مهدي مبارك عبد الله يكتب: القلق الأردني المشروع والاستعداد لأسوأ الخيارات
لم تكن عمان سعيداً بنتائج الانتخابات الإسرائيلي الأخيرة التي منحت اليمين واليمين المتطرف الأغلبية في الكنيست وهو ما أوصل نتنياهو المتهم بقضايا فساد تتعلق بخيانة الأمانة والرشوة والمتشبث بوجهة نظر متطرفة تجاه الأردن التي يعتبرها وتياره جزء من ارض إسرائيل الكبرى هذه الحكومته السادسة التي يشكلها نتنياهو بعد تحالفه مع حزب الصهيونية الدينية بزعامة سموتريتش الذي يطالب بتوليه حقيبة الجيش وبن غفير حقيبة الامن العام إضافة الى مساهمة بعض الأحزاب اليمينة المتطرفة ذات الصبغة الفاشية التي كانت رافعة لفوز
النظام والحكومة في الاردن اعدا نفسيهما لأسوأ الخيارات والسيناريوهات المتوقعة وفي مقدمتها السعي لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن وهو ما يعرف قديما بالخيار الأردني وتعطيل قنوات التواصل الدبلوماسية المشتركة لتي خلقها لابيد وبينيت والسير حثيثا للقضاء على ما تبقى من فرص نظرية لإحلال السلام في المنطقة ومن اجل ذلك عقد مؤخرا اجتماع هام لمؤسسات سيادية أردنية وتم فيه وضع سلسلة من الخطوات الاحتياطية والتكتيكية لمواجهة الاخطار والتحديات المحتملة في مرحلة حكومة نتنياهو المقبلة
يمكن القول بشكل مؤكد ان الروابط الإنسانية والكيميائية بين نتنياهو والملك عبد الله الثاني مفقودة وهنالك مشاعر تتسم بانعدام الثقة وعدم التقبل الشخصي حيث كانت الحقبة السابقة لولاية نتنياهو متوترة وسيئة جداً وفي آخر ثلاث سنوات تميزت بالجفاء والانقطاع وقد وصف الملك عبد الله الثاني العلاقات الثنائية آنذاك بأنها في أدنى مستوياتها فيما كانت صحف اليمين الإسرائيلي تطلق حملات ضد الأردن وقيادته وعلى هذه الأساس ليس من المتوقع أن تتحسن العلاقات بفوز نتنياهو بسبب أمور عدة ابرزها إخلال الاخير المتكرر بجملة تعهدات شخصية قطعها للملك ولم يوفي باي منها
الاحتلال يسعى إبقاء القدس كاملة عاصمة اسرائيل الخالدة ومدينة واحدة تحت سيادة اسرائيل وغير قابلة للتقسيم وإلحاق حقه في الوصاية على المقدسات وإدخالها في كنف وزارة الأديان الاسرائيلية مع الضغط على الأردن بأن يقبل بذلك ليشكل اعترافاً أُردنياً بالسيادة الإسرائيلية على كامل القدس ولكن الأردن لن يقبل بذلك استناداً لدوره التاريخي والقانوني لمدينة القدس بناءً على الاتفاقيات الدولية الموقعة بإبقاء الوصاية الأردنية على المقدسات
وصول نتنياهو الأقذر والأشد عداء للأردن وسيادته مرة اخرى الى سد الحكومة وعودته الى ممارسة نزعته المتطرفة في استرضاء اليمين الإسرائيلي وجماعات اليهودية الدينية سيصعب على الأردن المساهمة في إدارة الملف الفلسطيني وسيزيد من التعقيدات التي يواجهها في هذه المرحلة الحساسة والتي تتميز بتصاعد المقاومة وتراجع نفوذ السلطة مما قد يضطر الاردن الى الاعتماد على العلاقة المباشرة مع رئيس كيان الاحتلال إسحاق هرتسوغ والتركيز على التنسيق الأمني من خلال الأمريكيين بهدف الحفاظ على مستوى معين من التصعيد في الأراضي الفلسطينية وعدم انفلات الأوضاع الى انفاضة دامية لا تحمد عقباها
العلاقات بين الأردن وإسرائيل ساءت بشكل واضح أثناء فترات حكم نتنياهو السابقة لعدة أسباب أبرزها الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأماكن المقدسة التي تخضع لإدارة الملك عبد الله الثاني الوصي القانوني والسياسي على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية يضاف الى ذلك إعلان نتنياهو في تموز 2020 عن خطة استيطانية لضم غور الأردن وأجزاء واسعة من الضفة الغربية
كذلك الدعوة المستمرة الى تقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً بين المسلمين واليهود وعرقلة زيارة ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبد الله الى المسجد الأقصى وما تبعها من منع عمان مرور طائرة نتنياهو عبر الأجواء الأردنية لزيارة الإمارات فضلا عن محاولة نتنياهو استغلال قضية المياه التي يتزود بها الأردن من إسرائيل للابتزاز السياسي والتسويف والمماطلة في الموافقة على بيع الأردن 50 مليون متر مكعب من المياه الصيف قبل الماضي ما اعتبر في حينه رسالة عدوانية سيئة من نتنياهو للقيادة الأردنية
نتنياهو عاد من أوسع الابواب بنسخته الجديدة وغطرسته المعهودة والى جانبه في هذه المرة رئيس حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش وزعيم حزب عوتسما يهوديت إيتمار بن غفير ومن خلفهم أنصارهم أركان اليمين الفاشي المتطرف أصحاب هتافات الموت والترانسفير للعرب لاستكمال مشروعهم والغاء آخر خيط في ملف القضية الفلسطينية وتغيير الأمر الواقع بشكل كُلي الأمر الذي سيؤثر الرعاية على الهاشمية ويصعد الوضع في الضفة ويوسع الاستيطان وهدم المنازل والقتل في الشوارع والمساس بالوضع التاريخي القائم بمدينة القدس ومواصلة تهويدها القسري وتهجير سكانها الاصليين
كل هذه التصورات الحقيقية ستنعكس سلبا على مصالح الأردن ودوره وأولوياته خاصة بعد التفكير الجاد يإعادة العمل بمشروع ضم الأغوار الذي تم تجميده بعد رحيل حكومة نتنياهو المرة السابقة وفي هذه الاطار يأمل الأردن بأن تساعد الإدارة الأمريكية الديمقراطية الحالية بعدم استئناف نتنياهو لنشاطه في هذا السياق لان في ذلك خطوة اسرائيلية عدائية تمس أمنه الوطني والقومي
هناك عدة تنبؤات متواترة بأن حكومة أقصى اليمين برئاسة نتنياهو سوف تشكل خطراً أشد على الأردن والمنطقة ولهذا فقد احسِن الأردن صنعاً بإرساله عدة إشارات تحذير عبر قنوات دبلوماسية وأمنية إلى بنيامين نتنياهو من عدم منح مناصب وزارية لمتطرّفين معروفين في حكومته المزمعة بعد نجاح تحالفه في احتلال 64 مقعداً من مقاعد الكنيست في الانتخابات الإسرائيلية ولا يعتبر ذلك من قبيل التدخل في المسائل الداخلية الإسرائيلية كما ادعى نتنياهو سابقا بل هو وجهة نظر ناصحة ودفاع متقدم عن مجمل المصالح الأردنية المهددة بالخطر
ربما يكون من أهم أولويات الأردن في هذه المرحلة المشوبة بالحذر الرد على ما يجرى وحماية مصالحه الحيوية وتوفير وتنظيم الدعم الشعبي في إسناد الموقف الرسمي والالتفاف حوله ضد النزعة الإسرائيلية التوسعية التي من المنتظر أن تشهد زخما كبيرا في الأيام القادمة مع نتنياهو الذي لم يتردّد عن القول إنه يرفض اي تدخلات أجنبية في الأماكن المقدّسة غامزا بذلك من قناة الأردن والوصاية الهاشمية على الأماكن المقدّسة
علما أنه وفق المنطق والواقع فان القوة الأجنبية الأولى والوحيدة في القدس الشرقية المحتلة هي الاحتلال بجنوده وشرطته ومستوطنيه ولا بد للأردن مع كل ذلك من تقليص العلاقات المستقبلية مع حكومة نتنياهو المنتظرة إلى أدنى مستوى لمنعه من تنفيذ تهديداته بخصوص الأمر الواقع في المسجد الأقصى و رغبته في ضم أجزاء كبيرة من وادي الأردن على حساب الاتفاق مع الأردن واعادة فتح فكرة تهجير الفلسطينيين للأردن وغيرها من الشرور المكنونة والمعلنة
لا شك بأن هيمنة اليمين الإسرائيلي المتطرف بشقيه القومي والديني على أغلبية مقاعد الكنيست الإسرائيلي يبعث على الانزعاج والقلق أردنيًا وفلسطينا ودوليا إزاء السياسات الإسرائيلية المرتقبة خلال المرحلة القادمة الأمر الذي يفرض على الأردن دراسة خياراته الصعبة في التعامل مع الحكومة الإسرائيلية القادمة بغض النظر عن شكلها وطبيعة تحالفاتها ما دامت هي برئاسة نتنياهو الذي عرف عنه تحديه واستفزازه للجانب الأردني مرارا وتكرارا
خصوصا فيما يتعلق بالاعتداءات المتكررة على الأماكن المقدسة والواقعة تحت وصاية الملك عبدالله الثاني وعدم قبوله بحل الدولتين وعدم اعترافه بعملية السلام و بالسلطة الفلسطينية في الضفة واعتبار حلها هو الخيار الامثل بالنسبة لليهود وشطب حق العودة للاجئين والعمل على تنفيذ مشروع الترانسفير لفلسطينيي الضفة الغربية باتجاه الاردن الوطن البديل ورغبته في احياء مشروع قناة بن غوريون لتدمير الناقل الأردني للمياه المحلاة من مدينة العقبة إلى عمان العاصمة وضرب مشروع ناقل البحرين الوطني وهو ما سيجعل فرص السلام الإقليمي تتراجع بصورة كبيرة ولهذا يجب ان لا يترك عالميا التطرف والعنصرية يتسيدان القرارات و المواقف
