البيوت القديمة …إرث تراثي في مهب الريح

كتبت: يسرى أبوعنيز
البيوت التراثية التي بناها أجدادنا قديماً من الطين والتبن ..وكانت مليئة بالحب والألفة،كما كانت المكان الأمن للأسر الممتدة في مختلف مناطق الأردن في بدايات القرن الماضي وحتى بداية الثمانينات من القرن العشرين أصبحت في مهب الريح.
هذه البيوت التي كان يُقيم فيها الضيوف الذين ينعمون بالكرم الأردني الأصيل ،حيث الضيف الذي لا يُسأل عن طلبه قبل 3 أيام كما هي العادات والتقاليد الأردنية الأصيلة،ويُقدم له الطعام والشراب،والقهوة العربية الأصيلة بكل نفس طيبة،ودون تمنن من أحد.
وهذه البيوت التي عاشت فيها أجيال من أبناء الوطن الأوفياء الذين عشقوا الوطن والأرض،وكانوا يزرعون الأرض ،ويربون الأغنام،ويأكلون من خيراتها،يأكلون خبز القمح،والسمن والجميد،واللحم البلدي،ويأكلون مما تنتجه أرضهم حتى وصلو لمرحلة الاكتفاء الذاتي ،وباعوا في المدن ما يزيد عن حاجتهم.
هذه البيوت التراثية القديمة خرّجت الأجيال من المتعلمين من الرعيل الأول في كافة المجالات ،ورجالات الدولة وساستها،وبنت الللبنة الأولى في تاريخ الدولة الأردنية ،قبل أن يزحف العمراني على الأراضي الزراعية ،ويحتل الحجر الأبيض وبألوانه الأخرى مساحات واسعة من الأردن.
هذه البيوت التي تعلم فيها الأردني أن بلاد العرب أوطاني،وأن المسلم أخ للمسلم،والعربي كذلك،وأنه لا حدود بين هذه الدول ،وان الكرم والجود من عاداتنا التي لا نتخلى عنها،وأن الضيف صاحب بيت نجود عليه،ونكرمه.
في هذه البيوت تعلّم الأردني أن هذه بيوت للعز،والكرم،وعزة النفس،وأنها ملاذهم، في كل وقت وحين،حتى وإن ضاقت بهم الحياة،وأن الانتماء للأسرة شيء ثابت كما هو حب الأوطان الذي لا يستطيع أحد أن يزاود علينا فيه.
هذه البيوت التراثية القديمة ، التي كانت كل هذا وأكثر من ذلك أصبحت اليوم فارغة من سكانها،بعد ان هجرها الأباء،ومن بعدهم الأبناء والأحفاد،حتى إنهار بعضها،وأصبح بعضها مرتعاً للحشرات والقوارض والحيوانات الضالة،وأصبح بعضها مع الأسف مأوى للأفعال المشينة ولأصحاب السوابق..
نعم هذه البيوت التراثية القديمة، والتي كانت وكانت ذات مكانة وقيمة في فترة من التاريخ الأردني ،والتي تحتاج للصيانة من قبل أصحابها،واستخدامها،أو استملاكها من قبل الجهات ذات العلاقة،أو التبرع من قبل اصحابها للجهات المهتمة بالتراث بها لتكون متاحف تؤرخ لفترة من الزمن في المملكة، أو لتكون مقرا للمنتديات التراثية،او لإقامة معاهد تُعنى بالتراث..
هذه البيوت التراثية القديمة.. أصبحت اليوم ومع كل الأسف في مهب الريح.

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى