سارة طالب السهيل تكتب قذائف الحرب الإسرائيلية والفسفور الأبيض حول غزة قنبلة بيئية موقوتة
عمان – بسام العريان
يا نار كوني بردا وسلاما على أهل غزة كما كنت بردا وسلاما على إبراهيم، فالمشهد المتكرر في غزة بفعل آلات الحرب والقنابل الفسفورية على قرابة عقدين من الزمان، وما تحدثه من دمار وحرائق تكاد لا تنتهي هي بفعل استمرار هجمات إسرائيل على القطاع بأسلحتها المدمرة للإنسان والبيئة والمناخ تذكرني بجبروت النمرود، ووضعه لنبي الله إبراهيم في النار.
وصمود سيدنا إبراهيم في النار أمام آلهة النار المشتعلة وشيطانها، وأمر الله كوني بردا لتكون بردا وسلاما، أكاد أستشعره اليوم في صمود أهل غزة أمام نيران إسرائيل وقذائفها وقنابلها الفسفورية التي تشعل النيران في المدارس والبيوت والأزقة والسيارات والمشافي بدعوى تدمير أسلحة المقاومة الفلسطينية.
فمنذ حصار غزة وحتى اليوم، فإن إسرائيل لم تكف عن انتهاك القوانين والمواثيق الدولية الخاصة بحماية البيئة، واستخدمت أطنان من المواد المتفجرة والمتنوعة التي لوثت الهواء والماء والتربة.
واستمرار استخدام المواد الحارقة والمتفجرات إلى تدمير البيئة والمناخ الصالحين لحياة الإنسان والحيوان والنبات وخاصة شجر الزيتون الذي ليس له مثيل في العالم والقضاء على العديد من الزراعات الأخرى المهمة للكائنات الحية. فإسرائيل تستخدم أسلحة الدمار الشامل المحرمة دوليا مثل الأسلحة الكيميائية والمشعة والفسفور الأبيض واليورانيوم المخصب في حربها ضد غزة؛ مما أدى إلى تسرب المواد الخطرة إلى الهواء والماء، وبالتالي تدمير المناخ وانتشار الأمراض والأوبئة، حتى لا تصبح أرضا صالحة للحياة.
وأمام ومسمع ومرأى العالم كله، قصفت إسرائيل ميناء غزة بالقذائف الفسفورية المحرمة دوليا، فالفسفور الأبيض يلحق أضرارا كبيرة بالإنسان في مقدمتها الحروق الشديدة. وقمة المناخ التي استضافتها الإمارات والجهود المبذولة فيها لحماية البيئة والمناخ، لم تفلح في منع عمليات وأد المناخ والبيئة الجاري بغزة بفعل الفسفور الأبيض وغيرها من آلات الحرب المدمرة للبيئة.
والحرب الدائرة اليوم بغزة ليست هي الأولى من نوعها في ضرب غزة بالقنابل الفسفورية أو العنقودية وغيرها من الأسلحة المدمرة للبيئة، فقد استخدمتها إسرائيل لمدة 22 يوما عام 2008 و2009 خلال ما عرف باسم الرصاص المصبوب، والذي قتل وأصاب المئات من المدنيين وإضرام النيران بالمدراس والمشافي ومخازن المساعدات الإنسانية.
يسبب الفسفور الأبيض كمادة حارقة، الإصابة أو الوفاة حين يلامس الجلد، أو لدى استنشاقه أو ابتلاعه، فإن الحروق التي تلحق بأقل من 10% من الجسم قد تكون قاتلة؛ لأنها قد تصيب الكبد أو الكليتين أو القلب بالأضرار.
يشتعل الفسفور الأبيض، ويحترق لدى اتصاله بالأوكسجين، ويستمر في الاحتراق حتى درجة 1500 فهرنهايت (816 درجة مئوية) حتى لا يتبقى منه أي شيء، أو حتى ينتهي ما حوله من أوكسجين.
وحين يلامس الفسفور الأبيض الجلد يصيبه بالحروق كثيفة ومستديمة، وأحياناً تصل إلى العظام، وامتصاص الجسد للفسفور الأبيض في الأعضاء الداخلية للإنسان تؤدي إلى وفاته.
ووفقا لقانون الحروب، فإن استخدام الفسفور الأبيض جائز بشرط ألا يستخدم بالمناطق المـأهولة بالسكان المدنيين، وانتهاك إسرائيل لهذا الشرط في غزة، يوجب عليها المساءلة القانونية وتعويض المتضررين.
أطلقت قمة المناخ التي اختتمت أعمالها 12 الشهر بالإمارات عبر مؤتمر الأطراف، صندوقا لمواجهة الخسائر والأضرار المناخية، وهي خطوة مهمة للتدخل السريع لمعالجة أية اضطرار تلحق بالمناخ، دون المطالبة بالإنقاذ الفوري للبيئة في قطاع خاص الذي صار قنبلة بيئية قد تنفجر في أية لحظة، وتنتشر آثارها المدمرة على كافة منطقة الشرق الأوسط.
قمة المناخ بالإمارات طالبت بتحقيق العدالة المناخية، وهو مطلب نشكرها عليه، ونتمنى تحقيقه على أرض الواقع، بشرط أن يبدأ تنفيذ هذه العدالة بقطاع غزة المدمر بيئيا ومناخيا، فهل تتحقق هذه العدالة أم أن سياسية الكيل بمكيالين الدولية ستحول دون تطبيقها بغزة انتصاراً لإسرائيل؟!!!
إن حقوق الإنسان المناخية يجب ألا تفرق بين شمال أو جنوب الكرة الأرضية، ولا تفرق بين أوربي أو عربي، مسلم أو مسيحي أو يهودي أو بوذي، فكلنا شركاء في الإنسانية، ويجب أن يكون للجميع حقوق متساوية في العيش الآمن ومناخ سليم نظيف خالي من سموم الحروب القذرة وأسلحتها الفتاكة المدمرة للبيئة.
ممن سيدفع تكاليف علاج الأمراض المزمنة الناجمة عن التلوث البيئي الذي أحدثته الحرب والحصار على سكان غزة؟
أتمنى أن تصدق قمة المناخ في وعودها عبر مؤتمر الأطراف، بأن تدفع من صندوق مواجهة الخسائر المناخية تعويضا مناسبا لقطاع غزة، تعويضا يسهم في علاج مرض الكوليرا المنتشر من جراء انتشار الجثث والقمامة والغازات السامة الناتجة عن قذائف الحرب و فسفورها الأبيض.
سارة طالب السهيل