قصة وعبرة للكاتبه تهاني العطيفي
في يوم من الأيام كانت هناك فتاة اسمها مي عمرها 15 عام، تعيش مع عائلتها وكان لديها صديقة مقربة اسمها نور تسكن في الشارع المجاور لها ، وكانوا كل يوم يذهبان إلى المدرسة ويعودان معاً يتحدثان عن ما حدث مع كل منهما على مدار اليوم وفي يوم من الأيام وهما يسيران كالعادة ذاهبين إلى المدرسة، وجدا إمرأة عجوز في السبعينات تجلس على جانب الطريق وحولها مجموعة كبيرة من القطط والكلاب والنمل ومعها طعام كثير لهم ، والغريب أن الحيوانات تأكل في صمت وكأنه لا يوجد غيرهم في المكان دون تذمر أو نباح أو حتى ضوضاء، والمرأة العجوز تبتسم وتجلس بهدوء تتابعهم فتعجبتا الفتاتان من المشهد وذهبا إلى المدرسة وعند عودتهم ساروا من نفس الطريق وشاهدوا نفس المشهد وكأن العجوز جلست طوال هذه المدة دون أن تمل أو تيأس فأكملا طريقهما إلى المنزل متعجبين مما شاهدوا ، وكل واحدة منهما تفكر في هذا المشهد الغريب ، وفي اليوم التالي وهما ذاهبين إلى المدرسة شاهدوا نفس المشهد ( المرأة العجوز تجلس تطعم الحيوانات ويلتفون حولها يأكلون في صمت وهي تبتسم لهم كالعادة) وتكرر المشهد كثيرا وأخذت الفتاتان تتابعان المشهد يوماً بعد يوم في هدوء وتعجب وفي يوم ما وكالعادة خلال عودة الفتاتان من المدرسة نظروا إلى المكان الذي تجلس فيه العجوز فلم يجدوها وإنما وجدوا الحيونات وكأنها تنتظرها في صمت حتى تأتي وتحضر لهم الطعام كما تعودت فتعجبت مي ونور من ذلك وانتظرا هما ايضا المرأة العجوز ولكن الوقت أصبح متأخرا ولم تأتي فذهبا إلى المنزل، وفي اليوم الثاني لم تأتي المرأة أيضا ولكن الغريب أن الحيوانات نقص عددهم فلم يروا القطط وإنما وجدوا فقط النمل والكلاب ينتظرون المرأة فلم تأتي كذلك واليوم الثالث وهما عائدين من المدرسة شاهدوا المرأة العجوز تجلس في نفس المكان المعتاد معها طعام قليل جدا على غير العادة تبتسم وهي تتأمل الحيوانات تأكل ولكن الغريب أنه لم يكن هناك غير الكلاب هي من تبقت تجلس أمام المرأة تأكل من الطعام في صمت ورضا وكأنه لا يهمها كثرة أو قلة الطعام …. فذهبت نور ومي إلى العجوز وهما متعجبين كثيرا فأخبروها أنهم يتابعونها ويشاهدون موقفها مع الحيوانات منذ وقت طويل وأنه في غيابها ظلت جميع الحيوانات تنتظرها ثم اختفت القطط ثم النمل ولم يتبقي غير الكلاب تنتظرها وها هي من تأكل من الطعام الذي أحضرته في رضا غير مكترثين من قلته .. وسألوها اين كانت وأين اختفت وما سر هذه الابتسامة على وجهها دائماً.
فقالت لهم : يا أبنائي سعادتي تكمن في إطعام الحيوانات فأنا أجد الرضا والسعادة في هذا الفعل البسيط ، وكل يوم كنت أحضر لهم الطعام مع أن منزلي على بعد مسافة طويلة وانظر لهم بسعادة وهم يأكلون وخلال اليومين الماضيين مرضت قليلا فلم استطع المجئ ولم يكن لدي ما يكفي من الطعام لأحضره لهم وعندما تعافيت من المرض أتيت اليوم ولكن لم يكن لدي ما يكفي من المال لأحضر لهم غير هذا القدر القليل من الطعام .
فسالت مي : ألم تحزني لأنك لم تجدي كامل الحيوانات في انتظارك كالعادة ؟ فلم يتبقى غير الكلاب هنا ؟ فأجابت العجوز: ما أحضرته وظني به أنه قليل كان كافياً وما وجدته في انتظاري كان خيراً وأبقى .
العبرة : كل منا يسعى دائما إلى وجود كثير من الناس حوله وعندما يزيد ما يقدمه لهم يتكاثر حوله الآخرون دون الاهتمام إذا كانوا مختلفين في الرأي أو الشكل أو المكانة فكل منهم يريد الاستفادة لمصلحته الخاصة ، وعندما يجدوا أن هذا الشخص أصبح يحتاجهم بجواره وأنه في ضائقة أو استفادوا منه ولم يعودوا بحاجته يبدأوا في الابتعاد شيئاً فشيئاً عنه ولا يتبقى بجواره إلا من لم يكن يطمح لاستغلاله فهو الذي يظل معه دائما وأبداً في الرخاء والضراء ، في الشدة قبل الرضا ، في المحن قبل الرفاهية ، وهذا ما يجب أن يتمسك به ويسعد بأن يكون بجواره دائما ويسعى ألا يخسره أبدا …… فهو حقا خيراً وأبقى ….. فتمسك بما كان معك ولم يكن عليك، وإرضى بما كتب الله لك تكن أغنى الناس…..