نار غزة….أشعلت قلوب أطفالنا
حنين البطوش
أخصائية نفسية وتربوية
صور القصف والتهجير والدمار والجرحى والصواريخ والطائرات الحربية على غزة آلمت الكبار والصغار وأبكت الأطفال قبل الكبار وأوجعت قلوب الآباء والأمهات ،حكايات فقد عديدة لم يسلم منها طفل في هذه الحرب، صرخاتهم كل ليلة خطت قصصاً طويلة لمعاناة تضاف إلى مآسي الطفولة في العالم، فأصبحت هذه الصور والفيديوهات الأكثر رواجًا على شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي، ورغم سن صغرهم إلا أن الأطفال يتأثرون كثيراً على الصعيد النفسي بما يتابعونه ويرونه ولا أحد ينكر بأنه أمرٌ مرعب، وصور مؤلمة وبالتالي يميلُ هؤلاء الأطفال إلى طرح الكثير من الأسئلة عما يشاهدونه وهذا الإهتمام مختلف بحسب عمر الطفل ونشأته، أو قد يبحث الطفل بمفرده عن المعلومة من خلال الأجهزة الإلكترونية، وحينها يبدأ بالتحليل مع نفسه أو النقد أو الحوار في الجلسات التي تتخللها نقاشات الحرب، سواء مع الأهل أو مع أصدقائه في المدرسة.
مرحلة الطفولة تتميز بالفضول والشغف لإستكشاف ومعرفة ما يدور حولهم لتشكيل فهم واقعي عن أنفسهم وعن محيطهم ، وأكثر ما يقلق الأطفال هو المجهول أي عدم وجود تصورات وتوقعات واضحة لما سيأتي في المستقبل القريب والبعيد، لذا عدم فهم ما يجري من أحداث في غزة بسبب تسارع الأحداث وشدتها يكون عاملاً آخر يزيد من الخوف والتوتر والقلق والبكاء لدى الأطفال وربما الأكتئاب أحيانًا، فالحرب تثير تساؤلات الأطفال ومن تلك الأسئلة والاستفسارات لدى الأطفال التي توضح خوف وقلق الطفل عما يراه يحدث، كيف سينام الأطفال؟ هل سيموت جميع الأطفال؟ لماذا هذه الحرب؟ من الرابح فيها ؟ من هم اليهود؟ لماذا الأهالي يبكون؟ وجميعها أسئلة بريئة تنقل قلق الطفل جراء ما يراه من أحداث، فالسؤال الأكثر تكراراً عند بعض الأهل هو كيف نفسر لأطفالنا معنى الحرب والإجرام في غزة؟
وفيما يلي بعض النصائح حول كيفية الإجابة والحوار مع طفلك لتوفير الدعم له والراحة:
علينا كأهل الصدق وعدم الإنكار بما يحدث في غزة الحبيبة والمحافظة على الهدوء وعدم تجاهل أسئلة واستفسارات الطفل بل علينا الإجابة عليها جميعها، والسماح لهم بالسؤال عما يجري، فمن المهم معرفة ما يدور في تفكيرهم وأن يعبروا عن مشاعرهم من الألم والحزن والغضب والبكاء وأحاسيسهم، فهنا نلجأ للتهدئة الطفل واحتضانه والحديث معه مع الانتباه للأسلوب والألفاظ التي يستطيع الطفل استيعابها والتفاعل معها ، بلغة بسيطة واضحة، وذلك حسب عمر الطفل وفهمه من خلال السرد القصصي أو الدمى أو الرسم وإذا شعر الأهل أيضاً بصدمة شديدة من الصور التي يراها الأطفال، فينصح هنا بالتوقف عن الحديث والتفكير أو اللجوء لشخص آخر مُقرب من الطفل أن يمنح الطفل الأمان .
ومن المهم الحوار الاستماع الجيد للطفل وأعطاءه مساحة للتعبير عن مشاعره وأحاسيسه وتفكيره، وتفريغ طاقاته والعمل على غرس القيم الإنسانية والدينية والوطنية لديه مع أطفال غزة كالحب والتعاطف وأن فلسطين دولة إسلامية عربية، وعاصمتها القدس وأن المسجد الأقصى من المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال وأن القدس قبلة المسلمين الأولى ثم قم بشرح الغرض من هذه الحرب أو أسبابها وأنه رغم كل ما يحدث بغزة الصامدة الأبية الشامخة، أهلها كلهم أبطال صغارًا وكباراً ونساءاً ورجالاً تحملوا من العناء وصبروا رغم تدمير بيوتهم وقطع الغذاء والكهرباء والماء عنهم وما زالوا في صمود وعزةٍ رافعين رؤوسهم لا يخشون العدو بل يخشون الله عز وجل.
