عبقرية في نهج التعليم العالي الأردني تم وأدها قبل أن تثمر
أ.د. محمد الفرجات
أكتب في حيثية دقيقة جدا وبالتحديد عن فترة رئاسة البروفيسور نجيب أبو كركي لجامعة الحسين بن طلال من عام ٢٠١٨ لغاية عام ٢٠٢٠م، والهدف نقل تجربة بالتعليم العالي تستحق أن تعاد قراءتها.
على أن ما أكتبه يشير إلى فكر ذهب بالتعليم العالي الأردني إلى ما يشبه مرحلة تخصيب اليورانيوم، والخروج من دائرة الروتين بالتعليم والبحث العلمي الأردني إلى بوابات التفوق.
وأن الجامعة اليوم وبعهد البروفيسور عاطف خرابشة وفريقه الإداري ومجالس الجامعة الموقرة، وعلى الرغم من التحديات المالية الثقيلة تقوم بمهامها على أكمل وجه وتسعى للتميز بكل المجالات وهذا يسجل لهم، إكمالا لمسيرة مشرفة بدأت بعهد التأسيس في عهد معالي البروفيسور عادل الطويسي، مرورا بعهد البروفيسور راتب العوران والبروفيسور علي الهروط والبروفيسور طه الخميس والبروفيسور علي القيسي.
نعود للبروفيسور نجيب أبو كركي، فلقد فكر بالجامعة كمؤسسة تعليمية جنوبية كبرى وجامعة أطراف، ونمذج بطريقته العبقرية المعطيات وهو أستاذ الجيوفيزياء التي تصور ما تحت الأرض كاملا دون رؤيته، وتوصل إلى طريقة تجعل للجامعة ميزة جاذبة، وقد دفع فيما بعد ثمن تفكيره.
كان قراره بتحويل دوام الطلبة إلى نظامين إختياريين في الأسبوع الواحد؛ دوام أيام الأحد والإثنين، ودوام أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس، بحيث يتفرغ الطالب خلال الأسبوع الواحد حسب الخيار الذي يسجله لبقية أيام الأسبوع.
الجميل في النموذج أنه سمح للطالب ووفقا لتعليمات وضوابط معينة أن يدرس “دوبل بكالوريوس”، فيدرس تخصصين في الأربعة سنوات، فيستفيد من وقته في النظامين المذكورين أعلاه، بينما يدرس المواد المشتركة كمتطلبات الجامعة واللغات والمواد إختياري جامعة مرة واحدة، وتحسب للتخصصين.
لم يترك النموج أعلاه الأستاذ الجامعي ليتنعم بعطلة طويلة، فلقد تم البدء بتحفيز عملية البحث العلمي ومكافأة الباحث المميز بضوابط وتعليمات تنعكس بشكل إيجابي على بيئة البحث العلمي، ليستفيد الأساتذة من وقت طويل بلا محاضرات يقضونه في الميدان والمختبرات وكتابة أبحاثهم.
إنعكس النموذج إيجابا على الجامعة ماليا على الرغم من أنه كان في البدايات وتمارس ضده حروبا شرسة تدفع للخلف، بينما لم يؤثر على إقتصاديات المجتمع المحلي المرتبطة بسكن وتنقل وطعام الطلبة.
فتح النموذج الباب للمجتمع المحلي وإداريي الجامعة وبسبب قلة التزاحم خلال فترة الدوام الإختيارية الواحدة، وذلك لدراسة أية مواد مرغوبة في الجامعة بهدف التطوير الذاتي، كمواد اللغات أو المواد ذات البعد الفني والهندسي… إلخ.
المقصود بمقالي حقيقة ليس جامعة الحسين بن طلال، ولكن التعليم العالي الأردني والذي بات ينطبق عليه مقولة “من لا يتطور ينقرض”، أمام عالم يتسارع بالإبتكار وريادة الأفكار، ودولة يتراكم خريجوها في البيوت بلا عمل، وأمام إحباط يسود المشهد وقوى شد عكسي تحارب كل من يفكر.