صعوبات تواجه مدير المدرسة كمشرف تربوي.

د. محمد يوسف حسن بزبز
سفير جائزة الملكة رانيا العبدالله للتميز التربوي.
….

إن الإشراف التربوي هو عملية تحسين التعليم أو عملية تحسين الموقف الصفي، أو عملية الاتصال والتفاعل بين أطرافه العملية التربوية لتهيئة فرص تعّلم مناسبة للطلاب. فمدير المدرسة هو المسؤول الأهم في هذه العملية، فهو يعرف مشكلاتها وحاجاتها، ويعرف قدرات ومشكلات وحاجات الطلاب وحاجات البيئة المحلية.

وتثار عادة صعوبات متعددة أمام ممارسة مدير المدرسة لدوره كمشرف تربوي وأبرز هذه الصعوبات هي :

أولًا : هل يستطيع المدير أن يشرف على معلمين من مختلف التخصصات؟
ثانيًا : هل يمتلك المدير الوقت الكافي للإشراف؟
ثالثًا : هل هو مسؤول عن عملية الإشراف؟ وهل يتعارض هذا الدور مع دور المشرف التربوي؟

ولكن هذه الصعوبات تتضائل كثيرًا أمام مسؤولية المدير في تنظيم العمل في مدرسته، وتطوير البرنامج التعليمي فيها، كما يتضح مما يلي؛

المشكلة الأولى :
هل يستطيع المدير أن يشرف على معلمين من مختلف التخصصات؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد من أن تعرف الأمور التالية :
الإشراف التربوي لا يعني تزويد المعلمين بمعلومات تتعلق بالمادة الدراسية، فالمعلمون متخصصون في هذه المادة، ولا يحتاج معظمهم إلى مساعدة تتعلق بمحتوى المادة الدراسية وموضوعاتها. والإشراف التربوي لا يقتصر على الإشراف على المعلمين بل يشمل الإشراف على التعلم بكل جوانبه وعناصره. ويحتاج المعلمون إلى مساعدات في مجالات غير مجال المادة الدراسية وهذه المجالات؛ كالتخطيط الدراسي وطرق تحديد الأهداف والوسائل وأدوات التقويم، ووسائل التعامل مع الطلبة وفق أسس تربوية سليمة. وتزويد المعلمين بنتائج الأبحاث والتجارب والدراسات التربوية، وإعداد المواد والأدوات والوسائل التي يحتاج إليها المعلمون، ومساعدة المعلمين في إجراء تجارب ودراسات تربوية. وإثارة اهتمام المعلمين بالنمو المهني. وإثارة اهتمام المعلمين بتطوير علاقاتهم مع البيئة المحلية. ومساعدة المعلمين في تطوير ودراسة وتحليل المناهج المدرسية.

إن هذه المجالات كلها مجالات تربوية عامة وضرورية للمعلم، و بإمكان مدير المدرسة بحكم إعداده المهني ودوره ومسؤولياته كمدير أن يقدم المساعدة الهامة بها.

إن عملية الإشراف نفسها لا تعني أن يخوض من يمارسها سواء كان مشرفًا أو مديرًا في تفصيلات المادة الدراسية أو أية تفصيلات دقيقة، بل يهتم المشرف في إطار المبادئ التربوية والأساليب التربوية العامة، أمّا التفصيلات وخاصة ما يتعلق منها بالمادة الدراسية، فالمعلم هو خير من يعالجها بمفرده من خلال اتصالاته وتفاعله مع زملائه أو مع مصادر المعرفة الأخرى، مثل المتخصصين في المناهج أو الرجوع إلى المصادر والمراجع المختلفة. إن عملية الإشراف بمفهومها الحديث لا تعني مساعدة يقدمها المشرف إلى المعلم بمقدار ما تعني مساهمة المشرف في تهيئة فرص النمو اللازمة للمعلم. فالإشراف ليس مساعدة تقدم إلى المعلم بل دور يمارسه المشرف المدير في تهيئة الفرصة أمام المعلم للعمل الجاد الناجح.

