عُقدة الناجي
عُقدة الناجي
حنين البطوش
أخصائية نفسية وتربوية
عُقدة الناجي (Survivor’s Guilt)
شعور خاص من اللوم والحزن لدى الناجين وهو صراع عاطفي معقد يواجهه كثيرون منا سببه شعور الشخص أنه نجا من حادثة مؤلمة بينما لم ينج الآخرون، ويتمنى هذا الشخص أن لو كان بإمكانه فعل المزيد لإنقاذ حياة الأشخاص الذين لم ينجوا.
وتُعرف عقدة الناجي بأنها حالة نفسية شعورية مؤلمة حادة ونوع من الاضطرابات النفسية التي تُصيب الشخص بعد تعرضه لحادث أو تهديد خطير أو صدمة قاسية أو حصول حادث لأشخاص آخرين حوله، يشعر بها الشخص الآمن تجاه إصابة غيره مما يعيقه عن ممارسة حياته بشكل سليم، كأن يكون شاهدًا على موت شخص عزيز أو ناجياً من حروب وكوارث تركت ضحايا وشهداء ،كما يحدث الآن في قطاع غزة، ولديه شعور بالحزن خلال ممارسته حياته بشكل طبيعي وشعور من جلد الذات على كل ما فعله وما لم يفعله، ويصحب كل هذه المشاعر الأكتئاب والغضب والتوتر والخوف، ومن أعراض النفسية السلبية لعقدة الناجي أيضا فقدانُ حس الاندفاع والحماس مع طغيان الشعور بالعجز وقلة الحيلة والتفكير الدائم والانفصال عن الواقع والميل للعزلة وعدم الرضى وتقلبات بالمزاج وأفكار سوداوية قد تؤدي صاحبها للانتحار والشعور باليأس والتساؤل عن معنى الحياة والهدف منها، إضافة إلى عدم الاهتمام بالأشياء التي عهد من نفسه الاستمتاع بها، وليست مقتصرة على أعراض نفسية فحسب بل للأعراض الجسدية نصيب فيها لا بأس به، كالأرق والكوابيس وغيرها من مشاكل في النوم، واضطرابات في الشهية وأوجاع في المعدة وتسارع دقات القلب بشكل ملحوظ وغثيان وصداع ودوار متكرر والتقيؤ وإعياء مستمر.
وهذا الشعور بالحزن القاسي والندم والخذلان إذا تمادى عن حدّه الطبيعي صار ما يسمى عقدة الناجي أو متلازمة الناجي أو عقدة النجاة أو اضطراب الناجي، فهذه التسميات وإن اختلفت إلا أن معانيها متقاربة تعود
لنوع محدد من الشعور ألا وهو الحزن الناشئ لدى الأشخاص الذين نجوا من موقف خطير ومهدد للحياة، ويعتبر الكثير من الخبراء النفسيين عقدة الناجي عرضاً من أعراض المصاحبة لاضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
ويمكن أن تكون واحدة من أعراضه المعرفية والمرتبطة بالمزاج، والتي تتضمن مشاعر مشوهة وأفكارًا سلبية عن الذات، وقد تظهر عقدة الناجي وحدها دون أن يكون الشخص مصابًا باضطراب ما بعد الصدمة، إضافةً إلى مشاعر المسؤولية الشخصية عن الحدث أو نتائجه، حتى في حال عدم القدرة على تغيير ما حدث، فقد تتطور لدى الفرد اعتقادات سلبية متطرفة أو مشوهة عن ذاته وعن العالم بالمجمل كانعدام الثقة بمن حوله، رؤية نفسه شخصًا سيئًا، وأنه يستحق عقابًا ما.
وتُشير الأبحاث إلى أن العديد من الأشخاص الذين يُعانون من اضطراب عقدة الناجين والأعراض الأخرى لاضطراب ما بعد الصدمة يتعافون دون علاج خلال السنة الأولى التي تلي الحدث، ومع ذلك فإن ما لا يقل عن ثُلث الأشخاص يستمر لديهم ظهور أعراض اضطراب ما بعد الصدمة لمدة ثلاث سنوات أو أكثر.
وللتعافي من شعور الناجي ولوم النفس يحتاج الشخص إلى الكثير من الوعي والإدراك زد على ذلك الانتباه وتدارك الحالة التي وصل إليها قبل تضخمها أكثر فأكثر، وقد يكون التقبل صعبًا جدًا بعد حدث صادم، لذا عليه تقبل الحدث نفسِه، وهذا قد يشمل الاعتراف والتسليم بفقدان شخص عزيز أو أسلوب حياة سابق، وأيضًا قبول بعض المشاعر والإقرار بها مثل الحزن ونحوه من مشاعر أخرى نشأت عن تلك الصدمة، وأن يعبر عنها ويسمح لها بالظهور بتطبيق تقنيات تحرير المشاعر المختلفة كالاسترخاء ومهارة التنفس الجيدة.
وعلى الشخص أن يكون رحيمًا بنفسه وأن يستعين بالأهل والأصدقاء المرقبين وأن يطلب الاستماع ويتكلم عمّا بداخله ويتوكل على الله فإن مصيره لن يغير من مصير أحد، وكل إنسان في هذا العالم ميّت بأجلِه.
ويلازمُ الاستعاذة بالله كل صباح ومساء من الشيطان الذي يسرّه أن يُحزن الذين آمنوا ويبّث في أنفسهم الضعف وقلّة الحيلة والأسى ويواظب على أوراد التحصين والصلاة وقراءة القران الكريم، فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله وحدثّوا النفس أنّما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.
وممارسة الرعاية الذاتية كممارسة الأنشطة الإيجابية التي تُشعرهم بالرضا، مثل: القراءة والرسم وأعمال التطوع وممارسة الرياضة بانتظام المشي، وعلى الشخص التركيز على ما يراه ويسمعه ويشعر به وأخذ فترات من الاستراحة والتأمل، والحصول على قسط كافٍ من النوم، وتناول نظام غذائي متوازن أثناء التعافي، والحرص على تجنُّب المخدرات والكحول، لأن الأشخاص المصابين باضطراب ما بعد الصدمة مُعرَّضون بنسبة أكبر للإصابة باضطراب تعاطي المخدرات.
وفي حال تفاقمت الأعراض ولم يتحقق تحسن ملحوظ مع مرور الوقت على الشخص المسارعة لطلب المساعدة والعلاج من الأخصائي المختص أو الطبيب النفسي.
وفي الختام فليحمد الإنسان الله أن أنجاه مما نزل به، ويبتعد كل البعد عن لومه نفسَه ومعاقبتها، فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.