وعلينا تقليل حجم المشاهدة لما يحدث في غزة أمام الأطفال ومراقبة ما يتابعونه بما يخص الحرب وتحديدًا من صور وفيديوهات للعنف والدمار والبكاء والصراخ وإنها فرصة لطمأنتهم وتصحيح أي معلومات غير دقيقة ربما تكون قد صادفتهم سواء عبر مواقع السوشيل ميديا أو عبر شاشات التلفزيون أو ربما في المدرسة والأصدقاء ومن الأفضل عدم السماح لهم بمشاهدتها لما لها من تأثير سلبي كبير على الجانب النفسي لهم، كالتوتر والقلق والخوف من هذه المشاهد قد تبقى عالقة في مخيلتهم، ويصعب نسيانها، فتجعلهم يفقدون الشعور بالأمان، التي تعد من الحاجات الأساسية لهم بهذه المرحلة، مما قد يؤدي إلى اضطرابات في النوم، مثل: الكوابيس، والتبول اللإرداي وقضم الأظافر والنوم المتقطع، إضافة إلى وجود تغيرات في الأكل والمزاج، وقد تحفز الأطفال على العنف والسلوك العدواني، مما يجعله أقل تعاطفاً مع معاناة الآخرين لكثرة اعتيادهم على تلك المشاهد.
الأطفال من سن الثالثة إلى السنة الخامسة يخلطون الحقائق بالخيال، فلا تعطيهم معلومات أوسع مما يسألون عنه، بل ساعدهم للشعور بالأمان وأنهم ليسوا في خطر، بل نساعدهم بوسائل عديدة مثل ممارسة أنشطة الرسم والأنشطة الحركية للتعبير من خلاله عن مشاعرهم مثل التمثيل والرسم واللعب ،أما في الأعمار الأكبر سناً فتكون المناقشة حول الحرب على غزة بإستخدام أسئلة مفتوحة، فشجّعوا المراهقين على التعبير عن آرائهم وأفكارهم لتحسين الوضع، ومساعدتهم في العثور على أفضل الطرق للتعامل مع الوضع، والقيام بأمور يحبها الأطفال مع الحرص على الحد من مخاوف الأطفال، وبالنسبة للأطفال الأكبر والمراهقين، كن واعياً حول ما إذا كنت ستسمح لهم بمشاهدة لقطات من التلفزيون، وفي حال السماح لهم أخبرهم ما سيشاهدون وابق معهم أثناء ذلك فالتعرض المفرط لتلك المشاهد قد يصدمهم ويؤدي إلى اضرابات كاضطراب ما بعد الصدمة.
وتجنب الحديث عن الموضوع قبل النوم مباشرة لتجنب توتر وخوف الأطفال ومن طرق تقليل التوتر من خلال القيام ببعض الأنشطة معًا مثل التنفس من البطن وتشجيع الأطفال على مساعدة أهل غزة بالتبرع والدعاء وتعزيز عمل الخير مهما صَغر لأنه سيجلب لك شعوراً عارماً بالراحة.
من الطبيعي أن يشعر الأهل بالحزن أو القلق بشأن ما يحدث في غزة أيضًا، وضع في أولوياتك أن الأطفال يأخذون إشاراتهم العاطفية من البالغين، ولأن الأهل بمثابة نموذج وقدوة في الصلابة والصمود في الوقت الصعب وعلينا تجنب نقل مخاوف الأهل إلى الأطفال، لسهولة معرفتها واستشعار الضيق النفسي عند كبار، واستبدالها بالتعبير مثلًا: أنا حزين بسبب ما يحدث في غزة، ونطلب الدعاء من الله بالنصر العاجل إن شاء الله، وهنا علينا الأخذ بعين الإعتبار أن هذه الصور والفيديوهات من الممكن أن تسبب الصدمة والاضطرابات النفسية للأطفال الذين جربوا الحرب .
وعلينا التنويه هنا إلى دور المدرسة للحفاظ على الإحساس بالحياة الطبيعية، فالتواجد مع الآخرين ممكن أن يساعد الأطفال على التأقلم، والعمل مع المدارس قد يساعد الأهل على الشعور بالطمأنينة اتجاه اطفالهم.
تحدث بهدوء وانتبه للغة جسدك، مثل تعابير الوجه، مع الحرص على ختم الحوار مع الأطفال بعناية فائقة وعدم تركهم وهم في حالة من الضيق مع حاولة تقييم مستوى قلقهم من خلال مراقبة لغة جسدهم، من خلال نبرة صوتهم وطريقة تنفسهم ايضاً واشعار الأطفال بأنك مهتم للاستماع والتواصل المستمر لمعرفة كيف يشعر؟ وهل لديه أي سؤال أو استفسار جديد؟.
وعلى الأهل في حال ملاحظة وجود أي تغيرات واضطرابات نفسية أو سلوكية أو عاطفيه على الأطفال مثل العنف أو القلق والخوف أو ألم في المعدة أو تغير بالمزاج والنوم عدم تجاهلها أو الإستهانة بها وفي حال استمرت هذه الأعراض لديهم لمدة طويلة فقد يحتاج الأطفال إلى الدعم من الأخصائي النفسي .
والتأكيد على زرع وبث الأمل لدى الأطفال بالنصر وانتهاء الحرب على غزة لذلك من المهم تعليم الأطفال والأجيال أهمية فلسطين وأهمية هذة القضية ومحبة فلسطين وتعليمهم علم اليقين أن سيدنا عيسى عليه السلام سينزل على الأرض ويقاتل أعداء الله وأن هذه الأرض ستعود لنا شاء من شاء وأبى من أبى.