الأردن بوعي وحذر يراقب عن كثب كل المستجدات في خطاب وإجراءات وخطوات طاقم نتنياهو ويجري اتصالات دبلوماسية مكثفة مع كل الأطراف تحسباً لأي نتائج مؤسفة قد تحدث حيث يركز على الإدارة الأمريكية والدول الغربية والمجتمع الدولي ومصر ولامارات كما يبدي قلقه الواضح من أي خطوات أحادية الجانب يمكن ان يتخذها نتنياهو قد تؤدي الى تقويض ما تبقى من عملية السلام وتؤثر سلبا على اتفاقية وادي عربة بين عمان وتل أبيب
الحراك النشط الذي قام به الملك عبد الله الثاني خلال الايام القليلة الماضية ما بين اختتام زيارته الرسمية الى لندن وقبل ذلك زيارة الفاتيكان انطلاقا من المشاركة في قمة المناخ في شرم الشيخ وبروز العلاقات الأردنية الإسرائيلية جاء كخطوة استباقية لتجاوز أي حصار سياسي او دبلوماسي يمكن ان تفرضه حكومة نتنياهو اليمنية الجديدة على المصالح الاردنية الحيوية وعلى عملية السلام والقضية الفلسطينية وكذلك للتنبيه العالمي الى ضرورة العودة الى مربع عملية السلام بين الشعوب في المنطقة والاهتمام بحقوق الشعب الفلسطيني وممارسة الضغط على حكومة نتنياهو لإيقاف اي خطوات يمكن ان تتخذها تقود الى بداية مرحلة جديدة من المواجهة والعداء مع حكومة يمينية متطرفة يترأسها المتربص نتنياهو
لا يخفي الأردن إمكانية الدخول في حالة صدام غير مسبوقة مع نتنياهو وبرنامجه كما انه يخشى من تزايد التصعيد والتأزيم الأمني مع الفصائل الفلسطينية والبدء بمخطط تصفية القضية والضغط بالعنف على الفلسطينيين لترحيلهم وإنفاذ خطة التقاسم الزماني والمكاني في القدس العربية المحتلة وفي المسجد الأقصى والعمل على تقويض اجهزة السلطة الفلسطينية الأمنية والإداري والخدمية والأخطر أردنيا هو ان يبادر نتنياهو فورا لتجميد العمل باتفاقيتي الكهرباء والمياه الموقعتين مع شركات أردنية مما سيؤثر على حصة المياه الاردنية التي تعهدت بها إسرائيل سابقا
الهواجس التي تدور في الاذهان كبيرة ومخيفة امنيا وسياسيا لدى عمان والحسابات حساسة جدا ودوائر القرار الأردنية اصبحت على قناعة بان نتنياهو رجع محاط بمشاعر القوة والغرور ولديه خطة مسبقة وأحقاد متراكمة وكراهية منظمة ضد الدولة الاردنية وله سوابق معها وهنالك قناعات حتمية بحصول مواجهات وتفاقمها في الضفة الغربية والقدس الامر الذي يضيف تعقيدات جديدة على التعقيدات الموجودة والتي يعرفها الجميع الآن سيما مع إمكانية باستغلال نتنياهو انشغال العالم بالأزمة الاوكرانية لتصفية العديد من الحسابات الانتقامية مع الأردن
للتدليل على بعض ذلك نستذكر ما قام به نتنياهو في كانون الثاني من العام 2018 بطرح مبادرته لشخصيات فلسطينية إسلامية ومسيحية غير معروفة لدى المقدسيين حيث شكل وفد نهم وإرسالهم لإحدى الدول العربية لسحب الوصاية الأردنية كتمهيد لإلغاء ملف القدس والقضاء على اخر امل لمستقبل القضية الفلسطينية
اليمين المتطرف يضع النظام الأردني تحت مجهر الاستهداف ويتعامل معه كعقبة أمام استكمال المشروع الصهيوني لدفاعة عن القضية الفلسطينية ومحاربته لصفقة القرن وتهويد القدس وبعد هذا الفور سيصبح الأردن في المقام الثاني بعد السلطة الفلسطينية الأكثر تضرراً خاصة بعد انزلاق الشارع الاسرائيلي نحو الفاشية المتشددة
وبما يعكس تنامي مظاهر التطرف والعنصرية مع وجود نتنياهو على رأس حكومة ستكون الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل وهو ما سيشكل تحديا غير مسبوق لعلاقات التطبيع مع الاردن ولاتفاقية وادي عربة ولمصالح الاردن الامنية والقومية المباشرة في ظل استمرار عدم وجود شريكً حقيقي للسلام ستبقى المنطقة مرشحة لمزيدا من العنف والفوضى والتطرف والصدام الحتمي مع المملكة الأردنية الهاشمية
خلاصة القول ان الأردن قيادة وحكومة وشعب مصمم عل حماية حقوقه ومصالحة ودعم الاشقاء الفلسطينيين حتى التحرير والعودة وإقامة الدول الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ولن يرضخ لابتزاز نتنياهو واليمين الإسرائيلي المتطرف او الفاشية اليهودية المتشددة مهما كلف من ثمن