خبراء وعلماء الصحة العامة يؤكدون أهمية المنتجات البديلة في تقليل أضرار التدخين
خلال القمة العلمية السادسة للحد من أضرار التبغ باليونان
دعى نخبة من خبراء وعلماء الصحة العامة وصناع القرار من مسؤولي السياسات الاجتماعية إلى الانفتاح على السياسة المبتكرة القائمة على الحد من الضرر في مكافحة التبغ؛ وذلك لما أتى به تطبيقها بالتجربة والبرهان في العديد من الدول التي تبنت المنتجات البديلة المبتكرة، من انعكاسات اجتماعية واقتصادية ناجمة عن الانعكاسات المثبتة علمياً على الصحة العامة.
هذه الدعوة التي جاءت في إطار مناقشات القمة العلمية السادسة للحد من أضرار التبغ، التي عقدت تحت عنوان: “المنتجات الحديثة، الأبحاث والسياسات”، على مدار يومين مؤخراً في اليونان، بتنظيم من الرابطة العلمية الدولية للخبراء المستقلين في مجال مكافحة التدخين والحد من المخاطر SCOHRE، انطلقت لتكون بمثابة رسالة واضحة لبث ونشر المعلومات والحقائق القائمة على الأدلة حول المنتجات البديلة، ولإعادة النظر في القيود المفروضة عليها والمنظمة لاستخدامها، بما يؤثر على قرار وثقة المستهلك، وبالتالي توجهاته في ما يتعلق بالإقلاع عن التدخين التقليدي.
وكانت القمة التي حضرها 250 مشاركاً من علماء وخبراء والصحة العامة، قد استهلت بكلمة افتتاحية لرئيس الرابطة المنظمة لها، البروفيسور إناتيوس إيكونوميديس، بين فيها أهمية دراسة البيانات المتاحة حول المنتجات البديلة التي تكتسب أهمية كبيرة ضمن سياسة الحد من الضرر باعتبارها أداة لتقليل الأمراض المرتبطة بالتدخين، ووسيلة لإحداث الفوارق المأمولة في هذا المجال؛ لإقصائها عملية حرق التبغ المسؤولة عن إنتاج 6 آلاف مادة كيميائية ضارة أو محتمل أن تكون ضارة من تلك المرتبطة بالأمراض التي تصيب المدخنين التقليديين، وذلك لتمكين صناع القرار ومجتمعات الصحة العامة من اتخاذ القرارات الفعالة.
وقد شهدت القمة على هامش فعالياتها استعراضاً لآخر البيانات حول استخدام المنتجات البديلة كوسيلة للإقلاع عن التدخين التقليدي، وذلك من النواحي العلمية والتكنولوجية والطبية والتنظيمية والقانونية والسياسية، إلى جانب عرض مقترحات السلطات التنظيمية وصانعي السياسات لدعم تلك التوجهات الحديثة، بحضور 250 مشاركًا من علماء وخبراء الصحة العامة.
وسلط العديد من المشاركين الضوء على تجارب الدول الناجحة في تقليل أعداد المدخنين التقليدية، بفضل تبنيها لسياسة الحد من الضرر، ومنها السويد، وذلك وفقاً لمدير معهد العلوم الطبية في جامعة الكاردينال، فيزينسكي ببولندا، أندريه فال، والذي أوضح أنها أصبحت خالية من التدخين تقريبًا بفضل إتاحة المنتجات البديلة بعد وصول نسبة المدخنين فيها إلى 5.6%، وهي النسبة التي تقترب من نظيرتها التي حددتها منظمة الصحة العالمية عند أقل من 5%، مضيفًا أنه نتيجة لذلك، فقد أصبحت معدلات الإصابة بمرضي السرطان والانسداد الرئوي المزمن في السويد هي الأدنى في أوروبا.
وأضاف “فال”، في كلمة تحت عنوان: “في طريقنا إلى عالم خالٍ من التدخين.. وجهة نظر مشتركة للصحة العامة والاقتصاد”، أن المدخنين في السويد يحصلون على النيكوتين من خلال استخدام المنتجات البديلة، مشيرًا إلى أن مواجهة أضرار التدخين ماليًا وصحيًا تتطلب فرض ضرائب مرتفعة على المواد الأكثر ضررًا مقابل تخفيض الضرائب على نظيرتها الأقل ضررًا.
ومن جانبه، شدد رئيس الجمعية الكرواتية للحد من أضرار الصحة العامة، وهو أخصائي طب الأسرة ورئيس قسم الرعاية الصحية الأولية في المعهد الوطني الكرواتي للصحة العامة، رانكو ستيفانوفيتش، على ضرورة دعم مفاهيم الحد من الأضرار التي تم إثبات فوائد نتائجها علميًا في الاتحاد الأوروبي.
وفي الجلسة التي انعقدت، تحت عنوان: “الحد من أضرار التبغ.. نهج كرواتيا بين الحاضر والمستقبل”، قال رئيس الجمعية، إنه من الضروري دعم مفاهيم الحد من الأضرار التي تم إثبات فوائد نتائجها علميًا بشكل واضح في دول الاتحاد الأوروبي، مؤكدًا أن الإقلاع عن التدخين هو الخيار الأفضل لأي مدخن، لكن تطبيق مفهوم الحد من الضرر في جميع قطاعات الرعاية الصحية يعد أمرًا ضروريًا، بما يتطلب دعم التشريعات الموجهة نحو تعزيز مفاهيم الحد من الضرر وانفتاح المجتمعات عليها.”
وأضاف “ستيفانوفيتش”، أن اللجنة البرلمانية المعنية بالصحة والسياسة الاجتماعية بكرواتيا عقدت جلسة حول مفهوم الحد من الضرر، وأوصت بدعم تطبيقه بشأن جميع أنواع الإدمان والسلوكيات المصحوبة بالمخاطر مؤسسيًا وتشريعيًا بهدف تحسين الصحة العامة في كرواتيا، فضلاً عن إدراجها كموقف رسمي للبلاد في المحافل الأوروبية والدولية.
وقد تطرقت هذه الجلسة، إلى العوائق التي تحول دون الإقلاع عن تدخين السجائر التقليدية، وذلك من خلال استعراض نتائج دراسة استقصائية تم إجراؤها بين المدخنين البالغين ومستخدمي منتجات المنتجات البديلة في ألمانيا عام 2022، والتي خلصت إلى أن أن أكثر من نصف المدخنين الذين شملهم الاستطلاع، أكدوا أنه لا يوجد لديهم دافع للإقلاع عن التدخين التقليدي، وأن 29% منهم يريدون الإقلاع عن التدخين دون أن يكون لديهم خطط محددة، مقابل 5٪ فقط من عينة الاستطلاع، هم من يستهدفون الإقلاع عن التدخين خلال شهر.
وبالتدقيق في هذه النتائج، فإن المتمعن فيها يجد أنها لا تختلف كثيرًا عن الاستطلاع الذي أجري في عام 2021، والذي أفاد بأن 54% ممن شملهم ذلك الاستطلاع، لا يوجد لديهم دافع للإقلاع عن التدخين التقليدي، كما لم تتغير نسبة المدخنين الذين لديهم دوافع للإقلاع.
ويعد العمر وفقاً لهذا الاستطلاع من الخصائص المهمة المرتبطة بدافع الإقلاع عن التدخين، فالمدخنون الأكبر سنًا أفادوا بعدم وجود دافع للإقلاع عن التدخين وذلك بنسبة 65% بين الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا فأكثر، في حين كان المدخنون أصحاب الدخل المنخفض أكثر إفادة بعدم وجود دافع للإقلاع عن التدخين وعدم وجود محاولات لذلك.
وكان العائق الأكثر تكرارًا في سبيل الإقلاع عن السجائر التقليدية هو الاستمتاع بالتدخين، بناء على نتائج الاستطلاع، وذلك بنسبة 50% بين جميع المدخنين الذين شملهم الاستطلاع، مقابل 18% فقط من المدخنين، ممن شملهم الاستطلاع، هم من حددوا بشكل صحيح عملية حرق التبغ في التدخين التقليدي باعتبارها السبب الرئيسي للضرر الناجم عن التدخين، مع وجود 39% فقط ممن تحولوا إلى البدائل الخالية من الدخان.
ولدى عرض نتائج موسعة للاستطلاع، فقد تبين بأن ما نسبته 27% فقط من المدخنين يرون أن المخاطر الصحية للبدائل الخالية من الدخان أقل من مخاطر السجائر، وفي المقابل، رأى 63% أن المخاطر الصحية لتلك البدائل توازي أو تفوق نظيرتها التي تسببها السجائر التقليدية، حيث يرى البعض أن النيكوتين هو المادة المسؤولة عن الأمراض المرتبطة بالتدخين، رغم أن عملية حرقه هي السبب الرئيسي لأمراض التدخين وليس النيكوتين نفسه، مفيما يعد الإقلاع عن النيكوتين والتبغ هو الخيار الأفضل للمدخنين.
وفي جلسة أخرى انعقدت تحت عنوان: “معلومات خاطئة حول الحد من أضرار التبغ”، أكد المدير العام لشركة “Tamarind Intelligence” المتخصصة في توفير البيانات للشركات العاملة في عدد من القطاعات الاستهلاكية بما في ذلك قطاع بدائل التبغ، تيم فيليبس، فأوضح بأن اللوائح والقوانين المنظمة لاستخدام منتجات التبغ البديلة المبتكرة، لا تزال ترزح تحت العديد من القيود التي تحد من فعالياتها.
وتابع: “وإذا كانت الحكومات تحظر المنتجات البديلة وتنشر رسائل ترهيبية حول تأثيراتها الصحية، فهذا أمر سلبي للغاية، لذلك فإن نشر المزيد من الحقائق القائمة على الأدلة العلمية في هذا القطاع سيمكن الناس من اتخاذ قرارهم الصحيح، كما أنه عندما يكون لدى الناس المزيد من الفهم والمعلومات والقبول لهذه المنتجات، فإن ذلك سيؤدي بالحكومات إلى وضع اللوائح والقوانين المنظمة لذلك”.
وفي الجلسة ذاتها، أشار رئيس قسم الطب النفسي بجامعة ليمبوبو “MEDUNSA CAMPUW” في بريتوريا بجنوب إفريقيا، البروفيسور سولومون تشيمونج راتايمان، إلى أهمية وضع التشريعات المنظمة لاستخدام منتجات التبغ المبتكرة مع توفير الإمكانيات اللازمة لتنفيذها، وتوضيح الإجراءات التي يجب اتخاذها حال مخالفتها، مضيفًا أن معظم الناس لا يدركون عدد المواد المسرطنة الموجودة في السجائر القابلة للاحتراق، بما يتطلب زيادة جهود الوعي والتثقيف في ذلك الإطار، مع حماية الأطفال وغيرهم من التدخين السلبي، بجانب وضع المزيد من الأبحاث في الجامعات والمنظمات غير الحكومية، لتوفير معلومات حول المنتجات البديلة للتدخين التقليدي.
الأستاذ المشارك في قسم أمراض القلب والعلوم الطبية الجراحية والتكنولوجيات الحيوية بجامعة “سابينزا” في إيطاليا، جوزيبي بيوندي زوكاي، أكد أن المنتجات البديلة تزيد من معدلات الإقلاع عن التدخين، لافتًا إلى الحاجة إلى المزيد من الدراسات عالية الجودة لتأكيد حجم الفعالية، بالإضافة إلى المتابعة طويلة المدى لتلك التجارب مع وضع دراسات مقارنة مفصلة بين الأنواع المختلفة لمنتجات التبغ المبتكرة، بما يسهم في تحقيق الانتقال الأمثل من عملية حرق التبغ إلى منتجات التبغ المسخنة، وصولاً إلى الامتناع النهائي عن التدخين.
وقال رئيس قسم الطب النفسي بجامعة سيفاكو ماكجاثو للعلوم الصحية بجنوب إفريقيا، الدكتور سولومون راتايمان، إنه من الضروري العمل على زيادة وعي المستهلكين بمخاطر التدخين التقليدي وتأثير البدائل الجديدة منخفضة المخاطر مقارنة بالسجائر، لافتًا إلى تطور التشريعات ذات الصلة في جنوب إفريقيا منذ عام 1993.
وفي السياق نفسه، قدمت مديرة مركز التميز البحثي الخاص بالتدخين في نيوزلاندا، الدكتورة ماريوا جلوفر، عرضًا حول التغييرات التشريعية والتنظيمية الأخيرة في البلاد في ما يتعلق بالتدخين ومنتجات التبغ المبتكرة، كما قدمت بيانات بحثية أولية حول العوائق والمفاهيم الخاطئة التي تمنع بعض المدخنين من الإقلاع عن التدخين، مطالبة بزيادة جهود التثقيف الصحي والوعي بمخاطر التدخين التقليدي والأمراض المرتبطة به.
هذا وتم تسليط الضوء خلال القمة على الحال في ألمانيا؛ حيث لا يزال أكثر من نصف المدخنين فيها لا يمتلكون الدافع أو الرغبة للإقلاع عن التدخين التقليدي في آخر استطلاعات الرأي، وهو ما يجعل من المنتجات البديلة مدخلاً لتحفيزهم على التحول لبدائل قد تكون أقل ضرراً.