الرياضيات في حياتنا
المعلم. أحمد عدنان أيوب عبدالله
يُعدّ الرياضيات علمًا متسلسلاً يتّجه دائمًا نحو الأمام، كما أنّه علم تراكمي؛ لأن حاضره ومستقبله يعتمد بشكل رئيسي على بدايته (ماضيه)، ويُعدّ علمًا تجريديًا؛ لأنّه مبني على العلاقات الهندسية والرقمية، التي تتميز بدقتها وترتيبها لعرض الأفكار وتدرجها مما يساعد في الوصول إلى التوضيحات والتفسيرات الدقيقة لجميع النتائج.
كما يرتبط الرياضيات بتفاصيل الحياة اليومية للإنسان وأنشطتها بشكل وثيق، فالإنسان يستعمل الرياضيّات بتطبيقاته وأشكاله المختلفة كثيرًا دون أن يعيَ ذلك بشكل مباشر، سواء كان ذلك في مكان الدراسة، أو أماكن اللعب والترفيه، حيث يُنظّم الرياضيات حياة الإنسان ويُخلّصه من الفوضى والعشوائيّة، ويُنمّي قدرة الإنسان على الاستدلال المنطقيّ، والتفكير النقديّ، والتفكير الفراغيّ والمكاني، ويُرسّخ لديه مهارات التواصل اللازمة والفعّالة في حياته، ومن المهارات والفوائد التي يُقدّمها الرياضيات للإنسان ليُمكّنه من فهم عالمه ، كتطوير القدرة على التفكير ، فعزّز الرياضيّات قدرة الإنسان على التفكير في مختلف الجوانب والظروف. إذ يجعل الرياضيات نظرة الإنسان إلى أمور حياته أكثر فاعليةً؛ لأنّ الرياضيّات يتطلّب دراسة كافّة الجوانب المتعلّقة بالمسألة الحسابية لحلّها؛ لذا فإنّ ممارسة الرياضيّات تُساعد الإنسان في حياته اليومية على رؤية الأمور بشكل شامل. ويُساعد الرياضيات على تنمية الإدراك والتعبير عن الأفكار ، إذ تتطلّب ممارسة الرياضيّات وتطبيقاته القدرة على إدراك الترابط والتفكير بشكلٍ منطقيّ في المعادلات الرياضية والعمليّات الحسابية المختلفة، وهذه المهارات التي تتطوّر لدى الإنسان عندما يُمارس الرياضيّات تُمكّنه من فهم العالم من حوله بشكل منطقيّ.
يُمكّن التسلسل في الوصول إلى الحلول الرياضية الإنسان من التعبير عن أفكاره بشكل واضح، ومترابط، ودقيق، ومنطقي، وهو أمر مهم في الحياة اليومية لأنّ طريقة الإنسان في التعبير عن أفكاره تترك انطباعًا مهمًّا لدى الآخرين. يسعى كلّ شخصٍ يُمارس الرياضيّات إلى الوصول إلى النتيجة الصحيحة ولا شيء غيرها، لذا فإنّ تعلّم الرياضيّات وممارسته يُعزّز لدى الإنسان وعيًا بأنّ الصواب هو الهدف المراد، ممّا ينعكسُ على حياته اليوميّة فيصبحُ أكثرَ حكمةً ويسعى دومًا للوصول إلى الحقيقة.
تتكوّن حياة الإنسان بشكل عامّ من العديد من المواقف التي تتطلّب منه الاختيار والبحث عن طرق الوصول ومواجهة المشكلات المعقّدة، وبهذا الشأن فإنّ الرياضيّات يُنشّط العقل و يُساعد الإنسان على أن يكون منفتح العقل؛ نظرًا لأنّ ممارسته تتطلّب المرونة والتفكير. إذ يُدرك الإنسان من خلال ممارسة الرياضيّات أهمية البحث، والتحرّي، والاستنتاج لحلّ المشكلات واجتياز المواقف.
لا يقتصر الرياضيّات على تعليم الأرقام والحسابات داخل الصفوف المدرسيّة، إذ يتعدّى ذلك إلى إدارة الشؤون المالية ؛ إذ يُساعد الإنسان على إدارة شؤونه الماليّة بشكلٍ مثاليّ، فمصطلحات مثل الرهن العقاريّ، والضرائب، والتأمين، كلّها تعتمد على الرياضيّات.
ويُساعد على تحليل الفرص المالية المتاحة وتقدير قيمتها الحقيقيّة قبل إنفاق الأموال عليها، وذلك إلى جانب الدور في وضع الميزانيّات وإدارة الأموال. إذ يُساعد الإنسان أيضًا على إيجاد أفضل الحلول للمشكلات التي تواجهه في حياته اليومية ، كمنحة مهارات التفكير التحليلي والاستدلال المنطقي، حيث تُستخدم هذه المهارات بكثرة في الرياضيّات عند حلّ المعادلات أو إجراء العمليات الحسابيّة. إذ تتكوّن لدى الإنسان الذي يفهم الرياضيّات جيّدًا مهارات تُساعده على تحديد المشكلات وإيجاد طرق مُثلى لحلّها.
وللرياضيات دور في نمو الاقتصاد، إذ يُحرّك الرياضيّات الابتكار، فالعمل في مجال الرياضيّات وتطبيقاته يُعزّز لدى الإنسان القدرة على الابتكار من أجل الوصول إلى الحلول. يُعتبر الابتكار عامِلاً متزايد الأهميّة بالنسبة للاقتصاد العالميّ، وذلك من خلال مساهمته في نموّ الاقتصاد بشكل عام، ونموّ بعض القطاعات الاقتصاديّة بشكلٍ خاص، مثل: قطاعات التصنيع، والطاقة، والرعاية الصحية، والخدمات المهنيّة والتجارية. تزداد الحاجة إلى الرياضيات خصوصًا مع ظهور أنظمة وتقنيات اقتصادية جديدة ومعقّدة. يُساهم الرياضيات بشكل واضح في عجلة الاقتصاد العالميّ في مجال التوظيف والمهن ، إذ تكون الأفضلية للشخص الذي يتعامل بشكل أفضل مع مسائل الرياضيّات ويفهمها جيّدًا عند التقدّم لأيّ وظيفةٍ؛ حيث يرغب أصحاب العمل دائمًا بتوظيف أشخاص قادرين على حلّ المشكلات المعقّدة، والقيام بالتحليل المالي، وحساب التكاليف، وغيرها من الأمور الرياضيّة. تدخل المهارات الرياضية في العديد من الوظائف والمهن، فمصمّمُ الأزياء يحتاج إلى حساب نسب الأشكال وتكلفة النسيج، والمعماري يحتاج إلى حساب المساحات وحلّ المشكلات الإنشائيّة وذلك من خلال العمليات الحسابية.
كما يدخل الرياضيات في العلوم المختلفة، إذ تتجلّى التطبيقات الرياضية في الطبيعة، والتكنولوجيا، والهندسة المعماريّة، وتشغيل الآلات، ومجالات البناء، والبنوك، والأبحاث، ورسم الخرائط، ومن الأمثلة على تداخل الرياضيّات مع العلوم المتنوّعة استخدام الأساليب الإحصائية الرياضية في اختبار الفرضيّات في علم الوراثة، واستخدام الرياضيّات في عمل تقارير إحصائيّة للعلاقات الكميّة. يتضّح دور الرياضيات في مجال الأبحاث عند معالجة بيانات الأبحاث التي تحتاج إلى إيجاد قطر حسابي ، أو مقدار التشتّت، أو الانحراف المعياري… يرتبط الرياضيّات بشكلٍ وثيق مع الطبيعة، فمفاهيم مثل التماثل والتناسق والأنماط هي مصطلحات لها أساس في الرياضيّات، وإذا نظر الإنسان حوله في الطبيعة فإنّه سيرى الكثير من التماثل والتناغم، كما أنّ الإنسان يتشكّل لديه وعي وملاحظة أنّ الطبيعة تحتضن الكثير من الأنماط كتعاقب الليل والنهار وتبدّلِ الفصولِ الأربعة سنويًا، فكلّ هذه الأنماط يفهمها الإنسان ويتمكّن من تحديدها بفضل الحسابات الرياضيّة، بالإضافة إلى عالم النباتات، حيث إنّ هناك الكثير من الأمثلة على التماثل، والتناسق، وتوالي الأنماط.
وفي الختام الرياضيات لغة عالمية ولا تتغير قوانينها وعملياتها الحسابية من مكان إلى آخر في العالم، مهما اختلفت اللغات أو الثقافات، ممّا يجعل الرياضيات مهارة عالمية، وأداة قوية يمكن أن تستخدم في أي مكان حول العالم. فالرياضيات هو العلم القائم على المنطق بالشكل والترتيب والكمية، والعمليات الحسابية الرياضية موجودة في كل مكان حولنا، وهي تعد من أساسيات الحياة اليومية. فالرياضيات تكاد تدخل في جميع مجالات الحياة، وفي جميع الأنشطة اليومية، مثل الهندسة المعمارية، والفنون، والمال، والرياضة، والطهي، ومعرفة الوقت، وغيرها الكثير من المجالات البسيطة والمعقدة، وكلما زاد التطور والتقدّم ازدادت حاجة البشر للرياضيات، فهي أساس معظم العلوم والتطور التكنولوجي.
المعلم. أحمد عدنان أيوب عبدالله
مدرسة المهلب بن أبي صفرة الأساسية للبنين / لواء الجامعة