سلطنة عمان الوفية لعروبتها ومبادئها الوطنية
مهدي مبارك عبد الله
بداية سلطنة عمان ليست دولة حديثة ظهرت بعد ثورة النفط في الخليج العربي وهي مملكة قوية منذ زمن بعيد وعندما ظهر الإسلام كان يحكمها ملكان شقيقان من أحفاد الملك العظيم الجلندى بن المستكبر الشهير وهما جيفر و كان مقره مدينة صحار الساحلية و عبده في مدينة نزوى في قلب عمان و قد أرسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم لهما كتاب باسميهما يدعوهما للإسلام حيث حمل الخطاب الصحابي عمرو بن العاص وقد اجابا دعوة الرسول صلى الله طواعية بعد تشاور بين الأخوين و رؤساء القبائل و قد دعى النبي صلى الله عليه وسلم لأهل عمان على إجابة دعوته طوعا دون أن تطئ أرضهم حافر خيل ولا خف بعير
سلطنة عمان الدولة العربية الوحيدة التي هزمت الاستعمار الغربي حيث طهرت ارضها و كامل منطقة الخليج العربي في القرن السابع عشرين من رجس الاحتلال البرتغالي كما انها الدولة العربية الوحيدة ايضا التي أصبحت إمبراطورية مترامية الأطراف من الخليج العربي الى تخوم مدغشقر وهي تنطلق من تجربة حكم متراكمه واعتزاز كبير بموروثها الحضاري و التاريخي
الخطوة الاصيلة والمشرفة التي اتخذها مجلس الشورى العماني يوم الاثنين ٢٧ ديسمبر ٢٠٢2 بتصويته على مشروع قانون لتوسيع مقاطعة كيان الاحتلال الصهيوني في المجالات التقنية والرياضية والثقافية والاقتصادية وحظر التعامل مع كيان الاحتلال الصهيوني بأي طريقة أو وسيلة سواء كان لقاءً واقعيًا أو إلكترونيًا أو غيره حيث تأتي هذه الهبة التشريعية تجسيدا لتطلعات الشعب العماني في دعم القضية الفلسطينية ومن اجل التوصل إلى حل عادل وشامل وفقا للمعايير الدولية ومبادرة السلام العربية
هذا الموقف العماني المشرف ليس جديد وهو يضاف الى مجموعة خطوات سبقت هذا القانوني اهمها رفض السلطنة السماح للطائرات الإسرائيلية بعبور اجواءها رغم كل المغريات المالية الأمريكية والإسرائيلية وهو ما يعني التعطيل التام على تلك الطائرات الاستفادة من فتح الأجواء وتقصير المسافة ومدة الرحلات من ساعتين إلى ثلاثة في الطيران إلى الشرق الأقصى كالهند وتايلاند والصين والتقليل من كلفتها ليؤكد هذا البلد العربي الطيب باهله بانه لا يمكن لأي جهة كانت ان تقنعهم بان فلسطين هي حق للصهاينة في ظل ايمانهم الراسخ علي كافة المستويات بان فلسطين عربيه واسلاميه بارضها ومقدساتها وشعبها ولا يمكن التنازل عنها تحت أي ظرف وسبب
اللافت ان المواقف العمانية الشجاعة والصريحة جاءت متزامنة مع تكرار الحديث في وسائل الاعلام العمانية والعربية والدولية عن اقتراب السلطنة من التطبيع مع كيان الاحتلال ليثبت الواقع انها بعيدة جدا عن هذا التصور المرفوض شعبيا ورسميا لما له من مخاطر وطنية وقومية وبالمقابل الإصرار على التمسك بحقائق التاريخ والمواقف الراسخة اتجاه قضايا ألأمه العربية وقاعدتها الصلبة القضية الفلسطينية وبكل وعي وادراك لمخاطر التطبيع وطنيا وقوميا
سلطنة عمان تعتبر من أوائل الدول العربية التي أصدرت قانون لمقاطعة كيان الاحتلال صدر عام ١٩٧٢ حيث يحظر على كل شخص طبيعي أو اعتباري أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقا مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها أينما أقاموا وذلك متى كان محل الاتفاق صفقات تجارية أو عمليات مالية أو أي تعامل آخر أيا كانت طبيعته وتعتبر الشركات والمنشآت الوطنية والأجنبية التي لها مصالح أو فروع أو توكيلات عامة في إسرائيل في حكم الهيئات والأشخاص المحظور التعامل معهم حسبما تقرره وزارة الاقتصاد وفقا لتوصيات مؤتمر ضباط الاتصال المعنيين
لقد اتثبت السلطنة وقوفها الدائم الى جانب القضية الفلسطينية سواء على منابر الأمم المتحدة أو من حيث تقديم الدعم للأشقاء في فلسطين والالتزام بالمواقف المبدئية الاصيلة في اطار القضايا العربية والعمل العربي المشترك وبما يتسق مع الرؤية العمانية الثابتة والمتوازية رسميا وشعبيا ضد التطبيع ولهذا جاء قرار مجلس الشورى بدراسة توسيع وتشديد حظر التعامل مع إسرائيل حيث صرح وزير الخارجية العماني إن بلاده لن تطبيع مع إسرائيل ولن تتراجع عن ذلك
الموقف البرلماني العماني الأخير الذي عبر عنه الدكتور محمد بن إبراهيم الزدجالي رئيس اللجنة التشريعية والقانونية بمجلس جاء ليوسع دائرة حظر التطبيع مع الكيان الصهيوني اتساقا مع بعض المواقف العربية الثابتة تجاه القضية الفلسطينية ومبادرة السلام العربية والقرار الأممي رقم 242 وبما يتفق مع موقف الشارع العماني المشرف الداعم للقضية المركزية الفلسطينية والرافض للاحتلال الاسرائيلي ولأي محاولات ضغط على السلطنة في ملف التطبيع وبما يؤكد ويعزز معنى ومفهوم السيادة الوطنية والعربية والإقليمية
المؤسسة الدينية العمانية التي يقودها العلامة المفتي النفي والتقي الشيخ أحمد بن حمد الخليلي لعبت دورا محوريا في تعزيز البعد العربي والاسلامي حيث عبر سماحته بكل وضوح وفي أكثر من خطاب ورأي عن موقفه الداعم للقضية الفلسطينية على الصعيد الرسمي والشعبي كما اعلن مرات عديدة عن وقوفه إلى جانب من وصفهم بأبطال القدس وغزة في معركة سيف القدس وطلب الدعاء لهم وفي ذات الوقت ادان العدوان الغاشم على غزة وانتقد من يقف مع الاحتلال ويشد أزره ضد الفلسطينيين كما رفض كل أعمال التطبيع مع إسرائيل واكد ان قضية فلسطين مقدسة وهي ارض مسلوبة ومنهوبة والفلسطينيون هم أصحابها ومن حقهم استردادها بكل الوسائل المتاحة
الشعب العماني الأصيل منذ البداية اعتبر ان فلسطين هي قضية الشرفاء وان التطبيع مع العدو أمر غير طبيعي وأن المشكلة ليست فقط في احتلال فلسطين وتهجير ابنائها وقتلهم أو أسرهم بل هي تكمن في حقد وعنصرية المحتل ضد كل ما هو عربي وأن عقيدة المستوطنين تقوم على احتقار العربي واستعباده وان استراتيجية المشروع الصهيوني تقوم على التوسع الاحتلالي من الفرات حتى النيل
سلطنة عمان كانت ومازالت دولة محورية وهامة في محيطها والمنطقة حيث لعبت دائماً دور الوسيط في الأزمات المحلية والدولية وأبرزها تحريك المفاوضات السرية الأمريكية الإيرانية التي توجت بالاتفاق النووي في عهد إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما كما انها بحكمة بالغة وسداد رأي حصيف لم تنساق وراء العواطف ولم تنسى واجبها الوطني والقومي
حيث اثرت مبدأ الحياد في حرب اليمن وأزمة قطر ولم نقاطع مصر ولا العراق ولا لبنان ولا اليمن بكل طوائفه ولم تعتدي على اي دوله عربيه وقد ابقت علاقاها الإيجابية مع الجمهوريّة الإسلاميّة الايرانية ولفلسطين سفاره في مسقط تشبه قبه الصخرة بنتها الحكومة العمانية على حسابها وقدمتها هديه لدوله فلسطين كما انها تقدم المساعدات المتواصلة للشعب الفلسطيني دون ضجه او صخب اعلامي
في اطار دعم سلطنة عمان لجهود السلام في منطقة الشرق الأوسط تؤكد على عدالة القضية الفلسطينية ومشروعية مطالب الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف وفي مقدمتها ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة ووقف استمرار سياسة العدوان والاستيطان والتصعيد العسكر، والتنكيل بالمدنيين بما في ذلك النساء والأطفال بالإضافة الى حق الفلسطينيون في نيل استقلالهم وإقامة دولتهم وعاصمتها القدس الشرقية وفقًا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ومبادرة السلام العربية
كما تبين سياساتها الثابتة في كافة المحافل الدولية والاقليمية أن عدم احترام إسرائيل بوصفها السلطة القائمة بالاحتلال للقانون الدولي وعدم قيام المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني أفضى إلى انتهاكات جسيمة بحق هذا الشعب ومقدراته وتسبب في مآسي للمدنيين الذين باتوا في مناطق شبه معزولة عن العالم وهو أمر لا يجب السكوت عنه
لا توجد علاقات دبلوماسية رسمية بين عمان وإسرائيل رغم طرحها كدولة الخليجية محتملة للانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم مع إسرائيل خاصة بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو في عام 2018 لمسقط ولقائه السلطان الراحل قابوس بن سعيد
تحية ملئوها التقدير والاعتزاز لعمان الشقيقة الوفية لمبادئها الوطنية والعربية والاسلامية وتحية لشعبها الطيب المعطاء المتمسك بعاداته العربية الاصلية وقيم الاسلام السمح المعتدل والتحية الموصولة لقيادتها السياسية الحكيمة الثابتة على العهد والقسم