أمل خضر تكتب هذه الدنيا

عندما تواجه نفسك بحقيقتك تكن قادراً على مواجهة كل الدنيا؛ لأنك عندئذ تصل إلى المرحلة التي تتيقن فيها أن من يملك حياتك هو خالقها، فلا مكان للخوف أو القلق.

التأمل في كل الأشياء المحيطة بنا وما خلق الله بين السماء والأرض، يدعونا إلى مزيد من التأمل فيها، بل ويؤكد لنا يوماً بعد يوم أن حقيقة الأشياء ليست كما تبدو عليه، فشتان بين ظاهر وباطن، والدنيا من هذه الزاوية لا تخرج كثيراً عن هذا، وذلك ما نلحظه مبثوثا سواء في الآياتِ القرآنيةِ أو السنة النبوية.

فالإسلام بمصدريه التشريعيين يدعو إلى عدم الغرور بزخرف الدنيا وزينتها، وعدم التعلق بها.
كما يؤكد على ضرورة التجاوز لظاهر الحياة الدنيا؛ ليتسنى للمسلم الوقوف على حقيقتها، فيعطيها قدرها ولا يخطئ حجمها. فلا بد أن نعرف ما المقصود بالدنيا أولا، ثم لننتقل تدريجياً إلى ما وراء الدنيا؛ بمعنى أن نتناول هذه الكلمة بين وحي الشكل ونطق المضمون.

يفيد لفظ الدنيا في لسان العرب معنى الدنو والقرب، والدنيا ضد الآخرة لدنوها، ولذلك أضيفت إلى السماء لقربها من ساكني الأرض، فالسماء الدنيا هي الأقرب إلى سطح الأرض مقارنة بباقي السماوات السبع. ومن الملاحظ أيضا كثرة استعمال هذا اللفظ مقترنا بلفظ الحياة، وخاصة في القرآن الكريم، مما يفتحأعيننا على معنى آخر يقدم الدنيا على أنها ذلك المكان أو الظرف الذي يحوي حياة جميع الكائنات الحية، وبما فيها الإنسان الذي كرمه الله أيما تكريم.

هكذا يكون الإنسان خليفة الله في الأرض الذي سخر له كل مقومات الاستمرار في الحياة: من جماد هذه الدنيا وحيوانها. وفي المقابل أوكل الله تعالى إليه مهمة عمارة الأرض وإصلاحها، لذلك لا يمكن أن نعد وجود الإنسان في هذه الحياة الدنيا خاليا من كل هدف وحكمة، أي من قبيل العبث، وإنما هو وجود تملؤه الحكمة من عدة أوجه لعل أهمها: أن نعلم أن هذه الدنيا التي نعايشها هي بمثابة اختبار للإنسان في مدى التزامه بما أنزل من الوحي، والعمل به في الأرض.

من هنا يمكننا الانطلاق في كشف الغطاء الذي تتخفى وراءه الدنيا لتخدع الكثير من الناس، فأول ما يغتر به الخلق ويبعدهم عن جادة الصواب هي الزينة التي تخلب العقول وتطمس الحقائق. وظنهم أنهم مخلدون.

وأعتقد أن المشكلة التي تطرح نفسها اليوم ليست مدى تعلق الناس بالدنيا وزينتها فحسب، وإنما هي الكيفية أو الصورة التي صرنا نرى بها الدنيا، وكأنه وقع الطبع والتنميط لوعينا بأن لا نثق إلا بالمحسوس، وأن لا نصدق إلا بالملموس، لذلك فالأزمة فكرية بامتياز، ولعلها تلك هي آثار المادية التي تكتوي بنارها البشرية.

فالقرأن يصور لنا الحياة الدنيا صورة أخرى مختلفة تماماً عما هو سائد في المجتمع، فيعلمنا حقيقتها، ويعرفها لنا من خلال قوله تعالى:( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ).

فمآل هذه الدنيا إلى زوال، هذه الحقيقة التي يجب على الإنسان معاملة الدنيا وفقها، فلا يشدك ظاهرها ولا يخدعنك، وكن في الدنيا غريباً أو عابر سبيل” هذه وصية النبي عليه الصلاة والسلام، لترى الدنيا عبارة عن ممر وليست با لمقام والمستقر.

إن هذه الحياة الدنيا قصيرة، وسرعان ما تنقضي أيامنا فنذهب ونتركها، بمعنى لا داعي لكل هذا التعلق والرغبة في التملك، وإقامة الحروب للقهر والتسلط، وصراع البقاء والخلود.

إن هذه الدنيا هي من خلق الله الذي أتقن كل شيء خلقه ولا ريب، غير أن الإنسان باعتباره محور هذا الوجود، وحده من يبدل نعم الله إلى نقم؛ بصرف اهتمامه عن المنعم.

ولعل ذلك من أهم سمات العدل الإلهي، فهناك مقولة للفيلسوف الفرنسي أن هذا العالم في الحقيقة مجرد ولا معنى له، وأن الإنسان هو الذي يضفي عليه المعنى، وهو ما يحقق فاعلية الإنسان؛ ليكون حراً فيما يعطيه من المعنى ذو مسؤولية في اختياراته.

وفي نهاية المطاف ها نحن أمام حقيقة تجرد الدنيا من زينتها، وتخبرنا الدنيا أنها ما تزينت إلا لامتحاننا وحجبنا عن مشاهدة حقيقتها الوهمية -إن صح التعبير- التي لا ينبري الناس عن اللهاث خلفها، والبذل فيها.

ولا بد أن يتذكر كل ظالم متجبر أن هذه الدنيا لا خلود فيها، ومن أراد أن يقف على سرعة انقضائها، فليتأمل هذا المثال الذي يضربه الله لنا لنفهم ونتفكر أكثر حيث يقول تعالى:

(إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

ولكن هكذا هي الدنيا تعظم في عين الصغير، وتصغر في عين العظيم.
لذلك فإن رسالتي أني أحمد الله أني قادرة على النظر في مرآتي، وتحمل كافة أخطائي والاعتراف بها …. ولكن أنت فغير قادر على مواجهة نفسك أو النظر إلى حقيقتك حتى في الخفاء ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ انظر إلى نفسك وداخلك وحاسب ذاتك قبل أن تحاسبني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى