سارة طالب السهيل تكتب الصعوبات التي يجدها الناس في المحاكم العربية
يواجه المواطنون في معظم بلداننا العربية معاناة شديدة الصعوبة للحصول على حقوقهم المسلوبة عن طريق المحاكم، وبعض القضايا قد تستغرق عشرين عاماً ربما يكون خلالها الخصم قد توفي، وبعض القضايا العاجلة كنفقة المطلقة والأولاد الى سنوات حتى تصدر المحكمة قرارها بقيمة النفقة للأولاد في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار السلع والخدمات عاماً بعد آخر، يكون معه إما قدر من قيمة نفقة الأولاد أقلّ بكثير مما يفي باحتياجاتهم او حتى ممكن ان يكون الطفل أصبح شاباً…
وقد يخسر التجار في المنازعات التجارية الملايين نتيجة تأخّر صدور أحكام حصولهم على حقوقهم.
وأحياناً مشاكل الإرث والتقسيم والنزاعات الملكية تصل مدتها لسنوات طويلة يحدث الله خلالها أموراً كثيرة وتطرأ تفاصيل حياتية ترهق الأسر والعائلات.
كلّ ذلك وغيره من أشكال معاناة المواطنين في ساحة القضاء نتيجة عوامل عديدة من أهمّها بطء إجراءات التقاضي، وهي مشكلة عالمية، لكنها أكثر استفحالاً في دولنا العربية بصفة خاصة، وتكمن خطورتها ليس فقط في تأخر حصول صاحب الحق على حقه المسلوب بالعدالة الناجزة، بل تمتد الى لجوء المدّعي بالخصومة إلى العنف والقوة للحصول على حقوقه بعد ضياع سنوات من عمره في المطالبة بها قانونياً وقضائياً، فيصبح صاحب الحق في لحظة متهماً بقضية مما يهدر الأمن والسلم الاجتماعي .
وكثير من القضايا تستغرق سنوات في المحاكم وجلسات قضائية وإجراءات وإشكالات ودفوع ونقض وتقف في منتصف الطريق حتى بعد صدور الحكم بأحقية المدّعي في الحصول على حقوقه لعدم القدرة على تنفيذ الأحكام ونتيجة التلاعب بمحلّ الإقامة للمدّعى عليه او سفره خارج الوطن وغيرها من أشكال التلاعب… وهنا يجب ربط المحاكم بالدوائر الحكومية الاخرى التي تتابع المواطنين مثل أجهزة الأمن العام.
وبذلك صار مطلب العدالة في بلادنا العربية صعب المنال بالمخالفة للنصوص القضائية والدستورية العربية التي تكفل للمواطنين حقهم في اللجوء الى قاضيهم الطبيعي لردّ العدوان الواقع على حقوقهم وممتلكاتهم وأموالهم بأسرع وقت وبأقلّ تكلفة، وبخطوات إجرائية ميسّرة .
ولكن الواقع المؤسف يؤكد ضياع حقوق الكثير من المتقاضين في بلادنا العربية بسبب بطء إجراءات التقاضي، وتواصل تأجيل القضايا لجلسات عديدة ولأسباب قد تكون واهية مما يدفع بعض أصحاب الحقوق المغتصبة إلى العنف لاسترداد حقوقهم ويلجأون الى طرق غير مشروعة أحياناً بعد مرور سنين في طريق المحاكم.
ومن المؤسف أيضاً انّ بعض أصحاب الحقوق قد لا يملكون الأموال اللازمة للمحامين للدفاع عن حقوقهم خاصة أمام استمرار القضايا لسنوات طويلة .
أطراف العملية القضائية من مدّعين بالحقوق ومحامين وقضاة… كلّ طرف منهم يلقي باللائمة على الآخر في تأخر صدور الأحكام القضائية الناجزة، فنجد القاضي يرجع التأخير إلى المشرع القانوني، والمحامي يلقي باللائمة على القاضي والمشرع يلقي باللوم على المنفذ، وأصحاب الحقوق يتهمون الجميع بالمسؤولية عن ضياع حقوقهم .
فإذا لجأ المواطن إلى الشرطة قالت له أمامك القضاء، واذا لجأ للقضاء ضاع عمره بين ساحات المحاكم وضاع وقته وماله دون ان يحصد شيئاً من حقوقه .
ولعلّ من أبرز الأمثلة الحقيقة التي تكمن وراء إطالة أمد التقاضي في البلدان العربية تتمثل في عدم القدرة على معرفة عناوين المدّعى عليهم ما ينتج عنه التأجيل المستمر الذي قد يمتدّ إلى فترات زمنية طويلة دون اتخاذ ايّ إجراء فعلي بالدعاوى المنظورة لدى المحاكم على اختلاف درجاتها، وأنّ الحلّ الأمثل يبدو في إجراء تعديل على القوانين بحيث يتضمّن حوسبة عناوين المواطنين من خلال البلديات وربطها بدوائر الأحوال المدنية والمحاكم بالإضافة إلى إخضاع كافة عقود الإيجار للتسجيل الالكتروني وربطها مع المحاكم وبهذه الحالة يتمّ التبليغ وفقاً للعناوين المحوسبة الكترونياً.
كما انّ هناك ضرورة الحدّ من الكمّ الذي يتسبّب بإرباك العمل القضائي حيث إنّ القاضي ينظر إلى العديد من القضايا في اليوم الواحد وغالباً ما تكون دعاوى مدنية وجزائية علماً بأنه يجب التركيز على النوع بحيث ينظر القاضي في دعاوى محددة ومن نوع واحد وهو ما يُعرف بالاختصاص بحيث يكون هناك قاض للأمور التجارية وقاض لقضايا التأمين وقاض لقضايا الأراضي على سبيل المثال وليس الحصر…
هنا لا بدّ من الإشارة إلى ضرورة إنشاء محاكم تتسع من حيث المساحة حيث انّ معظم الدول العربية لا تزال تعتمد الأبنية المستأجرة والتي أنشئت أصلاً لغايات سكنية ولا تفي بالغرض.
وقد نلتمس بعض الأعذار للقضاة وهم ينظرون مئات القضايا في اليوم الواحد في ظلّ تكدّس أروقة المحاكم بالقضايا الحديثة والقديمة معاً، ولكن ذلك لا يبرّر بطء الفصل في القضايا، والتي يرجعها القانونيون إلى كثرة مراحل الإعلان القضائي، ومراحل إصدار الأحكام، وسوء استخدام الخصم حقه للإضرار بخصمه في ردّها للقاضي وتأجيل الدعوى لأكثر من مرة بهدف عرقلة سير الخصومة لأكبر وقت ممكن .
بعض المحامين يرجعون معاناة المواطن العربي الى غابة التشريعات القانونية التي قد تتناقض في بعض موادها وأحكامها الى حدّ انّ تشريعاً ما يُبرّئ متهماً بينما نجد تشريعاً آخر يجرمه ويدينه .
ويواجه المواطن العربي صعوبات بالغة في تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحقه، نتيجة عوامل عديدة منها هروب الخصم من تنفيذ الحكم بطرق ملتوية لا نهاية لها يستثمر فيه محاميه الثغرات القانونية وإشكالات تحول دون تطبيق الحقوق وانفاذها لأصحابها .
لست مختصة بالقضاء والقوانين والتشريعات، ولكني أوجه دعوة للمسؤولين في بلادنا العربية من مشرعين وقضاة ومنفذين لأحكام القضاء لسرعة حلّ مشكلات التقاضي وايجاد حلول عملية وواقعية تكفل للمواطن العربي الحصول على كامل حقوقه المسلوبة بإجراءات قضائية سريعة تحقيقاً لسلامة المجتمع وعدم اضطرار افراده إلى العنف لأخذ حقوقهم من مغتصبيها .
فواضعو التشريعات لا بد أن يراجعوا الثغرات القانونية التي يلجأ اليها الخصوم لتعطيل صدور الأحكام، مع تقليل إجراءات التقاضي وإيجاد حلول للإشكالات القضائية ومشكلة تنفيذ الأحكام، فكل مشكلة ولها حلّ إذا توافرت الارادة العملية المخلصة لخدمة المواطن العربي.
أفضل من ان يسمع المظلوم جملة (قلع شوكك بإيديك) دون ان يقولها أحد، ويلتفت حوّله فلا يجد أحداً، وقد يلجأ قليلو الصبر إلى البلطجية لأخذ حقهم المستحق بالباطل…!
متابعات _ الاعلامي بسام العريان