الشهيد العاروري: “عمري الافتراضي انتهى”
كان اسمه يتكرر باستمرار في اجتماعات حكومة الاحتلال، وفي التقارير الأمنية والعسكرية، ويوضع دائما على رأس قائمة الاغتيالات.
كان يمتلك “كاريزما” لا يقلل من شأنها على الإطلاق حتى مسؤولي الاستخبارات الإسرائيلية.
وكان أول رد فعل على التهديد باغتياله سابقا أن ظهر مرتديا زيا عسكريا وأمامه بندقية متطورة من عائلة الإصدارات السابقة من “كاربين إم 16” بما في ذلك منظار قنص إسرائيلي الطراز، مع شبكة واسعة من أجهزة الهاتف الأرضية المرتبطة بشبكة اتصالات المقاومة .
صالح العاروري، المولود في قرية عارورة قرب رام الله عام 1966، حاصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من جامعة الخليل، التحق بالعمل الإسلامي في سن مبكرة بتأثير من والده أمام المسجد، ثم ارتبط بجماعة “الإخوان المسلمين” بواسطة إمام مسجد القرية الشيخ سعيد معطان الذي تعود أصوله إلى قرية برقة شرق رام الله.
ظهرت موهبته القيادية على نحو مبكر حين قاد العمل الطلابي الإسلامي (الكتلة الإسلامية) في الجامعة عام 1985، ومع تأسيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عام 1987 انضم إلى صفوفها على وقع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في عام 1987.
اعتقل في عام 1990 إداريا بدون توجيه تهمة له وما لبث أن أطلق سراحه.
ساهم العاروري الذي يلقب في أوساط الحركة بـ”أبي محمد” بتأسيس كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لـ”حماس” في الضفة الغربية ما بين عامي 1991 و1992 حيث اعتقل وتعرض إلى تحقيق قاس استمر عدة أشهر في مركز “المسكوبية” في القدس وفي سجن طولكرم المركزي السجن الذي يحمل عنه معتقلوه ذاكرة سيئة من آثار التعذيب الوحشي.
وبعد عدة جلسات في المحاكم حكم عليه بالسجن خمس سنوات.
وحين أوشكت هذه المدة على الانقضاء أعيد اعتقال العاروري إداريا، واستمر هذا الاعتقال لخمس سنوات متواصلة، وهكذا حتى أمضى نحو 18 عاما في أقبية وزنازين الاحتلال، قضى معظمها معزولا في زنزانة مغلقة لا يرى الشمس ولا يسمح له بالخروج إلى دورة المياه إلا مرة واحدة في اليوم.
ورغم ذلك فقد نجح في بناء شبكة داخل السجن ضمت رفاقه: زاهر جبارين وموسى دودين وهارون عز الدين وجهاد يغمور وعبد الرحمن اغنيمات الذين سيقومون فيما بعد بالعمل معه في جبهة الضفة الغربية بعد خروجهم من السجن.
وعندما أفرج عنه في عام 2010 رحل العاروري إلى سوريا ومن ثم غادرها إلى تركيا مع تفاقم الأزمة السورية، وتنقل بين عدة دول من بينها قطر وماليزيا، واستقر أخيرا في الضاحية الجنوبية في لبنان.
اختير عضوا في المكتب السياسي لـ”حماس” عام 2010، وفي عام 2017 انتخب نائبا لرئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية. وانتخب، الشيخ صالح، كما ينادى، رئيسا للحركة في إقليم الضفة الغربية للدورة الحالية (2021-2025). وأُعلن إعادة انتخاب يحيى السنوار رئيسا للحركة في قطاع غزة، بينما انتخب خالد مشعل رئيسا لإقليم الخارج.
وكان العاروري أحد أعضاء الفريق المفاوض لإتمام صفقة “وفاء الأحرار” والتي عرفت أيضا باسم “صفقة شاليط” عام 2011 التي تحرر بموجبها أكثر من ألف أسير فلسطيني.
وفي عام 2014 بدأت قوات الاحتلال بهدم منزله في مسقط رأسه بعارورة.
واستكمالا لإجراءات الاحتلال العقابية بحقه صنفته وزارة الخزانة الأمريكية في عام 2015 “إرهابي عالمي” بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224. ونتيجة لهذا التصنيف، تم حظر جميع ممتلكات العاروري، والفوائد العائدة عليها التي خضعت للولاية القضائية الأمريكية، ومنع الأمريكيين بوجه عام من إجراء أي معاملات معه، بالإضافة إلى ذلك، صنفت واشنطن حركة حماس “منظمة إرهابية أجنبية”.
وأعلن برنامج “مكافآت من أجل العدالة” الأمريكي عن مكافأة تصل إلى 5 ملايين دولار مقابل الإدلاء بمعلومات عن العاروري، المعروف أيضا باسم صالح محمد سليمان العاروري، وصالح سليمان، وذلك بعد أن قامت خلية تابعة “كتائب القسام” عام 2014 باختطاف ثلاثة مستوطنين قرب الخليل قبل أن يقتلوا.
أخر تهديد بتصفيته ظهر إلى العلن عن طريق رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي قال: “إنه (العاروري) يعرف جيدا سبب اختبائه هو وأصدقاؤه”. مهددا: “كل من يحاول إيذاءنا ومن يمول وينظم ويرسل الإرهاب ضد إسرائيل، سيدفع الثمن كاملا” على حد تعبيره.
دعوة الاغتيال هذه انفجرت هذه المرة بعد سلسلة عمليات فدائية مؤثرة في الضفة الغربية والتي نجحت في قتل أكثر من 40 إسرائيليا العام الماضي وإصابة العشرات، وهو الرقم الأعلى في أعداد القتلى منذ عام 2001.
تهديدات الاحتلال السابقة كانت تعبيرا صارخا عن الألم الذي تشعر به من حالة المقاومة المتصاعدة في الضفة والعجز عن مواجهتها أو وقفها.
وتوزعت عمليات المقاومة هذا العام في مختلف أراضي الضفة والقدس والداخل المحتل، وصولا إلى مناطق كان يعتقد الاحتلال أنها مناطق هادئة كأريحا والأغوار وسط أخبار تقول بأن العاروري يحرك الأحداث وينسق العمليات من مقر إقامته بيروت.
الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إيتان دانغوت يرى أن العاروري هو “أخطر وأهم شخص في حماس اليوم”. بحسب ما نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية على لسانه.
العاروري كان قد رد مسبقا على استئناف عمليات الاغتيال لقادة “حماس”، قائلا إن هذه الخطوة قد تثير “حربا إقليمية”، مضيفا “إذا وصلنا إلى حد المواجهة الشاملة، فسوف تهزم إسرائيل هزيمة غير مسبوقة في تاريخها، ونحن واثقون بذلك”.
مبتكرا مصطلح “حرب شاملة في عدة ساحات” و “توحيد الساحات” الذي ولد مع معركة “سيف القدس” عام 2021، ثم جولة القصف الصاروخي الذي نفذته المقاومة من عدة ساحات: غزة، لبنان، سوريا، ردا على جرائم الاحتلال في المسجد الأقصى.
وأخر ما توصل إليه الاحتلال هو أن “الجيش” الإسرائيلي بات عاجزا عن تفكيك “مثلث التعقيد”، المتمثل بلبنان والضفة الغربية وغزة، والذي حاكه العاروري. وهو ما أكده المتحدث السابق باسم جيش الاحتلال رونين منليس، لقناة “كان” الإسرائيلية، في أن “يد العاروري، على الأقل في الأشهر الأخيرة، يبدو أنها هي العليا”.
غياب العاروري خسارة كبيرة، ربما على ساحة الضفة الغربية، لكنه لن يوقف المقاومة بالضفة، فقد شهدت المقاومة اغتيال عشرات القادة على مدى السنوات الطويلة، وكانت دائما تفرخ قادة جديد يواصلون مسيرة النضال، كانت مقاومة ولادة.
كان العاروري يرد على التهديدات الإسرائيلية بالاغتيال، بعبارة: “عمري الافتراضي انتهى”، ويبدو أن عمره انتهى، وسيبعث رحيله برسائل ساخنة متعلقة باحتمالية اشتعال حرب شاملة على عدة جبهات.
انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على WhatsApp (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على Telegram (فتح في نافذة جديدة)النقر لإرسال رابط عبر البريد الإلكتروني إلى صديق (فتح في نافذة جديدة)اضغط للطباعة (فتح في نافذة جديدة)