المشكلة الثانية :
هل يمتلك المدير الوقت الكافي للإشراف ؟
تثار هذه الصعوبات على أساس أن المدير منهك بالأعمال والأعباء الإدارية المتعددة، فهو المسؤول الوحيد عن المدرسة بكل ما فيها من معلمين وطلاب وموظفين وبكل مرافقها من ملاعب ومختبرات ومكتبة وساحات ، مسؤول عن بناءها ومناهجها وعلاقاتها مع البيئة ، مسؤول عن كل ذلك أمام مديرية التربية، وإن هذه الأعباء لتستهلك كل وقته ، وحتى أنه أول من يحضر إلى المدرسة وآخر من يخرج منها ، ومع ذلك لا يستطيع إنجاز كل هذه الأعمال ، فكيف نقوم إذن بتحميله مسؤوليات فنية وإشرافية أكثر تعقيدًا وصعوبة من مسؤولياته الإدارية ؟

للإجابة على هذا السؤال لا بد من ذكر الاعتبارات التالية؛ المدير ليس المسؤول الوحيد عن العمل في المدرسة ، فالإدارة ليست احتكارًا له والمسؤولية ليست وقفًا عليه ، فكل شخص في المدرسة مسؤول عنها ، وكل شخص في البيئة المحلية يمكن أن يشارك في تحمل جزء من المسؤولية، ولا شك أن المسؤولية إذا توزعت يمكن حملها بكفاءة وأمانة. يستطيع مدير المدرسة أن يفوض السلطة إلى عدد من العاملين معه من إداريين ومعلمين ، فيوزع السلطة عليهم ليتمكنوا من القيام بكثير من الأعمال ذات الطبيعة الروتينية ، أو الأعمال التي يمكنهم القيام بها ، فالمدير بذلك يوفر الكثير من وقته وجهده ليتفرغ للعمل الأكثر أهمية وهو العمل الإشرافي. فالإشراف ليس عملًا فرديًا بين المشرف والمعلم بل يمكن أن يكون عملًا يقوم به المعلمون أنفسهم فرديًا وجماعيًا، فالمدير يمكن أن يمارس الإشراف عن طريق اجتماعات المعلمين أو عقد ندوات أو مجتمعات تعلم لهم، كما يستطيع أن يثير المعلمين كأفراد وجماعات إلى إجراء البحوث والدراسات وإلى تبادل الخبرات فيما بينهم، وهذا يعني أن المدير يساعد كل معلم على أن ينمي ذاته ليتمكن من الإشراف على نشاطاته إشرافًا ذاتيًا.

المشكلة الثالثة :
هل المدير مسؤول عن عملية الإشراف ؟ وهل يتعارض هذا الدور مع دور المشرف التربوي ؟

يرى بعض المديرين أن مهماتهم تقتصر على تنظيم العمل في المدرسة وفق القوانين والأنظمة والتعليمات ولكن هذا الدور يتناقض مع المهمة الأساسية لمدير المدرسة وهي تطوير البرنامج التعليمي في مدرسته فالمدير بحكم إقامته في المدرسة، وعلاقاته اليومية مع معلميه وطلابه وأولياء أمورهم قد أدرك مشكلات المدرسة وحاجاتها وحاجات العاملين فيها ، واكتسب بذلك فهمًا دقيقًا لمختلف جوانب العمل في المدرسة وهذا يعطيه فرصة مناسبة لتطوير العمل المدرسي وتنظيم البرنامج التعليمي في مدرسته وهذا يعطيه مسؤولية الإشراف التربوي في المجالات التالية؛ وضع أهداف جديدة للمدرسة وتطوير العمل فيها وربط هذه الأهداف بخطط المدرسة وخطط المعلمين لكي يعملوا من أجل تحقيقها. ربط المدرسة بالبيئة المحلية وفتح أبواب البيئة المحلية أمام المدرسة لتكون مختبرًا للأفكار والنظريات والمبادئ التي تدعو إليها المدرسة. تطوير الخدمات الإرشادية والتوجيهية التي يتلقاها الطلاب في المدرسة بحيث يتمكن كل طالب من تحديد أهداف شخصية ودراسية خاصة به. إثارة اهتمام المعلمين على دراسة الصعوبات والمشكلات التي يواجهونها في عملهم مع طلابهم ومع أولياء الأمور والبيئة المحلية ، ومع المناهج الدراسية وغيرها من العوامل المؤثرة على عملية التعليم .
ولكن ألا تتعارض هذه المسؤوليات مع مسؤولية المشرف التربوي؟

إن المدير بحكم عمله يضع خطة للتغيرات التي يريد إحداثها في مدرسته ، وتشمل خطة المدير جوانب متعددة مثل المعلمين وأولياء الأمور والبيئة المحلية والمناهج والبناء المدرسي والأنظمة ويوضح في هذه الخطة الأدوار التي يمكن أو يقوم بها المشرفون التربويون لتنفيذ هذه الخطة وبذلك يصبح المشرف التربوي جزءًا من خطة مدير المدرسة وهذا يعني أن المشرف التربوي ينسق مع مدير المدرسة ليأتي دوره مكملًا لدور المدير لا مناقضًا أو معارضًا لهذا الدور.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى