القرعان يكتب : مشروع قانون الجرائم الالكترونية من زاوية اخرى
كتب ماجد القرعان
كنت قد ابديت رأي كصحفي في مشروع قانون الجرائم الالكترونية حال ان احالته الحكومة الى مجلس النواب منتقدا الثغرات غير المأمونة والتي تشكل خطرا من وجهة نظري على الحريات التي يكفلها الدستور في حال اقراره كما اعدته الحكومة وأكدت حينها على أهمية وجود قانون ( مجود ) يحمي المجتمعات مواطنين وموظفين ومؤسسات من التطاول والإبتزاز والتنمر والبهتان والشتم والسباب والدخول في خصوصيات الأخرين الذي يمارسه البعض في عصر عالم القرية الصغيرة حيث الفضاء المفتوح وبات التواصل بين سكان الأرض يتم برمشة عين … وحقيقة أنني ما زلت متمسكا برأي وآمل ان يكون ذلك نهاية المطاف .
استوقفتني معلومات صحفية اشارت الى ان نائب رئيس الحكومة وزير الخارجية ايمن الصفدي وقع في حيص بيص قبل ايام جراء مشروع القانون المثير للجدل محليا وعالميا وأنه كحال من تم تحشيدهم دون قناعة للدفاع عن مشروع القانون لم يتمكن من اقناع مجموعة من الدبلوماسيين الأوروبيين خلال لقاء جمعه بهم بسلامة مشروع القانون وعدم تعارضه مع ابسط حقوق الإنسان التي تكفلها المواثيق الدولية
واقناع عامة الناس به وهي معلومات نشرتها على موقع درج اللبناني الإعلامية الأردنية التي تولت سابقا رئاسة تحري صحيفة جورادن تايمز الزميلة رنا الصباغ .
الصباغ كشفت باسلوبها الإعلامي الدقيق والمتميز ان عددا من الدبلوماسيين اثاروا خلال اللقاء مشروع القانون رغبة في معرفة دوافعه الحقيقية وأهميته بالنسبة للدولة الأردنية وفيما اذا كان سيعود بتأثيرات سلبية على الحريات العامة لكنهم وبحسب ما أكده الحضور للاعلامية الصباغ أنهم وبدلا من ان يتلقوا اجابات موضوعية مقنعة شعروا وكأنهم في محاضرة أحادية الجانب وهذا بتقديري يُعطي انطباعا ليس بمصلحة الأردن الذي اجرى مؤخرا تعديلات دستورية لبدء مرحلة جديدة ركيزتها منظومة شاملة للتحديث السياسي والإقتصادي والإداري الحلم الذي يراود جلالة الملك منذ ان تسلم سلطاته الدستورية قبل نحو 24 عاما .
ما اعتقده ان المشكلة ليست في أن توافق أو أن لا توافق الدول الصديقة على المشروع فهم شأن وطني خاص فالمشروع سار بمراحله الدستورية كاملة وبقيت خطوة واحدة هي من صلاحيات جلالة الملك والذي من حقه دستوريا ان يحدد خلال فترة اقصاها ستة أشهر موقفه اما بالمصادقة عليه أو رده أو كما فعل في عام 2012 حين رفض المصادقة على قانون للانتخابات وأمر باعادته الى البرلمان لإجراء تعديلات عليه وكذلك في عام 2015 رد مشروع “قانون اللامركزية” لكونه لم يمنح المجالس استقلالاً إدارياً ومالياً ومنحها فقط الشخصية الاعتبارية وأما المشكلة فتتمثل بالإنقسامات التي احدثها في بنية المجتمع الأردني .
المؤيدون لمشروع القانون يعتقدون بأن جلالة الملك سيصادق على المشروع لمنع كسر هيبة السلطات وخاصة التشريعية التي اقرت المشروع والتنفيذية التي اعدته ومن الضروري ان يصادق عليه كون مر بجميع المراحل الدستورية وهو الأمر الذي مر به ايضا قانوني انتخابات 2012 واللامركزية عام 2015 ولم يصادق عليهما جلالته لكن الذي غاب عن ذهنية المؤيدين للمشروع أن مجلس النواب الحالي الذي اقر المشروع جاء بانتخابات شارك فيها اقل من 30 % من اصحاب الحق بالإقتراع وبالتالي لو افترضنا جدلا فهم لا يمثلون الأغلبية المطلقة مع ان المقاطعين للانتخابات يتحملون مسؤولية هذا الواقع بالرغم ان المقاطعة تُعد نهجا ديمقراطيا كالذي يضع ورقته بيضاء في صندوق الإقتراع .
وعلى صعيد موقف السلطة التنفيذية فيهمها اسدال الستارة على المشروع بمصادقة الملك عليه لكنها تتحمل مسؤولية الجدل الدائر لاسباب عدة اولها انها لم توفق بالترويج للمشروع قبل احالته الى مجلس النواب وأكثر من ذلك أنها تجاهلت المألوف حيث لم تقوم بنشر المشروع على موقع ديوان التشريع التابع لرئاسة الوزراء لمدة اسبوعين كما هو متبع مع مشاريع القوانين الأخرى وما زاد الطين بلة انها احالته الى مجلس النواب قبل يوم واحد من بدء الدورة الإستثنائية ما حال ايضا دون دراسته من قبل النواب انفسهم .
والملفت هنا ايضا ان بعض من أخذوا على انفسهم مواجهة المنتقدين للمشروع لم يكونوا بالمستوى القادر على الاقناع حتى لا تتوسع قاعدة الرافضين للمشروع وتتفاقم المشكلة اكثر لأنهم يفتقرون للموضوعية والمنطق لتقديم حججهم فكان الصوت العالي والصراخ ديدنهم وللكتاب في هذا الشأن الإسترسال في المواد الإنشائية والجميع همهم الأول والأخير توفير قناعة لدى صاحب الكلمة الفصل ليصادق على مشروع القانون بذرائع تدور حول كسر هيبة ومصداقية السلطتين التشريعية والتنفيذية .
حق جلال الملك مصان دستوريا ولا اعتقد أنه سيخرج عن الثوابت لكن الحكمة التي يمتاز بها باصطفافه الدائم الى جانب شعبه ونظرته لمكانة وسمعة الأردن بين دول العالم ستدفعه الى قراءة المشهد العام من كافة الزوايا ليتخذ القرار الذي يراه مناسبا ….فعينوا خير يا الأجاويد