الرئيس توكاييف يتخذ خطوة حكيمة بالعفو عن الذين شاركوا في أعمال الشغب الجماعية
*تحت شِعار الرحمة والإنسانية وحِفاظاً على الوئام العام في كازاخستان:*
بقلم: المستشار محمد الملكاوي / عمّان
خطوة حكيمة وذكية اتخذها رئيس جمهورية كازاخستان قاسم جومارت توكاييف بتوقيع قانونٍ للعفو (لمرة واحدةٍ) عن المشاركين العاديين في أعمال الشغب التي شهدتها كازاخستان في شهر كانون الثاني / يناير مطلع العام الجاري، وذلك قبيل عدة أسابيع من الانتخابات الرئاسية المبكرة التي ستجري في العشرين من تشرين الثاني الجاري، وكذلك قبل الانتخابات البرلمانية التي ستجري العام القادم 2023، رافعاً شعار الرحمة والإنسانية من جانب المجتمع والدولة وحِفاظاً على الوئام العام في الدولة، التي تسير حالياً وفق برنامج إصلاحي سياسي واقتصادي واجتماعي، أعلن عنه توكاييف بعد أعمال الشغب التي شهدتها مدينة ألماتي ومدنٍ كازاخية أخرى.
وتأتي هذه الخطوة من جانب رئيس منفتح الفِكر ويحرص على مُستقبل كازاخستان بهدف منح الأشخاص الذين شاركوا في أعمال الشغب الجماعية فرصة ثانية من الدولة والمجتمع، باعتبارهم كانوا تحت (تأثير الجماهير) الغوغائية، إيماناً منه كرئيس للجمهورية بأن عملية الإصلاح تشمل أيضاً الأشخاص الذين ارتكبواً أعمالاً جنائية وتخريبية ضد المجتمع والدولة والنظام العام والأمن، من خلال التأكيد على أن الإصلاح هو ركيزة أساسية تنتهجها جمهورية كازاخستان الجديدة.
ولاحظتُ بأن الرئيس قاسم جومارت توكاييف أراد يؤكد للشعب الكازاخي بأن أمن واستقرار الدولة هو خط أحمر، لهذا اتخذ قراراً حازماً وحاسماً في السيطرة على اعمال الشغب الجماعية خلال الفترة (4-7) كانون الثاني / يناير من العام الجاري 2022، والتي طالت حوالي (850) محلاً تجارياً وما يزيد على (1200) منشأة في المدن التي شهدت أعمال الشغب، وتسببت أعمال الشغب بخسائر للدولة زادت على (200) مليون دولار، ولكن في المقابل فإن واجبه كرئيس للدولة أن يؤكد لشعبه بأن المواطن العادي و البسيط الذي انجرف في أعمال شغب جماعية، سيبقى مواطناً، وتوجيههة ليعود مواطناً سالماً ومُسالماً في حياته تجاه نفسه، وتجاه أبناء وطنه، الذين ينشدوا الأمن والسلام والاستقرار.
كما لاحظتُ بأن قانون العفو لم يشمل منظمي أعمال الشغب، لأنهم أرادوا جرّ الدولة إلى حروب أهلية داخلية وتهديد السلم العام والاستقرار في جمهورية كازاخستان، وتدمير منجزاتها وإمكانياتها ومصادر قوّتها، حيث ينظر إليهم القانون باعتبارهم إرهابيين ومتطرّفين ومجرمين، ارتكبوا الخيانة العظمى بحق الدولة والوطن، وهددوا الاستقرار في الدولة والإقليم.
وما يميّز قانون العفو من وجهة نظري بأنه تعامل بإنسانية كاملة ووطنية لامتناهية مع الأشخاص الذين تمت إدانتهم بجنح وجرائم متوسطة الخطورة وذلك بخفض مدة العقوبة إلى ثلاثة أرباع المدة، وتم أيضاً خفض عقوبة الأشخاص الذين تمت إدانتهم بجرائم خطيرة إلى نصف مدة العقوبة، ويتوقع أن يتم البدء بإطلاق سراح حوالي 60% من الأشخاص المحكومين المشمولين بالعفو خلال الشهرين الجاري والقادم، في حين ستستمر عملية إطلاق سراح الأشخاص المشمولين بقانون العفو في النصف الأول من عام 2023، لهذا فإني على قناعة بأن كازاخستان الجديدة تقوم على التوافق والانسجام والتناغم في بين القيادة والشعب.
وفي ذات الوقت لا يمكن النظر لقانون العفو على أنه ذريعة أو إعادة تأهيل للأشخاص الذين تسببوا بأعمال الشغب وتهديد حياة المواطنين، وإنما يعتبر القانون هو العفو من العقوبة أو تخفيض مدة العقوبة عن الأشخاص المذنبين بارتكاب أعمال الشغب الجماعية وغيرها من الأعمال ذات الصلة الجرائم الجنائية، في حين أن المحكمة ستخفض الأحكام بالمبالغ عن المحكومين بحسب المواد التي يحددها قانون العفو.
وما يُميّز قانون العفو هذا بأنه سيتم الطلب من الحكومة والهيئات التنفيذية المحلية اتخاذ القرارات والتدابير لتوظيف الأشخاص المفرج عنهم في المؤسسات، وهي ميزة إضافة منحها القانون لهؤلاء الأشخاص، وتقديم المساعدة الاجتماعية للأشخاص الذين ليس لهم مكان إقامة ثابت.
ومن هذا المنطلق فإني كمحلل في الجوانب السياسية والأمنية فإني على ثقة بأن رئيس جمهورية كازاخستان قاسم جورمارت توكاييف يمتلك الرؤية الثاقبة والنظرة التفاؤلية نحو مستقبل جمهورية كازاخستان الجديدة، التي تعتبر دولة واعدة وطموحة، تسعى لبناء جسور قوية تقوم على حُسن الجوار والتعاون مع دول الإقليم، وتستند أيضاً على الشراكة في مختلف المجالات مع دول العالم.
وأستطيع أن أؤكد لكم بأن قمة مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا (CICA) التي عقدت في أستانا عاصمة كازاخستان قبل عدة أسابيع برئاسة توكاييف قد أرسلت رسالة للعالم بأن كازاخستان تحرص على قيادة الأمن والاستقرار والتعاون وبناء الثقة إقليمياً وعالمياً، فيما أرسل قانون العفو رسالة إلى شعب كازاخستان بأن الإصلاحات التي تسير عليها الدولة بثقة هي إصلاحات تهدف إلى تعميق وتعزيز قوة هذه الدولة من جهة، والتسامح بحدود معقولة مع الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم قابلة للعفو من جهة ثانية، وذلك بهدف توطيد أركان العيش المشترك بين أبناء الدولة.