شعب واحد مو شعبين.. الأردن حضن فلسطين
بقلم سارة طالب السهيل
ليس هناك علاقة مترابطة ومتماسكة كعلاقة الأردن بفلسطين، وهذا ليس كلمات إنشائية، فطالما قلت إن المحبة ليست كلمات تقال والصداقة بين الأفراد ليست تهاني وتبريكات ومجاملات فارغة من فحواها؛ فما بالك بعلاقات البلدان والشعوب, فما بين الأردن وفلسطين يحسدهم عليه حتى الشقيقات التؤام، فهذا الحب والاندماج والانصهار لا تجده أبداً غرباً ولا شرقاً.
فما قدمه الأردن وشعبه وقائده لفلسطين لا يمكن أن يقدمه الأب الحقيقي لولده وهذه العلاقات الطيبة ليست وليدة اللحظة فإنها علاقات تاريخية عميقه توارثتها الأجيال.
فإن روابط التاريخ والجغرافيا، ووحدة الدم والمصير، كلها عوامل داعمة لعلاقات عميقة الجذور، بين دولتي الأردن وفلسطين، سياسيًا وثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا.
يعود التاريخ المشترك بين الأردن وفلسطين، إلى القرن الثاني عشر، حين كانتا، ضمن بلاد الشرق العربي التي واجهت حملات الاستعمار الأوروبي.
وبعد سقوط «مملكة الصليبيين» في بيت المقدس عام 1187، على يد؛ «الناصر صلاح الدين الأيوبي»، قامت «الدولة الأيوبية»، التي ضمت، بين ولاياتها العربية، بلاد الأردن وفلسطين.
وما أن انهارت «الدولة الأيوبية»، حتى خلفتها «الدولة المملوكية»، التي ضمت أيضا، ضمن ولاياتها؛ بلاد الأردن وفلسطين.
وقد شهد العصر المملوكي تحرر أرض بيت المقدس العربية نهائيا من الاستعمار الأوروبي.
في عام 1516، أصبحت بلاد الأردن وفلسطين جزءًا من الإمبراطورية العثمانية لمدة 400 عام، ضمن ما تُعرف باسم بلاد الشام، وتضم سوريا ولبنان والأردن وفلسطين.
في عام 1917، هزمت قوات الحلفاء العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، وتم تقاسم المنطقة بين «الحلفاء»، إلى عدة دول، بموجب اتفاقية «سايكس بيكو» الاستعمارية، وتم وضع الأردن وفلسطين تحت الانتداب البريطاني.
في عام 1948، تم إعلان دولة «إسرائيل»، على أنقاض ما احتلته من أراضِ فلسطين العربية، مما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من العرب الفلسطينيين إلى الأردن ودول عربية أخرى.
في عام 1950، ضم الأردن «الضفة الغربية»، فأصبحت تُعرف باسم «الضفة الغربية الأردنية».
في عام 1967، احتلت «إسرائيل» الضفة الغربية وقطاع غزة في حرب الأيام الستة.
وتكررت مأساة نزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين مرة أخرى، وأصبح الأردن موطنًا لعدد كبير من الفلسطينيين.
منذ عام 1967، لعب الأردن دورًا مهمًا في دعم القضية الفلسطينية، واستضاف العديد من مؤتمرات القمة العربية، في إطار الجهود العربية والدولية لحل الصراع العربي الإسرائيلي.. التزامًا منه بحل عادل ودائم للصراع، بما يحفظ الحقوق العربية التاريخية في أرضهم المحتلة، وذلك كالتالي؛
* استضاف الأردن مؤتمر القمة العربية عام 1964، والذي دعا إلى حل سلمي للصراع العربي الإسرائيلي على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
* في عام 1974، اعترف الأردن بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.
* في عام 1988، استضاف الأردن مؤتمر القمة العربية، واخْتُتِمَ بإطلاق «مبادرة السلام العربية»، الداعية إلى «حل الدولتين».
* في عام 2002، استضاف الأردن مؤتمر القمة العربية والذي تمخضت عنه؛ «مبادرة السلام العربية».
وقد شارك الأردن في مفاوضات السلام بين «إسرائيل» والفلسطينيين، بالتزامن مع إسهامه في جهود إعادة إعمار غزة.
كذلك؛ قدم الأردن الدعم المالي والسياسي للسلطة الوطنية الفلسطينية، كإحدى مفردات الاستراتيجية الإقليمية للمملكة.
لطالما كان الأردن ثابتًا في موقفه من القضية الفلسطينية، داعمًا لحل الدولتين على أساس حدود عام 1967، مع اعتبار «القدس الشرقية» عاصمة لدولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة.
وقد أكد الأردن مرارًا وتكرارًا، على أهمية التوصل إلى حل عادل ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بما يتفق والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
يستند موقف الأردن، على عدد من العوامل، بما في ذلك التزامه، ودعمه لحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وقلقه بشأن تأثير الصراع على استقرار المنطقة.
وقد أظهر الأردن استعداده لاتخاذ خطوات عملية لدعم القضية الفلسطينية، وذلك منذ حرب عام 1967، حينما احتلت «إسرائيل» الضفة الغربية وقطاع غزة.
ومع ذلك، فإن مواقف المملكة الأردنية الصلبة تجاه القضية الفلسطينية، لم تمر بدون تحديات.
كما يواجه تحديات داخلية، مثل ارتفاع معدلات البطالة والوضع الاقتصادي، إلا أن الموقف الأردني الرسمي، ظل صامدًا أمام كافة التحديات داخليًا وخارجيًا.
كما كان دور الأردن في حماية المقدسات دورا تاريخيا يشهد له العالم.
قامت المملكة الأردنية الهاشمية منذ عقود طويلة مضت، بدور ديني ووطني كبير من أجل حماية المقدسات الإسلامية في فلسطين، وذلك إلى جانب مشاركتها في إدارة شؤون المقدسات بمدينة مكة المكرمة.
بدأت مسيرة «الهاشميين» منذ عشرينات القرن العشرين، بالمشاركة في عمليات ترميم المقدسات الإسلامية بمدينة القدس الشريف، على يد «الشريف حسين بن علي»، في إطار «التزام شرعي وأدبي»، توارثوه، جيلًا بعد جيل.
أبرز هذه العمليات؛ تجديد قبة الصخرة، والمسجد القبلي، كما تم ترميم وإعادة إعمار المسجد الأقصى المبارك، عقب تعرضه للحرق عمدا من جانب «إسرائيل».
وفي عهد الملك «عبدالله الثاني ابن الحسين الهاشمي»، أُعِيدَ بناء منبر «الناصر صلاح الدين الأيوبي»، بدلًا من المنبر الذي أحرقه صهيوني أسترالي، سنة 1969م، وتم تركيبه بالمسجد الأقصى الشريف.
في عام 2013م، صِيغَتْ «اتفاقية الدفاع عن القدس والمقدسات» بين الأردن وفلسطين، في إطار كل من «اتفاقية السلام الأردنية – الإسرائيلية»، و’الاتفاقية الأردنية الفلسطينية»، بما يثبت حق الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة بالقدس الشريف، مع تفويض ملك الأردن جلالة الملك عبدالله الثاني، باتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية لحماية المقدسات، ضد أي عدوان إسرائيلي، وفي مقدمتها؛ «الأقصى المبارك».
وبذلك؛ تحول «الالتزام الشرعي والأدبي» الأردني بحماية المقدسات الإسلامية بفلسطين، إلى التزام قانوني أمام العالم أجمع.
وهكذا؛ ظل الموقف الأردني العروبي والإسلامي راسخا عبر العقود، أمام المحافل الدولية والاقليمية كافة، متجسدًا في عهد الملك «عبدالله الثاني»، رافضًا أية مساومات أو تنازلات بشأن الحقوق العربية في الأرض المحتلة بفلسطين، وحق شعبها في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة، سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا مهما تعرض الأردن لتحديات ومهما دفع ثمن مواقفه الثابتة.