أنتِ طالق
حنين البطوش
أخصائية نفسية واستشارية أسرية تربوية
لا تزال كلماتُ أبي لي عندما تزوجت عالقة في ذهني: إن جئتني يومًا وقد تركتِ بيت زوجك بغير حق رددتُك إليه…
ومن الأهل من يفتقد إلى الحكمة عند التعاطي مع مشاكل أولادهم الزوجية،فكلامي هنا لكل أبّ… إن خطر لك أن تقول لابنتك إذا رأيتها متضايقة من زوجها:كيف يجرؤ على كسر خاطرك؟! تعالي معي إلى بيت أهلك! بيتك! ولن ترجعي إليه حتى يأتي ليعتذر ويطلب الرضى،فَتأَسَّ بأخلاق النبي ﷺ، حيث إنه مع محبته الشديدة لابنته فاطمة رضي الله عنها،وهي إحدى أفضل نساء العالمين،لم يعاتب عليًّا على تركه لها،إنما ذهب ومازحه وعَرَّضَ له بأن ينصرف إلى أهله،ولم يكن في هذا تنقيصٌ لقدره ولا لقدر ابنته.
فيا أيها الأهل،لا تدعوا الشيطان يلعب بكم،ولا تظنوا أن السعي للصلح ينقص من قدركم أو قدر ابنتكم،ولو كان زوجها هو المخطئ،وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عِزًّا وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
فلا ينبغي للمرأة أن تنسى عظيم حق الزوج عليها، ولا ينبغي للرجل أن ينسى حقوق المرأة التي عليه، وإذا تخاصما فليسعيا وأهلهما إلى الصلحالمو .
تزايد عدد حالات الطلاق بين الأزواج بالمجتمعات العربية سواء طالت مدة الزواج أم لم تطل، وكثرة انتشاره أدى إلى العزوف عن الزّواج بسبب الخوف من الانفصال فيما بعد،ولا ننكر أنّ للطلاق تداعيات سيئة في أغلب الأحيان والتي تنعكس على نفسية الرجل والمرأة والأهل،وهو خسارة كبيرة للأولاد،خاصة مع الضغوط الناتجة عن التغيرات المصاحبة له،كالخوف من فقد أحد الوالدين والشعور بالحقد والغضب تجاه أحد الوالدين الذي يعتقد أنه كان سبب الانفصال ويؤثر على نفسية الأولاد عاطفياً في كثير من الأحيان، عدا عن الصعوبات المادية التي قد تؤدي إلى العيش في مستوى مادي أقل مما اعتادوا عليه،وكل هذه التغيرات من الطبيعي أن تُحمِّل الأبناء ضغوطا حادة من مشاعر الغضب والتوتر والقلق والصدمة ومن مشاكل خارجية،مثل:اضطرابات السلوك،والانحراف،والسلوك الاندفاعي أكثر من أولاد لعائلات المتماسكة،وقد يواجه الأولاد أيضًا خلافات مع أقرانهم بعد طلاق والديهم،مما يؤدي إلى ضعف في تحصيلهم العلمي وصعوبة التركيز في الدراسة.
فما السبيل للحفاظ على العلاقة الزوجية وتجنب الوصول إلى الطلاق؟
لو وقفت المرأة عند قول النبي ﷺ: أعظم الناس حقًّا على المرأة زوجها،ووقف الرجل عند قول النبي:استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عندكن عَوانٍ،لَمَا وصل الأمر في كثير من الأحوال إلى الوقوع في الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق.
ومن غير المستغرب أن يكون في الرجل ما لا تحبه المرأة، وكذلك العكس،لكن مجرد أن يكون في أحد الزوجين ما لا يحبه الآخر لا يعني أن الطلاق لا بد منه،كيف وقد قال رسول الله ﷺ :لا يَفرِك مؤمن مؤمنة، أي لا يقع منه بغض تامّ لها،إن كره منها خلقًا رضي منها آخر،فإن وجد الرجل في المرأة خلقًا يكرهه وجد فيها خلقًا مرضيًا غيره،فإن كرهتموهن فلا تفارقوهن لكراهة الأنفس وحدها، فإن النفس قد تميل عن ما فيه خيرها،فإن وجدت شيئًا من النفور من زوجتك فلا تتخذ قرارًا بطلاقها اعتمادًا على هذا وحده.
وعبارة (تمسك برجولتك) كثيرًا ما تستعمل في غير موضعها،فإن الرجولة ليست بالإفراط في الغضب،ولا بالتكبر،ولا بالتجبر،إنما الرجل الحكيم يدرك كيف يوازن بين إظهار القوة واللِين،وبين اتخاذ القرارات مع التواضع لأهله والتطاوع معهم،ولا تظن أنك إن كنت شديدًا بحيث تخاف زوجتك منك دلَّ هذا على قوتك ورجولتك،أو أنك إن لم تفجر غضبك دلَّ ذلك على ضعفك،فليس الشديد بالصُرَعة وإنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب ،ومن الصفات المحمودة بالزوج أن يكون هيِّنًا ليِّنًا،فلا تظن أن مراعاة زوجتك وملاطفتها تقلب الموازين وتُنَقِّص منك،وقد قال بعضهم:ينبغي للرجل أن يكون بين أهله كالصبي -أي سهل المعاملة- فإذا التمسوا ما عنده وجدوه رجلًا.
ويشهد مجتمعنا كثيرًا من الحالات التي يتردد فيها على لسان المرأة طلب الطلاق لأسباب تكون أحيانًا سخيفة. وهنا يجب التنبيه إلى أنه لا يجوز للمرأة طلب الطلاق من زوجها بلا سبب يبيح لها ذلك،فقد تظن المرأة أن إظهارها الاستغناء عن الرجل وقدرتها على إكمال طريقها دونه دليل على قوتها،فتتعمد أن تظهر لزوجها ما ينطبق عليه المثل القائل بعاميَّتنا _عايز ومستغني_تظن أنها بذلك تحفظ نفسها من استغلال الزوج ضعفها،وليس الأمر كذلك،هذا الكلام ليس دعوة إلى انهيار المرأة وضياعها دون زوجها،بل الزوج نفسه لا يعجبه ذلك،فكوني حكيمة،فالزوج يحب المرأة التي يعتمد عليها في الشدة، بل هذه دعوة إلى أن تظهر الزوجة التقدير لزوجها،وأنها تحتاج إليه كما يحتاج إليها،وأنها سعيدة باختياره شريكها، وأنها متمسكة به لا تريد الاستغناء عنه،وتظهر شغفها أن يترقيا معًا جنبًا إلى جنب إلى العلى،فهذا الدفء من الزوجة يحفز الرجل لتحسين نفسه وتحسين معاملة هذه المرأة ليصيب توقعاتها ويحافظ على هذه المودة القائمة بينهما.