هل ندرك في الأردن عوائد تخطيط إستعمالات الأراضي الذكي على التنمية والاقتصاد وصحة السكان؟
كتب أ.د. محمد الفرجات
تعد العلاقة بين تخطيط استعمالات الأراضي الذكي من جهة والتنمية وصحة وإقتصاديات وأمن ورفاه السكان من جهة أخرى أساسًا لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين جودة الحياة في المجتمعات الحضرية.
تهدف آلية تخطيط استعمالات الأراضي إلى تحليل الأراضي من جوانب جغرافية وجيولوجية وبيئية، ومن ثم وضع وحدات استعمال الأراضي المختلفة في المواقع الأنسب لها، وصولا إلى التقسيمات الذكية للمرافق المختلفة داخل الأحياء ومختلف أنطقة الاستعمالات الأخرى.
يهدف هذا التخطيط إلى تحسين الواقع الاقتصادي والاجتماعي والصحي والنفسي والتنموي للسكان، مما يسهم في خلق مدن مستدامة توفر الرفاهية للسكان، وتكون مدن آمنة وصديقة للبيئة ورفيقة بالمشاة، وقادرة على توفير الفرص للشباب.
عام ٢٠٠٢ قمت بوضع خرائط حساسية المياه الجوفية والبيئة البحرية في العقبة ضد التلوث في أحد أجزاء رسالة الدكتوراة/فورتسبورغ ألمانيا، كما وقد وقمت بالإشراف على إعداد مخطط البترا الشمولي الاستراتيجي ٢٠١٢ والذي إستعمل ولأول مرة سيناريوهات ونماذج بيئية إقتصادية لأفضل الخيارات، والذي فاز بجائزة بيري لإنفانت للتخطيط الحضري في واشنطن. كما كنت قد أشرف على عدة رسائل ماجستير ودكتوراة حول موضوع استعمالات الأراضي، وطورت بأبحاثي عدة دوال ومعادلات للمناسبية المكانية للصناعة والزراعة وحماية البيئة. بالإضافة إلى ذلك، صادقت مع مجلس الأدارة على المخطط التنموي لتطوير وادي عربة ٢٠١٧، وعلى المخطط التنموي للجامعة الأمريكية في مادبا مع مجلس الأمناء عام ٢٠١٩.
تخطيط استعمالات الأراضي الذكي
تخطيط استعمالات الأراضي الذكي يعتمد على البيانات والتكنولوجيا لتحسين كيفية استخدام الأراضي في المدن. من خلال نظم المعلومات الجغرافية (GIS)، يتم تحليل البيئة الحضرية وتحديد احتياجات السكان بدقة. على سبيل المثال، يمكن استخدام GIS لتحديد المناطق التي تعاني من نقص في الخدمات الأساسية، مما يساعد على تحسين توزيع هذه الخدمات وتقليل التكاليف المرتبطة بالتنقل بعيدًا للحصول عليها.
اختيار الموقع
يُعتبر اختيار الموقع عنصرًا حاسمًا في تخطيط استعمالات الأراضي. يجب أن تكون المواقع المختارة مريحة ومتاحة للسكان، مما يقلل من الحاجة إلى التنقل الطويل. اختيار مواقع قريبة من وسائل النقل العام والمرافق الأساسية يُمكن أن يقلل النفقات المتعلقة بالمواصلات، مما يُخفف الضغوط المالية على الأسر.
الأمن الغذائي والحفاظ على الأراضي الصالحة للزراعة
يُعد الأمن الغذائي محورًا رئيسيًا في تخطيط استعمالات الأراضي. الحفاظ على الأراضي الصالحة للزراعة أمر ضروري لتلبية احتياجات السكان الغذائية. يجب تخصيص مساحات مناسبة للاستخدام الزراعي وتجنب التحضر العشوائي الذي يؤدي إلى تدهور الأراضي الزراعية. تشجيع الزراعة الحضرية من خلال إنشاء حدائق مجتمعية يُعزز الوصول إلى الغذاء الطازج والمغذي، مما يُقلل الاعتماد على سلاسل الإمداد الطويلة.
التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل للشباب
يلعب تخطيط استعمالات الأراضي دورًا حيويًا في تعزيز التنمية الاقتصادية من خلال إنشاء بيئة ملائمة لجذب الاستثمارات. من خلال تخصيص مساحات تجارية وصناعية في المواقع المناسبة، يمكن إيجاد فرص عمل جديدة للشباب، مما يُسهم في تقليل معدلات البطالة. على سبيل المثال، إنشاء مناطق اقتصادية خاصة يمكن أن يشجع على تطوير مشاريع صغيرة ومتوسطة، مما يعزز الابتكار ويزيد من مرونة السوق المحلي.
