية التي لم تر فيه استجابة لمطالبها التي كان أبرزها تغيير الحكومة بالكامل وتشكيل حكومة جديدة تستطيع تحقيق التوافق السياسي والخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تعيشها البلاد فضلا عن ان التعديل الوزاري لم يحدث تغيرات جذرية وجوهرية في طاقم الوزارة وقد ابقى على بعض الوزراء النائمين والخاملين والذين كان على أدائهم الوظيفي عدة ملاحظات سلبية
لهذا لا يتوقع الكثيرون تغييرا كبيرا في أداء الحكومة بشكلها الجديد ولن تكون هنالك أي مفاجآت سياسية في ملف المديونية وعجز الموازنة وتقليل نسبة الفقر المخيفة ونسب البطالة الكارثية وارتفاع أسعار السلع والمحروقات والتخفيف من الاحتقانات الشعبية وسيبقى الطّاقم الاقتصادي على حاله مكانك سر
في ضوء ما تهيأ لنا من الخبرة التراكمية عبر الحكومات الحالية والسابقة نجد أن المواطن الأردني لم يعد لديه أي ذرة اهتمام بالتغيير او تعديل الحكومات في ظل سعيه المرهق وراء لقمة عيشه وثمن دوائه واجرة مسكنه وخوفه الكبير من القادم في ظل ظروف داخلية واقليمية وعالمية لا تبشر بالخير ناهيك عن ايمانه المطلق بان التعديلات الوزارية المتكررة
ليست الا مجرد استبدال للطواقي والوجوه واعادة تدوير وتوزير لشخصيات سبق لها أن جربت في حكومات سابقة ولم تقدم شيئاً وكثير منهم كان له سبب مباشر في إخفاقها في العديد من الملفات السياسية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية والتربوية لذلك فان أي تعديل حكومي يستوجب علينا البحث في البداية عن جدواه الفعلية وتقصي قدرته على فتح أبواب الاقتصاد التي ظلت حتى الساعة عصية على مفاتيح الحكومات العابرة
بعد هذا التعديل الوزاري يفترض على الحكومة بدقة اعتماد مبدأ المساءلة والمحاسبة وانتهاج اسلوب الشفافية والمكاشفة واطلاع الراي العام على الحقائق والقرارات والتوجهات حتى في اصعب الازمات والحوادث ومحاسبة المقصرين علاوة على المسؤولية السياسية
المؤشرات المرئية للتعديل الوزاري تبين انه لا بتعلق بجوهر الاداء أو مخرجات العمل حيث بقيت الأمور في إطارها الضيق الذي لا يتعدى تغيير الوجوه واخذ الخواطر والكوتا والجغرافيا وأحيانا مجاملة نفاق بعض المستوزرين وتملقهم بالولاء والانتماء ومن المؤسف انه وبعد مائة عام من عمر الدولة الأردنية لا زال الوزير لا يعلم ( كيف دخل الحكومة ولماذا خرج منها ) مع تزايد مساحة عدم وجود رقابة حقيقية ومحاسبة وعدم وجود برامج اقتصادية وسياسية لعمل الحكومات المتعاقبة
في ظل هذا الواقع الضبابي فان أي تعديل حكومي لن يجدي نفعا طالما لم يتغير نهج تشكيل الحكومات واستمر اقصاء الكفاءات وتوزير الأصدقاء والمحاسيب الجدد للانتفاع على حساب الخزينة العامة في لعبة اصبحت مكشوفة و لم تعد تقنع الشعب الأردني الذي يرى انه لا حاجة لتغيير الوزراء أو تعديل الحكومة طالما سيتحمل اته العبء كلّه ولن يتغير شيء على أرض الواقع خاصة بعد وصول الأزمات التي تعاني منها الدولة حدّ الاستعصاء ولهذا نحن اليوم بحاجة إلى إعادة النظر بكل النهج القائم بشقيه الاقتصادي والسياسي لا بانتظار تشكيل او تغيير وزاري بنفس الشكل والمستوى والشخصيات
أخيرا رغم هذا التشاؤم الذي يملأ النفوس يحدونا الأمل في أن نجد في هذا التعديل ما يكذب ظننا ويفرج همنا فنرى من الحكومة بعد تعديلها توجها جادا ومحكم في إعادة النظر بمجمل السياسات القائمة ورسم سياسات وخطط جديدة تنهض بالبلاد نحو الأفضل وتأخذ بعين الاعتبار مصلحة الشعب الأردني أولا وأخيرا وتحترم حقوقه في العيش بحياة كريمة وكرامة وحرية وافرة وبخلاف ذلك سيبقى ينطبق على حكومتنا الرشيدة كسابقاتها المثل الشعبي القديم تيتي تيتي زي ما رحتي زي ما جيتي
ا [email protected]