من قلب أردني …!

بقلم م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران

احتفل الأردنيون قبل فترة ليست بالبعيدة بمناسبة اليوبيل الفضي لاستلام جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين سلطاته الدستورية كملك للبلاد، احتفال بسيط أظهر بعضاً من أجمل ما يرمز لبلادنا خلال خمسة وعشرين عاماً مضت، بلادنا التي مرت خلال هذه السنوات بظروف ربما كانت كفيلةً بزعزعة استقرار أي بلد آخر، وآخرها ما يمر به الأهل وأشقاء القلب والمصير في فلسطين من فظائع تدمي قلوب جميع الأردنيين، حتى أصبح أحدهم لا يهنأ بشربة الماء حزناً وألماً على أوضاعهم، وهم يعانون القتل والجوع والعطش والتهجير على يد احتلال لا يعرف معنى لأي قوانين إنسانية، وبرغم كل تلك الظروف من حروب خارجية في كثير من البلدان حولنا وتوترات داخلية بين فترة وأخرى، إضافة إلى سنوات محنة الكورونا التي لا تنسى، حافظت القيادة الهاشمية للبلاد وعلى رأسها جلالة الملك عبدالله الثاني على مبدأ الحياد والنأي بالأردن عن أي مغامرات أو حروب خارجية غير محسوبة، إضافة للتعامل بحكمة وهدوء وعدم تسرع في ردود الفعل مع أي توترات داخلية، حتى في أصعب الظروف والمظاهرات بل والإساءات والتعديات في بعض الأحيان، مع ثبات راسخ على المواقف الأساسية للبلاد في كل القضايا الرئيسية والحساسة وعلى رأسها قضية فلسطين وحق شعب فلسطين في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، كامتداد لموقف الأردن الرسمي والشعبي منذ أول يوم لاحتلال فلسطين في العام 1948، هذا مع المحافظة على مساندة الأشقاء في فلسطين بكل وسيلة ممكنة خلال الحرب الحالية من خلال الانزالات الجوية للمساعدات والمبادرات الشعبية للعشائر الأردنية الكريمة والمواقف الثابتة للأردنيين في مظاهراتهم ولو بكلمات بسيطة يهتفون بها، وهو الأمر الذي لن يتوقف بإذن الله مهما طال زمن الاحتلال.
وكما هناك إيجابيات هناك بالتأكيد الكثير من الأمور التي تزعجنا كأردنيين ولا تكون كما نحب ونتمنى في كثير من الأحيان كحال أي بلد في العالم، والتي يسعى كل أردني مخلص في حب وطنه إلى محاولة تصحيحها والرقي ببلاده نحو الأفضل في كافة المجالات، ولكننا عندما نرى كيف اكتشفت الأجهزة الأمنية قبل أيام خلايا كانت تخزن كميات كبيرة من المتفجرات في العاصمة الأردنية، نتذكر حديث حبيبنا المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم فيما ورد في صحيح الترمذي: (من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا)، وتترسخ معها لدينا حقيقة وجود من يزعجه استقرار الأردن ويعمل على الإخلال بأمنه بكل وسيلة ممكنة، سواء بمثل هذه الأفعال أو غيرها من إساءات بالوسائل المختلفة والتي لا تعبر إلا عن حقدهم وكرههم لهذه البلاد ولو عملوا على إخفاء ذلك.
وها نحن نعيش منذ ما يقارب العام محنة أهلنا الصابرين في فلسطين وخاصة في غزة، ننام ونصحو ونحن نسأل الله أن تنتهي هذه الغمة لتعود الابتسامة على وجه الأشقاء هناك، وأن يجبر الله مصابهم جبراً ينسون معه كل ما مروا به من تعب وألم، فلا تجد معظم أبناء الشعب الأردني إلا وهو يتابع بغضب وحزن آخر أخبار شعب فلسطين مع إجرام الاحتلال الجاثم فوق أرضهم، احتلال أصبحت أساليبه تثير الاشمئزاز ليس فقط لدى شعب فلسطين أو الشعوب العربية والإسلامية، بل ولمعظم شعوب العالم وهم يشاهدون مدى قذارة هذا الاحتلال وحقده ليس فقط على كل ما هو فلسطيني بالمناسبة، بل وعلى كل إنسان يقف في وجه إجرام هذا الاحتلال مهما كانت هويته أو دينه.
ومن قلب أردني اختلطت بداخله أصالة شرايينه الأردنية مع شرايين أصوله الفلسطينية التي تزيده شرفاً ورفعة، راسمة نبضات قلب تتنفس حب الوطن جنباً إلى جنب مع حب فلسطين، نقول للآلاف من شباب فلسطين في غزة على وجه الخصوص ممن حرمهم الاحتلال من تقديم اختبارات هذا العام الدراسي بسبب الحرب، لا تبتأسوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون على هذا الاحتلال المجرم الجبان، فإن كان قام بتدمير مدارسكم وجامعاتكم فمدرسة غزة اليوم بشرف مقاومتها وأهلها الصامدين الأبطال أصبحت مدرسة لكل العالم، مدرسة تقدم الدروس المجانية في معاني الكرامة والصمود والعزة والكبرياء، لا تحزنوا فستبقى دروس غزة وفلسطين دروساً تدرسها الأجيال جيلاً بعد جيل، حتى يأتي وعد الله الحق الذي يرفع فيه علم فلسطين عالياً في دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس بمشيئة الله، وشكراً لكم يا أهل غزة ولكل الصابرين في أرض فلسطين الطاهرة، شكراً لأنكم أعدتم بصمودكم وصدق توكلكم على خالقكم تشكيل معاني كلمة فلسطين في المعاجم، لتكون فاء الفرج، ولام لون الحرية، وسين السؤدد، وطاء طريق الأكارم، وياء ينبوع العزة، ونون النور للعالم بأسره.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى