جاءها المخاض في جباليا… فأشرف طبيب من نابلس على ولادتها عبر الهاتف
الثانية والنصف بعد منتصف الليل، يرن الهاتف، تجيب الصحفية “ابتهال جمال منصور”، فهي معتادة على تلقي اتصالات تتعلق بمعلومات عن اقتحامات أو اعتقالات تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي في كل ليلة في مدينتها نابلس شمال الضفة الغربية.
تقول لـ “قدس برس” إن المتصل كان الصحفي عيسى جنيد من مدينة جباليا في غزة “كما ظهر على شاشة الهاتف المحمول، وهذا ما أثار خوفي… ماذا يريد؟ وماذا في جعبته!! خفت أن يكون قد تعرض منزله للقصف وهو تحت الأنقاض، ويريد أن ينجده أحد، فاتصل على أول رقم مسجل عنده، وقد يكون اسمي (ابتهال)”.
تصف تلك الثواني التي مرت عليها وكأنها سنين طويلة “دون تفكير فتحت الخط، فكان صوته متوترا جدا، ويصيح بأعلى صوته “الحمد لله إنك رديتي… عندي في بيتي سيدة نازحة على وشك الولادة، ونريد أن نتصل على أي طبيب نسائية”.
تضيف “أنهيت الاتصال معه، رغم خوفي من صعوبة أن يتمكن من إعادة الاتصال مجددا، واتصلت على شقيقي لأطلب منه رقم الطبيب الذي أشرف على ميلاد زوجته وهو د. سليمان أبو عيدة، فعدت لعيسى وبصعوبة بالغة، وبعد عدة محاولات شبك الخط، فكان اتصالا ثلاثيا، يسألون الطبيب ويجيب ويعطيهم توجيهات، وكان حريصا على إبقائهم هادئين، حتى تمت عملية الولادة وإخراج الجنين وقطع حبل السري، حينها كان الفجر قد لاح”.
وضعت السيدة مولودة أنثى أسمتها آمال، علّ ميلادها يحمل آمالا بالفرج والحرية وتوقف العدوان، خاصة أنها المولودة الأولى لوالديها وأول حفيدة للعائلة الكبيرة.
تقول منصور “أنا أم ولدي 3 أطفال، وخضت هذه التجربة، وأعلم صعوبتها في الظروف الطبيعية، فكيف الحال بنساء غزة؟!”.
لاحقا، عاودت ابتهال الاتصال بالصحفي جنيد، الذي أوضح لها أنه في تلك الساعة كان بيته يؤوي 140 نازحا، وقد أدركت هذا من الأصوات والضجة العالية حوله”.
وتتابع “عناية الله كانت محيطة بهم، فعندما حاول الاتصال بنا كانت الاتصالات منقطعة تماما عن غزة منذ أربعة أيام، وحينها كانت هذه أطول مدة تنعزل بها غزة تماما عن العالم الخارجي، ومع هذا فعندما رفع جنيد الهاتف أمسك الخط وقال لي: إنه حاول التواصل مع جارة لهم تعمل قابلة تقطن على مسافة أقل من 100 متر من بيتهم، لكن استحال خروجها؛ لأن الدبابات تحيط بالمكان كالأسوار في المعصم… لو أطل شخص برأسه سيقتل فورا”.
تقول ابتهال إنها “عندما عاودت الاتصال بعائلة الطفلة آمال بعد يومين، لم تسمع في حياتها فرحة كتلك التي عاشتها الأسرة… بكيت على بكائهم، على فرحتهم… فهمت منهم أنه لم يكن يتوفر أي مستلزمات للمولودة الجديدة، حتى ملابس، فاقتطعوا لها من الأغطية… لا يوجد ماء للشرب فكيف بالماء لتحميم المولودة!”.
ونقلت عن جد الحفيدة قوله “إنه يقوم هو وأبناؤه وأحفاده برحلة قد تكلف أحدهم حياته مقابل الحصول على حبة دواء لضغط الدم الذي يعانيه”، وأضاف “لو أن زوجة ابني ذهبت للمستشفى لانقطع الاتصال معها، ولم نر الأم ولا المولودة، وهذا ما جعلني أسأل نفسي من أين جاءت لهم فكرة الحديث مع طبيب يبعد عنهم مئات الكيلومترات”.
تقول منصور “إذا كانت الأم والمولودة قد حظيا بهذه الفرصة بأن وجدوا من يساعدهم، فهناك عشرات بل مئات الحالات لنسوة ولدن في ظروف أقسى وأصعب، ولم يصل لهن الإعلام ليروي قصصهن”.
وقدّر صندوق الأمم المتحدة للسكان في تقرير له نهاية العام الماضي، عدد النساء الحوامل في قطاع غزة بخمسين ألف سيدة، وتوقع أن تضع 5500 امرأة خلال الشهر كانون ثاني/يناير الجاري.
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عدوانه على قطاع غزة، بمساندة أميركية وأوروبية، حيث تقصف طائراته محيط المستشفيات والبنايات والأبراج ومنازل المدنيين الفلسطينيين وتدمرها فوق رؤوس ساكنيها، ويمنع دخول الماء والغذاء والدواء والوقود.
وأدى العدوان المستمر للاحتلال على غزة، إلى ارتقاء 25 ألفا و105 شهداء، وإصابة 62 ألفا و681 شخصا، إلى جانب نزوح أكثر من 85 بالمئة (نحو 1.9 مليون شخص) من سكان القطاع، بحسب سلطات القطاع وهيئات ومنظمات أممية.
انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على WhatsApp (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على Telegram (فتح في نافذة جديدة)النقر لإرسال رابط عبر البريد الإلكتروني إلى صديق (فتح في نافذة جديدة)اضغط للطباعة (فتح في نافذة جديدة)
قدس برس