شعارهم تباً للمستحيل.. أهل غ.زة يتغلبون على الحصار والعدوان بالبدائل
ليس هناك مستحيل في قطاع غزة؛ هذا ما يكشف عنه واقع هذه المنطقة التي تعاني ويلات حرب كارثية؛ فالفلسطينيون سرعان ما تأقلموا مع وضع هو الأسوأ الذي يعيشه أناس على وجه كوكب الأرض حالياً.
مظاهر الحياة المدنية بما تشمل من طاقة وسكن وصحة وغذاء ومياه ونقل وأمان معدمة تماماً في غزة، التي تحولت منذ 7 أكتوبر الماضي، إلى أرض معارك شملت كل شيء وضمن ذلك من سكان وبنى تحتية، حيث إن القصف الإسرائيلي لم يستثنِ شيئاً.
هذه الحرب التي تواصل قتل المدنيين ببشاعة، خلفت أكثر من 17 ألف شهيد معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أزيد من 46 ألف جريح ومصاب وفق أحدث تصريحات رسمية فلسطينية.
وأتت أيضاً على البنى التحتية للقطاع، وأجهزت على الكهرباء والماء والاتصالات والمواصلات، وأجبرت أكثر من مليون ونصف المليون -على الأقل- على النزوح والسكن في مخيمات.
انعدام جميع مقومات الحياة دفع سكان غزة إلى اللجوء لطرق بدائية تجعل حياتهم تستمر، واعتماد تدوير الأشياء واستخدام البدائل، والتعاون والتكافل حاضران لكي يجتاز الجميع هذه الأزمة.
الحصول على الطعام
الغذاء، هو أكثر الأشياء أهمية بين السكان في غزة؛ فالمواد الغذائية شحيحة، وأهمها الخبز، الذي افتقده الناس هناك بعد قصف الاحتلال للمخابز والمطاحن.
الغاز لم يعد موجوداً والكهرباء والوقود أيضاً، وكل تلك كانت تستخدم لإعداد الطعام، وهو ما أجبر الناس على اللجوء إلى مواقد النار، التي تستخدم الحطب لإعداد الخبز والطعام، والتدفئة وتسخين المياه أيضاً، فعاد الناس يحتطبون كما كان يفعل أسلافهم قبل قرن من الزمن.
أفران الطين عادت أيضاً للظهور من جديد في غزة، حيث كانت هذه الأفران تستخدم في الماضي لإعداد الخبز والطعام.
أبو يزن -وهو فلسطيني نزح إلى أحد المخيمات بغزة مع 40 فرداً من عائلته- ظهر في لقاء مع محطة “بي بي سي”، وهو يطهو الطعام على موقد حطب، وقال إن جيش الاحتلال الإسرائيلي “أعادونا ليس فقط عشرة أعوام إلى الخلف بل إلى مئة عام”.
وأضاف: “نذهب لإحضار الحطب لكي نطبخ الطعام لأطفالنا”، مشيراً إلى أن معاناة كبيرة يعيشونها في ظل انعدام أبسط الخدمات.
أول وسيلة نقل
أحدث وسائل النقل من السيارات والحافلات لم يعد لها أي قيمة في غزة؛ بسبب انعدام الوقود، وهو ما جعل السكان يعودون إلى أول وسيلة نقل عرفتها البشرية منذ آلاف السنين.
عربات الحمير والأحصنة أصبحت وسيلة النقل التي تعوض سيارات الأجرة، وباصات النقل وسيارات الحمل وسيارات الإسعاف أيضاً.
بل أصبحت عربات الدواب تنقل جثامين الشهداء -الذين يسقطون على أثر القصف الإسرائيلي العنيف- للدفن في المقابر القديمة أو الجماعية التي استحدثت لكي تستوعب الأعداد الكبيرة.
تظهر مقاطع الفيديو القادمة من غزة عدداً كبيراً من العربات التي تجرها الحمير وهي تنقل أغراضاً أو أشخاصاً من مكان إلى آخر، لا سيما النازحين الذين يبحثون عن مكان أقل خطراً، وليس أميناً.
ولم يعد هناك أمان داخل القطاع بأكمله، وهو ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي قال: إن الوضع في غزة “يتدهور بسرعة نحو كارثة قد تكون لها تبعات لا رجعة فيها على الفلسطينيين وعلى السلام والأمن في المنطقة”.
عربات الحمير أيضاً تنقل المياه، التي يفتقدها أهل غزة، ولم تعد متوافرة إلا في محطات محددة، يذهب إليها السكان للحصول على الماء في أوعية ودِلاء.
تلك الحال أيضاً تعيد إلى الذاكرة جلب المياه عبر الدلاء من الأنهر والعيون والينابيع، التي كانت سائدة منذ قرن، قبل اعتماد المحطات التي توصل المياه عبر الأنابيب إلى المنازل.
مواطن من مدينة رفح يدعى محمد (رفض الكشف عن هويته بالكامل)، قال لوكالة “الأناضول”: “نهاتف محطة تعبئة المياه، فتقول لنا وفّروا وقوداً أو غازاً كي ننقل إليكم المياه، ونرفعها إلى سطح منزلكم داخل الخزانات”.
ويضيف: “هذا أمر في غاية الصعوبة، الوقود والغاز غير متوفرين نهائياً، وإن حصل البعض عليهما يكون بأسعار مرتفعة جداً، فنضطر إلى نقل المياه يدوياً، وهو أمر مرهق للغاية”.
ومحظوظ من لديه بئر مياه جوفية في غزة، ولكن هذا الأمر كان حلاً مؤقتاً قبل أن يصبح خارج الحسابات؛ لكون هذه الآبار تحتاج إلى مولدات كهربائية لتشغيل مضخاتها وهو ليس ممكناً بسبب نفاد الوقود.
أما على صعيد الاتصالات، فقد انطلقت حملات لتزويد سكان غزة بشرائح افتراضية، واستطاعت إيصال الآلاف منها إلى الغزيين للتواصل مع ذويهم، كما أوصلتها للصحفيين العاملين هناك.
والشرائح الافتراضية التي تعرف بـ”إي سيم”، عبارة عن كود يربط بالهاتف، فيتصل بالأقمار الاصطناعية إذا توافرت شركة اتصالات قريبة، ويصبح في جهاز المحمول خط خلوي أو باقة إنترنت.
ويستطيع المتبرع في الخارج شراء الشريحة وإرسال رقمها لشخص في قطاع غزة باستخدام تطبيقات من بينها “إيرالو” و”نورماد” و”موغو”، ثم يختار تفعيل الشريحة المدمجة.
ولكنها تحتاج إلى هواتف حديثة كي تعمل بشكل جيد، وتبث الإشارة لمن حولها، في حين يمكن لأصحاب الهواتف القديمة أن يحصلوا على الاتصال بطريقة أخرى مع استخدام برنامج “في بي إن”.
وسائل بديلة
لا للمستحيل، هذا ما يتضح من أفعال وأفكار أهل غزة، فهم يحوّرون أي شيء للاستفادة منه في محل آخر.
نجح بعضهم في استخدام الألواح الشمسية لتوليد الكهرباء، وأيضاً تحولت إلى نقاط مشتركة لشحن الهواتف لجميع من يرغب، لكن هذا الحل بات جزئياً بعدما لجأت طائرات الاحتلال إلى قصف هذه البدائل؛ لكي تزيد معاناة الغزيين وتدفعهم نحو التهجير.
وكذلك نجح بعض سكان القطاع في استغلال بطاريات صغيرة للحصول على الإنارة ولو بشكل جزئي.
ومن البدائل التي ابتكرها السكان، لجوءهم إلى تعديل خزانات السيارات واستخدام زيت الطهي لتسيير محركاتها.
تحوير الأشياء كان حاضراً من أجل إعداد الطعام أيضاً، حيث لجأ البعض إلى قص الطناجر الكهربائية لتعمل على الحطب.
أما غسل الملابس والاستحمام فكثيرون لجؤوا إلى ساحل البحر لأجل ذلك، يحملون ملابسهم لغسلها، وآخرون يسبحون في مياه البحر.
واحدة من أهم المعاناة التي يصعب التغلب عليها بالبدائل كان نفاد الفوط الصحية النسائية؛ إذ سلطت مدونة فلسطينية الضوء على هذه الأزمة الإنسانية، مؤكدةً أنها تهدد صحة النساء في قطاع غزة.
وحذرت ناشطات ومدونات من التداعيات الخطيرة في حال الاستعاضة عن الفوط الصحية بمصادر أخرى كالقماش أو قطع الملابس، وما سيترتب عليه من مشاكل صحية والتهابات في الرحم وفطريات في المثانة، بحسب طبيبات أمراض نسائية، خاصة مع عدم توافر قطع الملابس (معظم النازحين خرجوا بملابسهم الشخصية فقط)، وانقطاع المياه.