غداً ليس كغيره من الأيام .. في يوم “عرفة” تتنزل ملائكة الرحمة تزف بشرى الله لعباده
هنيئا للملايين الخشع الواقفين غدا على الرحمة، يوم عرفة الأغر المشهود، حيث تتنزل ملائكة الرحمة تزف بشرى لعباده بنزول رحماته وبركاته عليهم وإجابة دعواتهم وغفران زلاتهم وعتقهم من النار.
فمن فوق عرفة، هذه البقعة الطاهرة في مكة المكرمة، تتصاعد تكبيرات الحجيج لتملأ السماوات والأرض تعظيما لله وتذللا له في يوم يعود الحجيج منه كمن ولدتهم أمهاتهم للتو بلا ذنب أو خطيئة.
إنه يوم العيد الأكبر، يوم تمام الدين والنعمة لقوله تعالى في محكم كتابه “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” وهي الآية التي قال فيها ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي عنه “والله إني لأعلم في أي يوم أنزلت وفي أي ساعة أنزلت وأين أنزلت وأين كان رسول صلى عليه وسلم حين أنزلت: أنزلت ورسول فينا يخطب ونحن وقوف بعرفة”، كما أشار الى ذلك سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد الكريم في حديثه لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) بهذه المناسبة العظيمة.
ففي هذا اليوم، يوم عرفة، يباهي سبحانه وتعالى ملائكته بأهل عرفة ويقول لهم “انظروا إلى عبادي شعثا غبرا ضاحين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي، ولم يروا عذابي”.
ويشبه وقوف الحجيج بعرفة بموقف الحشر حيث لا فرق بين بين ومرؤوس، أو غني وفقير، ولا أبيض أو أسود، الكل عبيد لله، والكل يناجي ربه
للفوز بمغفرته ورضوانه، حيث يستقبلون نفحات الرحمة.
ويوضح، إن إكمال الدين في هذا حصل؛ لأن المسلمين لم يكونوا حجوا فبذلك اكتمل دينهم الذي ارتضى لهم لاستكمالهم أركان الإسلام، ولأن أعاد على قواعد إبراهيم عليه السلام ونفى الشرك عن المكان. وأما تمام النعمة فحصل بالمغفرة كما قال تعالى لنبيه صلى عليه وسلم “ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما” (الفتح: 2) ومن أجل هذا وغيره من الفضائل العظيمة قال رسول صلى عليه وسلم “ما من أيام أفضل عند من أيام عشر ذي الحجة”، حيث يكون الشيطان في أحقر ما يكون لقوله صلى عليه وسلم “ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز عن الذنوب العظام إلا ما أري يوم بدر. قيل وما رأى يوم بدر يا رسول قال: أما إنه قد رأى جبريل يزع الملائكة”.
وفيما دعا المسلم الى أن يحفظ جوارحه من المعاصي في هذا المبارك كي يغيظ الشيطان، ذكّر بأهمية صيام يوم عرفة لغير الحجاج كي ينالوا نصيبا من هذه الفضائل كما أخبر نبي صلى عليه وسلم “صيام يوم عرفة أحتسب على أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده”.
من جهته، يشير مساعد الأمين العام لشؤون الدعوة ومدير الوعظ والإرشاد في وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية إسماعيل الخطبا، إلى أن يوم عرفة من أعظم أيام الدنيا، وقد به في قوله تعالى: “وشاهد ومشهود” (البروج: 3) لكثرة ما يعتق به عباده من النار.
وعن سبب تسمية هذا بـ (عرفة) يقول الخطبا إن الإمام القرطبي ذكر في التفسير وغيره: “قالوا في تسمية عرفة بهذا الاسم لأن الناس يتعارفون فيه.
وفي التاسع من ذي الحجة (يوم عرفة) سار النبي صلى عليه وسلم حتى أتى بطن الوادي من أرض عرفة، ويسمى عرنة، فخطب في وهو على راحلته خطبة عظيمة لكثرة ما بها من رسائل الإيمان، فقال:” إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي – بتشديد الياء – موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة… فاتقوا في النساء…وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بأصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء، وينكبها إلى – أي يميلها إليهم – اللهم اشهد، اللهم اشهد، ثلاث مرات” ثم أذن، ثم أقام الصلاة فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئا، صلى الظهر ركعتين، والعصر ركعتين .
وأكد الخطبا ضرورة أن نقف بعض الوقفات في أفياء هذه الكلمات النبويات الشريفات في تلك اللحظات المباركات من خطبته صلى عليه وسلم، حيث خاطب خطاب الهداية حتى يقوم الناس لرب الناس.