لطفي بوشناق: أيقونة الفن المُلتزم وصوتٌ للحرية والعدالة
أجرت الحوار: بشرى بوجمعة
الفنان التونسي الكبير لطفي بوشناق:
أنا اسعى دائما أن أكون صوتا لكل الشعوب
أنا أعيش لأغني ولا أغني لأعيش
الإعلام سلاح ذو حدين كلما صلح استخدامه صلح حال الأمة
لوشعرت يوما أني اصبحت غير قادرعلى العطاء
إن الفن قضية ورسالة ومن أهم الأسلحة بيد العرب لإثبات الهوية ودعم الإقتصاد
لو لم أكن فنانا لاخترت أن أكون قائدا عسكريا لأني أحب الانضباط والالتزام في كل مواقفي
أريد أن أكون دائما شاهدا على العصر ومَن لا يملك مشروعا فنيا لن ينحت إسمه في عبق التاريخ
لم أتلقى أي دعم من أي جهة وكل أعمالي على نفقتي
قيل عنه أن صوته ذاكرة للتاريخ، وفنه مرآة لما عاشه ويعيشه العرب من مآسيَ وخيبات وثورات..يعرّف نفسه بالمواطن، وكل الأراضي العربية أوطانه .. إنه الفنان الذي يعرفه كل العرب من المحيط إلى الخليج، كما أنه يرفض المناصب حتى انه رفض ذات مرة منصب وزير ثقافة .. فهو فنان بأتم معنى الكلمة إذ تراه يردّدُ أغانيه الخاصة الجديدة منها والقديمة التي يحفظها الجمهور، فيردّدها معه، وهي كلّها أغانٍ تونسية بلهجة عامية وفصحى لعدة شعراء مثل آدم فتحي ، صلاح الدين بوزيان، علي اللواتي ، علي الورتاني، لطفي عبد الواحد، رضا شعير، حسن شلبي، صلاح جاهين ماجد يوسف نذكر منها على سبيل المثال “هاذي غناية ليكم”، و”سينما”، وإنت شمسي إنت “، و”ريتك ما نعرف وين”، و”يا للا وينك”، وغيرها…
وإنه كلما غنى بإمتاع .. مع سحر الإيقاع .. تسلطن وأطرب وشنّف الاسماع ، وكلما نطق .. قال كلمة حق. وهاهو منذ ايام أعلن عن قراره بالتخلي عن لقب “سفير النوايا الحسنة” احتجاجا على ما يحصل من مجازر في غزة
وهو أيضًا فنان مثقف ومطّلع ومتابع جيّد لمستجدات الحياة السياسية والثقافية في تونس والبلاد العربية وعُرف عنه عشقه للشعرالعربي القديم والحديث، ويحفظ الكثيرمنه
ذلك هو الفنان التونسي الكبيرلطفي بوشناق الذي رحب مشكورا بأسئلتنا في الحوار التالي :
س: مالا يعرفه الجمهورالعربي عن الفنان لطفي بوشناق؟
ج : أنا لست ممن يجيد مدح نفسه لكنني من الفنانين الذين يواكبون الأحداث باستمرار وأطمح دائما لأن أضيف ولو ذرة واحدة لهرم تاريخ الموسيقى العربية لكن الجمهورالعربي يجهل عديد الحقائق عن أعمال لطفي بوشناق لغاية يومنا هذا ، فقد سبق وأن أديت النوع الكلاسيكي، (السمفونيات) وهذه التجربة لم يخضها أي أحد في العالم، كذلك موسيقى الجاز ، كما أنني أنجزت قرابة الثلاثين ابتهال للأطفال إلى جانب ثلاثين آذان بمختلف الدرجات
س: يقال لو بقي بوشناق يغني حتى الصباح فإنّه لن يغني إلاّ من إنتاجه الخاص، ذلك أنّه يكاد يكون الفنان الوحيد في تونس الذي ينتج أغانيه ألا تحب ان تغني أغاني غيرك ؟
ج: سبق وأن غنيت في فترة معينة لأبرز عمالقة الفن من المحيط إلى الخليج لكنني أحرص دائما لغناء كل ماهو من إنتاجي وينتمي لي كفنان بنى مسيرته بنفسه دون أي دعم من أي جهة وإلى غاية هذا اليوم كلي أيادِ مفتوحة لكل شاعر وملحن مبدع يستطيع أن يضيف لي شيئا جديدا شرط أن يكون العمل خارج عن نطاق المجاملات لأنني من الفنانين الذين يبحثون عن كل ماهو مميز و إبداعي
س: لماذا تنتج أعمالك على نفقتك دون الإعتماد على شركات الإنتاج أو دعم وزارة الثقافة التونسية ؟
ج: كنت دائما مستقلا باختياراتي دون أي ضوابط تفرضها عليّ شركات الإنتاج و لم أتلقى أي دعم من أي جهة وكل أعمالي من إنتاجي سعيت فيها للتطرق للعديد من المواضيع التي لم يتم طرحها من قبل وأنا سعيد بكل ماوصلت إليه من تميز ونجاح
س: معظم أغانيك تحمل في طياتها رسائل فإلى من توجهها؟
ج: الغناء ليس مخصصا فقط لمواضيع الحب، رغم أن الله محبة وقد أمرنا بالحب، لكن تعوّدنا أن نستمع لكبار الأساتذة في العالم يغنون في مواضيع مختلفة تمس الواقع الذي نعيشه.. وأنا منهم أسعى دائما أن أكون صوتا لكل الشعوب فعندما أصادف أي قضية إنسانية أريد أن أكون سباقا في طرحها بأعمالي
س: لديك خلفية معرفية في إنتاجك الفنّي فهل تعمل على تأسيس مشروع فنّي تنويري؟
أنا أملك خلفية معرفية في إنتاجي الفني واريد أن أكون دائما شاهدا على العصر ومن لا يملك مشروعا فنيا لن ينحت إسمه في عبق التاريخ، مشروعي الذي تم تدوينه مع نخبة من الشعراء المتميزين مثل الشاعر الكبير آدم فتحي، علي اللواتي صلاح الدين بوزيان، لطفي عبد الواحد، رضا شعير، حسن شلبي، علي الورتاني ومن مصر تعاملت مع الشاعرين الكبيرين صلاح جاهين وماجد يوسف وهي كلها أعمال أفتخر بها وأستحضر مقطعا منها أقول فيه :
يا مقربين الفجر نوره ومطلعه
مدوا المسامع في المجامع واسمعوا، صرخة مغني الحي من جوف العدم اتجمعوا اتجمعوا اتجمعوا باسم الإله الشعب رب المضربين الصايم المحروم على مر السنين يا منشدين الحي حيوا حينا واحنا هنا عالعهد دايما مخلصين
س: هل الفن بالنسبة إليك وسيلة عيش كما يفعل أغلب الفنانين ام هو سلاح وقضية ؟
ج: سأختصر الإجابة في جملة واحدة: أنا أعيش لأغني ولا أغني لأعيش، إن الفن قضية ورسالة ومن أهم الأسلحة بيد العرب لإثبات الهوية ودعم الإقتصاد على سبيل المثال أمريكا من الدول العظمى التي تعتمد في مداخيلها و اقتصادها بالدرجة الأولى قبل السلاح والتكنولوجيا على الفن لذا يجب أن نشتغل على الجانب الثقافي والفني لتدعيم الإقتصاد
س: لماذا معظم أغانيك من أشعار آدم فتحي ألا يوجد غيره يفهم مجاز بوشناق؟
ج: كما سبق وأن ذكرت منذ البداية أن تجربتي في الغناء كانت مع الشاعر الكبير صلاح الدين بوزيان بعدها تعرفت على الشاعر آدم فتحي وثمانون بالمية من أعمالي كانت معه وكان هذا بمثابة مشروع أفتخر به لما يتميز به هذا الشاعر من قيمة وإحساس راقِ ولا أنكر ماقدمه لي بقية الشعراء وما أضافوه لي في مسيرتي الفنية لأنهم فعلا مبدعون وكلي فخر بالتعامل معهم.
س: هل صحيح ان الموال حكر على الصوت الرجالي فمن هي
المطربة الحقيقية التي من وجهة نظرك قادرة على السلطنة بالموال؟
ج: الموال بشكل عام لا يقتصر فقط على الصوت الرجالي لو نرجع للتاريخ الماضي فسنجد أن هناك عدة مواويل بأصوات نسائية مثل كوكب الشرق أم كلثومإبتدأت بالموال في اسطوانات ذات سرعة ( 78 دورة) ، الفنانة صباح، نجاح سلام، سعاد محمد ، كما توجد في عصرنا الحالي فنانات يجدن تأدية الموال وقد اعتبر الموال المقياس الحقيقي لمعرفة قوة صوت الفنان ومدى تمكنه من الأداء فالموال ليس من السهل تأديته
س: إلى متى يتّكل الفنان في تونس على دعم وزارة الإشراف ؟
ج : شخصيا لم أعتمد قطعيا على أي دعم من أي جهة وذلك كما سبق أن ذكرت هذا الكلام في العديد من الحوارات الصحفية وفي وسائل الإعلام، لكن هذا لا يمنع أن هناك بعض المطربات المطربات و هم في بداية الطريق يحتاجون الى دعم من وزارة الثقافة في تونس إذا كانت ظروفهم تجبرهم لطلب الدعم، وقد خُصصت لجان لتقييم الأعمال المطروحة إن كانت تستحق الدعم أم لا، لكن عني شخصيا لم يسبق وأن طلبت أي دعم .. كنت أعتمد على الله أولا وعلى نفسي ثانيا
س: ماهو العنوان الذي تستحق الساحة الفنية العربية ان تعنون به تعليق في صحيفة هل هو لخبطة وتخلويض ام تردد زمان يافن ؟
ج: سأجيب على هذا السؤال بأغنيتي للشاعر ماجد يوسف (عايزين فنان عصامي في ليل طافح و طامي في الفجر يدق باب يعزف دوسة صحيحة وقفلة حلوة وصريحة، في قرار أو في جواب ويقول بلادي تاني بأسلوبه وفي أغاني أو صوله على الرباب وتعيش فنان لشعبك من قلبه يدق كعبك ويقول اللحن طاب، فنان صادق حقيقي أعرف بك فين طريقي حتى في وسط الضباب الفن يهد قلعة و يمكن يبقى سلعة بخلي العالم سراب ومافيش بقى إلا وعيك يا إما تحط نعيك يا تختار الصواب
س: هل وضعية الأغنية العربية المتردية سببها انتشار التكنولوجيا وعالم الإنترنت ام هو دور الإعلام ؟
ج: أرى انها مسؤولية الفنان بالدرجة الأولى، فمن خلال مواقفه واختياراته يجب أن يكون صاحب رأي وأن يعبر بصدق لأن كل مايصدر من القلب يصل إلى القلب وأن يعمل جاهدا ليكون امتدادا للماضي ويتعايش مع الحاضر ورؤيته للمستقبل ، و للإعلام دور مهم وخطير خاصة لو تم ترويج فن مبتذل وهابط دون هدف سام لتوصيل رسالة تربوية أو وطنية هنا تحل الكارثة عندما يتأثر أبناؤنا بأشياء متنافية مع المبادئ والإنسانية نستطيع أن نقول أن الإعلام سلاح ذو حدين كلما صلح استخدامه صلح حال الأمة
س: متى يتحول التكريم الى تقزيم من وجهة نظرك ؟
ج: أنا لست ضد التكريم إذا كان في محله ولمن يستحقه لا أن يكون مجرد بروتوكول
س: متى يقرر بوشناق اعتزال الفن وبالأحرى هل على الفنان ان يتقاعد ويحيل نفسه على المعاش؟
ج: على الفنان أن يتمتع بشخصية جذابة محافظا على مبادئه وكيانه. فعندما يصل الى مرحلة يشعرفيها أنه عاجز عن العطاء فنيا مع قدرات صوتية عهدها به جمهوره فلينسحب دون خجل و بكل فخر وثقة كي لا يسيء إلى إسمه وكما قال المثل الشعبي التونسي ( أن يكرم لحيته بيديه) ويقصد بهذا المثل هو الحفاظ على هيبته ومكانته وأنا شخصيا متى شعرت أني غير قادر على الاستمرار والعطاء بنفس المستوى الذي عُرفت به في الساحة الفنية العربية من قوة صوت وحضور، فالأفضل أن أنسحب بذكاء، محافظا على تاريخي الفني والصورة التي كلفتني الكثير لأرسمها في ذاكرة جمهوري الذيز أفتخر به
س: لو لم تكن فنانا ماذا كنت تتمنى ان تكون ؟
ج: لو لم أكن فنانا لاخترت أن أكون قائدا عسكريا لأني أحب الانضباط الذي هو سر من أسرار نجاحي فأنا رجل أقدس احترام نفسي وكلمتي بما فيها مواعيدي مع الأشخاص واحترامي لعملي كذلك أنا قيادي وأحب الالتزام في كل مواقفي