امل خضر تكتب حريتي

ليست مجرد كلمة عابرة في القاموس، بل هي فعلٌ ثم قول، فكم من الحروب، والشجارات، والنزاعات التي قامت لأجلها؟ وكم من الثورات والثائرين الذين ضحوا بأرواحهم للمطالبة بحريتهم وحرية بلادهم وشعوبهم؟ الحرية من ضرورات الكرامة الإنسانية، وهي جزءٌ أساسيٌ من الحياة السعيدة، والكاملة، ليس للإنسان فقط، بل لجميع المخلوقات، لأن الجميع يسعى للحرية، ويحارب لأجلها، ويكافح بكل ما أوتي من قوةٍ وحزمٍ للوصول لها، لأن القيود رديفةٌ للعبودية، والتي هي عكس الحرية. والتي تتجلى في جميع المظاهر من حولنا، في الإنسان، والحيوان، وحتى النباتات، والأوطان، فالحيوانات تسعى لحريتها، وتنكفئ على نفسها عند سلب هذه الحرية، وحتى الطيور، يتضاعف تغريدها، وتشدو بأجمل الأصوات وهي حرة طليقة، وليست أسيرة الأقفاص. الحرية ليست منحةً، بل هي حقٌ للجميع، تُؤخذ ولا تُطلب، ولا يمكن أبداً تقسيمها أو التنازل عنها، لأن مصادرتها تعني مصادرة الحياة، والتعدي على أكبر قيمةٍ معنويةٍ، وكم قيل فيها من قصائد وخواطر، وكم ذُكرت في الشعارات، وارتفعت في الميادين والشوارع، وكم من الأصوات التي طالبت ولا زالت تُطالب بها. قيود الحرية الحرية لا يمكن أن تكون مطلقةً، دون تنظيمٍ أو توجيه، لأنّ حرية الفرد تنتهي عند المساس بحريات الآخرين، فلا يمكن المساس بحرية الأشحاص كي ترتفع حرية شخصٍ معين، ففي هذا تعدٍ صارخ على مبدأ الحرية، كما أن حرية الجماعة، أجل وأسمى من حرية الفرد، فمن يسعى لتحقيق حريته على حساب غيره من الأفراد، أو على حساب وطنه وشعبه، تُصبح حريته مسروقةً.
الحرية بمعزل عن المسؤولية تؤول ضربًا من الفوضى، كما إن التركيز فقط على المسؤولية دون تأكيد الحرية كحق أصيل، ثابت، يحجم قابلية التحقق الذاتي للأفراد، وتباعًا، في الحالتين، يتعثر تقدم المجتمع ككل، تنحسر مبادرات الإبداع والابتكار، ويتعسّر الارتقاء على السلم الحضاري، فالحرية ليست ضد المسؤولية على قاعدة ان الضدين لا يجتمعان، إذا حضرت الحرية انتفت المسؤولية أو بالعكس.

الحرية والمسؤولية هما بمثابة كفتي الميزان، لا بُد من تواجدهما معا في تقابل لأجل تعزيز الاستقرار وتفعيل النماء معا في توازن وتزامن، كفة الحرية تحقق للأفراد كافة القابليات الإيجابية التي أودعها الله فيهم، الأمر الذي تباعا يثري خبرة الحياة على صعيد الفرد والمجتمع بسواء، أما المسؤولية، فتحرص على حماية الصالحِ الوطني المشترك، والصالحِ الإنساني العام، مما يبدر من أفراد أو تنظيمات متعددي المنطلقات والوجهات من تصرفات ضارة، ومجحفة. القيد أو الالتزام الذاتي لا يكبت قابليات المرء، وإنما يصونها عن الخطأ، بل ويوجهها لما فيه نماء الفرد وتباعا نماء الأسرة والمجتمع. لنراجع أنفسنا ونقلّب مفردة الحرية في دواخلنا، فربما نحتاج أن ننشر ثقافة الحرية بين أبنائنا وربطها بالمسؤولية وتربيتهم عليها، البعض ممن يعظم وينشر ويتكلم عن معنى الحرية، يتغافل عن المسؤولية الفردية تجاه مجتمعه، إننا بحاجة لزرع مفهوم الحرية في نفوس النشء على معانيها الحقيقية.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى