أين أبو عبيدة؟
د. أحمد شحروري
الناطق الرسمي باسم كتائب القسام الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) يكنى (أبو عبيدة) تيمنا بأمين هذه الأمة أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه، وقد كان ظهور أبي عبيدة إعلاميا منذ أعوام،واعتاد الناس على ظهوره وأنِسوا بتصريحاته وطربوا لأسلوب حديثه وبلاغة خطابه، وهو يعرف بالملثم كذلك لظهوره باللثام منذ عرفه الناس.
صحيح أن رسولنا صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل الحسن، وأن أبا عبيدة بظهوره المنتظر بات يشكل في وعي الناس فألا حسنا، لكن صحيح كذلك أن المسلم لا يعلق أمله على بشر ضعيف مهما كانت قوته، ولا يقرن الظفر بشخص قياديا كان أم جنديا، بل إن هذا التعلق بشخص رمز لو حصل يفضي إلى نتيجة لا تحمد عقباها لو تغير هذا الرمز فأخذ غيره مكانه لسبب من الأسباب.
وقد انشغل بعض المتابعين بملاحظة غياب أبي عبيدة عن الشاشة في الأيام الفائتة وبدؤوا يسببون ويحللون، فمن مرجع سبب الغياب إلى ظروف تتعلق بالميدان ومراقبة العدو له، إلى مفترض وجود أبي عبيدة في أحد الأنفاق وضعف شبكة الإنترنت الأمر الذي أدى إلى عدم إمكانية تواصله معنا، كذلك أجهزة الرصد الصهيونية مع اشتداد وطأة المعركة، وأحسب أن هذا التحليل هو تجليات تخيلية يمكن أن يصيب بعضها ويمكن أن يخطئ، وفتح باب التحليل أو التخيل لا تحمد عقباه غالبا لأنه فتح لباب التكهنات الظنية التي تلد الإشاعة، والإشاعة جزء من الحرب النفسية في المعركة.
وسأجيبكم على سؤال: أين أبو عبيدة؟
١) أبو عبيدة في كنف الرحمن كغيره من المقاومين الذين أخذوا على عاتقهم الثبات في ميدان معركتهم المقدسة لدحر المحتل والقضاء على أحلامه في الاستقرار في أرضنا التي تلفظ أعداءها.
٢)أبو عبيدة في قلوب إخوانه العرب والمسلمين الذين يؤمنون بمقاومة شرفاء هذه الأمة، كإيمانهم بأن لا بديل عن الجهاد سبيلا لدحر هذا المحتل الدموي الفاجر.
٣) أبو عبيدة في ميدان النزال لا يقيل ولا يستقيل، هو في كل شبر من أرض غزة كغيره من إخوانه المجاهدين، يجابه ويناور، يصرح ويلمح، يطلّق النوم الذي اتخذه كثير من بني قومنا سبيلا للهروب من واقع النزال الصعب الذي لا يطيقه إلا الرجال.
٤) أبو عبيدة لا يخاف الموت لأن هتافه وهتاف إخوانه: (والموت في سبيل الله أسمى أمانينا)، لكنه مع ذلك لا يتهور ولا يسلم نفسه لفم الردى، فيأخذ بالأسباب التي فرض علينا شرعنا أن نأخذ بها لكي لا نموت منتحرين، فيقع منه الحذر الذي لا يغني من قدر.
٥) أبو عبيدة وإخوانه المقاومون حريصون على التوحيد والإخلاص، وهم يعلمون أن المؤمن لا يتعلق بموقع ولا بوظيفة مهما علا شأنها، ما دام أحدهم يخشى على نفسه من الغرور أو العجب بالنفس، فماذا لو عُهد بهذا الدور الإعلامي المتقدم لغير أبي عبيدة، هل نحن عبَدة أشخاص ومهمات لنبحث عن أبي عبيدة في ذكرياتنا الجميلة؟ أم نحن عباد لرب لا نشرك معه إنس ولا جان ولا إنجاز ولا فكرة؟
أبا عبيدة يا من جاهدت وإخوانك لتحقيق الفرائض وتوقير السنن، أيها الرمز المجنّح بجناح التوفيق، امضِ وإخوانك على بركة الله معززين بمعية الله وتوفيقه، ونحن معكم بأرواحنا وقلوبنا، فقد أحببناك أبا عبيدة لا لذاتك المجردة بل لطبيعة الأمانة التي تحملها مضافة إلى نبل نفسك وسداد فعلك، ونحن معك ومع كل من يمكن أن يقف معك أو يقوم بدورك، راجين لكم سلامة القصد والفعل، وسلامة الروح والبدن.
وكما صافحك من زار غزة بعد تحريرها وأنت معتمر كوفيتك ملثّما مهيبا نرجو أن نعود فنلقاك مصافحين ومعانقين وأنت وإخوانك الصامدون في صحة وسعادة بالنصر والتمكين.