مؤشرات نجاح وفشل البناء الحزبي في الأردن :
بقلم الدكتور رضوان محمود المجالي.
هنالك خمس مؤشرات لنجاح أي بناء حزبي في أي نظام سياسي، لابد من تحققها بشكل متكامل دون استثناء أي مؤشر. ففي الحالة الأردنية، هنالك مؤشرين فقط متحققين من أصل الخمس مؤشرات، والمؤشرات الثلاث الباقيات من الأهمية في تحققهم في تعزيز البناء الحزبي في الأردن.
وإن عدم تحقق تلك المؤشرات لا يمكن نجاح أي بناء حزبي قادم.
ولكل نظام سياسي خصائص وطبيعة تختلف عن الأنظمة السياسية الأخرى ويعتمد ذلك على طبيعة نظام الحكم وطبيعة التوجهات الديمقراطية للدولة، وحيث أن الأحزاب السياسية تختلف باختلاف النظم السياسية، فنجد أن التأكيد على طبيعة عناصر البناء الحزبي تعتمد في نجاحها على مجموعة من المؤشرات: 1- وجود نظام قانوني(قانون أحزاب) يكون قادر على تسهيل تشكيل الأحزاب السياسية ،وتأسيسها بشكل منظم وواضح وضمن آليات علمية ومنهجية. دون وجود عراقيل وقيود أمام عمل الأحزاب السياسية. 2- وجود بيئة ديمقراطية: تكون حافز لبروز فعالية الأحزاب السياسية في المشاركة السياسية والقدرة على الوصول إلى مراكز صنع القرار السياسي. ويتضح ذلك من خلال مؤشرات التطور الديمقراطي(الحريات السياسية، والمساءلة، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، والمشاركة السياسية) كما أن مؤشرات التطور الديمقراطي تعتمد على 🙁 درجة مرتفع من الثقافة السياسية. ودراجة عالية من الوعي السياسي. وقدرة على التجنيد والتنشئة السياسية داخل المجتمع). 3-وجود بيئة اجتماعية تؤمن في قيام الأحزاب السياسية وقدرتها على التأثير والوصول إلى مراكز صنع القرار(الثقة المجتمعية في دور الأحزاب السياسية).4-وجود دور فعال للحزب السياسي في المجتمع: من خلال قدرة الأحزاب السياسية على القيام بوظيفتها السياسية، إضافة إلى قدرتها في القيام بوظائف أخرى مساندة لوظائف الدولة المختلفة(الاقتصادية، الأمنية، الاجتماعية، التعليمية، الصحية، الثقافية).5-قدرة الأحزاب السياسية على التجنيد السياسي،(تعزيز ثقة المواطن بالحزب السياسي)، وتحقيق الهدف الخاص للحزب السياسي ضمن سياق تحقيق المصلحة العامة.6- قدرة الأحزاب السياسية على الاستمرارية والديمومة: يعتمد ذلك على استمرارية آليات العمل الحزبي وفعاليته، ووجود مصادر تمويل مشروعة للأحزاب السياسية بشكل مستمر، وزيادة عدد أعضاء الحزب، وقدرة الحزب في التأثير في المجتمع وفي عملية صنع القرار.
إشكاليات البناء الحزبي في الأردن:
رغم محاولات صانع القرار الأردني من التأكيد على ضرورة وجود أحزاب سياسية يكون لها دور فاعل في النظام السياسي الأردني، إلا أن هنالك مجموعة من التحديات السياسية التي تواجه وجود بناء حزبي ناجح في الأردن، يمكن ملاحظتها على النحو التالي:
أولاً: ضعف تكامل النظام الحزبي: حيث يعاني الأردن من ضعف البناء الحزبي وذلك بسبب عدم وجود حلقة وصل واضحة بين أركان العملية الحزبية(السلطة السياسية- الحزب السياسي- المجتمع)، فظهور أحزاب سياسية مؤثرة في الدولة تسلتزم وجود إرادة سياسية لدى السلطة السياسية(صانع القرار) بتفعيل الأحزاب السياسية، ومنحها دور مستقل وفعال في الحياة السياسية، بحيث يكون هنالك قناعة بإمكانية وصولها للسلطة ومشاركتها في عملية صنع القرار، وهذا يستلزم تهيئة البيئة السياسية المناسبة للعمل الحزبي(نظام قانوني وتشريعي مناسب للأحزاب السياسية، وزيادة مؤشرات البيئة الديمقراطية وزيادة تفعيل أدوات التنشئة السياسية، والتجنيد السياسي، وتعزيز الثقافة السياسية في المجتمع وبشكل خاص أهمية الأحزاب السياسية : من خلال دور الإعلام الوطني والمؤسسات التعليمية في تعزيز القبول في أهمية الحزب السياسي في المجتمع). كما أن وجود الأحزاب السياسية تعتمد على فعالية وقدرة الحزب السياسي على العمل داخل المجتمع، حيث أن زيادة عدد الأحزاب السياسية لا تعني أو وجود بناء حزبي ناجح بقدر الاعتماد على تنوع الأحزاب وفعاليتها في العمل الحزبي في ظل توفر الظروف المختلفة، وكذلك على وضع برامج ومبادئ تشجع على استقطاب الأفراد، وأن تكون آليات عمل الحزب واضحة، والقدرة المستمرة على التجنيد السياسي وتعزيز الثقافة السياسية في المجتمع، بالإضافة إلى تبني الحزب لقضايا وملفات وطنية، وقدرته على توسيع وظائفه (عدم حصرها في الوظيفة السياسية: أن يكون له وظيفة اقتصادية واجتماعية وأمنية وثقافية مساندة للدولة). وقبول المجتمع بوجود أحزاب سياسية، حيث أن القناعة الاجتماعية بدور الأحزاب السياسية وإمكانية فعاليتها تعتمد على المعيارين السابقين(وجود إرادة سياسية حقيقية لوجود الأحزاب السياسية، وقدرة الأحزاب السياسية على العمل داخل النظام السياسي)، يوازي هذا الهدف إضعاف تأثيرات الولاءات القبلية والمناطقية في النظام الحزبي. وكذلك امكانية اختفاء العقدة الأمنية للحزب السياسي والتي لا زالت موجودة لدى المواطنين.
ثانياً: سيطرة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية: حيث يظهر بشكل واضح ضعف مخرجات العملية الانتخابية في الأردن، وظهور ضعف واضح للمجالس النيابية، يقابلها سيطرة السلطة التنفيذية بشكل كبير، وضعف وظائف مجلس النواب، هذا الأمر لا يقود لتهيئة وجود دور فعال للأحزاب السياسية في مجلس النواب، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في توزيع صلاحيات السلطات السياسية حسب الدستور( والانتقال لمفهوم الملكية الدستورية) بحسب النموذج البرلماني البريطاني لتهيئة الظروف بشكل حقيقي للبناء الحزبي من خلال إجراء تعديلات دستورية واضحة( بحيث يكون صلاحية الملك في تكليف تشكيل الحكومة بناءً على المخرجات الحزبية في الانتخابات التشريعية، والاعتماد على الرقابة البرلمانية ومنح الثقة وحجبها وفق دور السلطة التشريعية).
ثالثاً: تأثير المحددات الخارجية في اضعاف البناء الحزبي والعملية الديمقراطية: حيث أن الأحزاب السياسية لابد من أن تكون جزء من البناء الوطني والمجتمعي، لكن يلاحظ وجود تأثيرات خارجية في الأحزب السياسية في الأردن وبشكل خاص التأثير الايدولوجي الخارجي، مما يعكس توجهات وأهداف خارجية أكثر منها أهداف وطنية، يقابل ذلك ضعف المصادر التمويلية والمالية للأحزاب السياسية مما يدفعها للجوء إلى مصارد تمويل خارجية، وهذا يعد نقطة سلبية في البناء الحزبي، والذي يتطلب وجود مصادر تمويل ذاتية للحزب السياسي دون اعتماد الحزب السياسي على الدولة.
رابعاً: تأثير العوامل الاقتصادية في اضعاف البناء الحزبي: حيث أن النظام الاقتصادي في الأردن يعاني من جملة من المشاكل والتحديات، الأمر الذي ينعكس بشكل واضح على البناء السياسي والاجتماعي والأمني في الأردن، حيث تعاني الأردن من حالة تبعية اقتصادية خارجية، وتأثير وضغوطات مستمرة في قراراته السياسية والاقتصادية (تأثير الدول والمؤسسات الاقتصادية الدولية المانحة)، الأمر الذي يقود إلى زيادة المشاكل الاقتصادية، وزيادة اهتمامات الشعب بالأبعاد الاقتصادية على حساب الاهتمام بالجوانب السياسية من اعطاء أهمية لانضمام لأحزاب أو الرغبة في التصويت في العملية الانتخابية.
خامساً: تأثير حالة عدم الاستقرار الإقليمية على البناء الحزبي في الاردن: حيث أدت التحولات السياسية في المنطقة العربية والصراع العربي الإسرائيلي وتحولات القضية القضية الفلسطينية، وأزمات الربيع العربي، إلى عدم استقرار في العملية السياسية في المنطقة والأردن بشكل حقيقي، فإمكانية بناء حزبي لا يمكن تحققه في ظل نشوء أوضاع غير مستقرة في المنطقة العربية، وبشكل خاص تأثير المتغير الجيوسياسي للأردن على البناء الديمقراطي والحزبي . حيث يحتاج وجود بناء حزبي وديمقراطي وجود حالة من الاستقرار السياسي والاقتصادي على مستوى البيئة الداخلية والإقليمية. وهذا يعد من التحديات التي تواجه البناء الحزبي في الأردن.
إن امكانية وجود بناء حزبي حقيقي في الاردن تصطدم مع غياب مؤشرات البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والتي تشكل هياكلها جانب مهم في زيادة مؤشرات أي تجربة حزبية، ففي ظل الاشكاليات والخلل في تلك البنى يؤدي لنتيجة واصحة وهي استحالة تحقيق البناء الحزبي الناجح، يضاف اليها تأثير المحدد الخارجي، والذي ساهم في تعطيل مسيرة التطور الديمقراطي في الاردن، في مقابل انه اثر في بيئة النظام السياسي الأردني بشكل واضح.
الدكتور رضوان محمود المجالي
رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة مؤتة