تخصيص أماكن للصناعات الخفيفة والمتوسطة والثقيلة
يُعتبر تخصيص أماكن للصناعات المختلفة وفق أسس علمية من العوامل المهمة في الحفاظ على صحة السكان. ينبغي وضع الصناعات الخفيفة والمتوسطة والثقيلة في مناطق محددة بعيدة عن المناطق السكنية، مع مراعاة عوامل مثل التلوث والضجيج. يُمكن استخدام تقنيات حديثة مثل الحواجز الصوتية ونظم التحكم في الانبعاثات لتقليل تأثير هذه الصناعات على الصحة العامة. يُعزز هذا التخطيط من فرص النمو الاقتصادي مع حماية البيئة وجودة الحياة للسكان.
الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة
يلعب تخطيط استعمالات الأراضي دورًا رئيسيًا في الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة. من خلال تشجيع التنمية الحضرية المستدامة، مثل توفير وسائل النقل العامة الفعالة، يمكن تقليل الاعتماد على السيارات الخاصة، مما يقلل من انبعاثات الكربون. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز استخدام الطاقة المتجددة في المباني والمرافق العامة، مما يُسهم في تقليل بصمة الكربون. كما يجب مراعاة تصميم المدن بطريقة تعزز من الكفاءة الطاقية وتدعم التحول نحو بيئات حضرية خضراء.
التكيف مع آثار التغير المناخي
يتطلب تخطيط استعمالات الأراضي أيضًا الاستعداد للتكيف مع آثار التغير المناخي. يجب أن تشمل الاستراتيجيات التخطيطية إنشاء بنى تحتية قادرة على مقاومة الظروف المناخية المتغيرة، مثل الفيضانات والجفاف. يساهم تطوير المساحات الخضراء واستخدام مواد بناء مستدامة في تعزيز قدرة المدن على التكيف مع هذه التغيرات. أيضًا، يجب أن تشمل الخطط الحضرية استراتيجيات للحد من المخاطر المرتبطة بالكوارث الطبيعية، مما يضمن سلامة السكان واستدامة المجتمعات.
حماية السكان من الكوارث الطبيعية
يعتبر تخطيط استعمالات الأراضي أداة حيوية لحماية السكان من الكوارث الطبيعية. من خلال تحليل المخاطر الجغرافية، يمكن تحديد المناطق الأكثر عرضة للكوارث مثل الفيضانات والزلازل. ينبغي وضع استراتيجيات للتنمية العمرانية تأخذ بعين الاعتبار هذه المخاطر، مثل إنشاء مناطق خضراء تعمل كحواجز ضد الفيضانات أو استخدام مواد بناء مقاومة للكوارث. هذا النوع من التخطيط لا يساهم فقط في حماية السكان، بل يعزز من شعورهم بالأمان والراحة النفسية.
الحد من تلوث المياه الجوفية
يمثل تلوث المياه الجوفية تهديدًا للصحة العامة، ويتطلب جهودًا لتقليل تكاليف المعالجة الصحية. يجب أن تتضمن خطط استعمالات الأراضي خرائط حساسية المياه الجوفية للتلوث، مما يساعد في تحديد المناطق الأكثر عرضة للتلوث وحماية مصادر المياه. تقليل تلوث المياه يُسهم في خفض تكاليف العلاج للأمراض المرتبطة بالمياه الملوثة.
توفير مسارات المشاة الآمنة
تعتبر مسارات المشاة الآمنة عنصرًا أساسيًا في تعزيز ثقافة المشي والنشاط البدني. المدن التي توفر شبكات واسعة من مسارات المشاة، مثل أمستردام وكوبنهاغن، تشجع السكان على ممارسة الرياضة وتقليل الاعتماد على السيارات. هذا يقلل من التكاليف المرتبطة بصيانة السيارات، مما يُخفف الضغوط المالية.
الساحات والحدائق العامة
تُعد الساحات والحدائق العامة جزءًا حيويًا من التخطيط الحضري، حيث توفر متنفسًا للسكان وتعزز الصحة النفسية. المساحات الخضراء تُقلل من تكاليف الرعاية الصحية من خلال تعزيز النشاط البدني وتقليل مستويات التوتر. عندما تتاح هذه الفضاءات مجانًا، تتيح للسكان الاستمتاع بوقتهم دون الحاجة إلى إنفاق الأموال على الترفيه.
وضع الخدمات في منتصف المدن والأحياء
تحديد مواقع الخدمات في منتصف المدن والأحياء يُساعد في تقليل الحاجة للتنقل الطويل، مما يؤدي إلى تقليل التكاليف الاقتصادية. توفير المدارس والمراكز الصحية والأسواق بالقرب من المناطق السكنية يقلل من استهلاك الوقود ويخفف من حوادث الطرق. هذه الاستراتيجيات تعزز الصحة العامة وتُخفف من الأعباء المالية على الأسر.
أهمية نوعية الهواء وحمايته من التلوث
تعتبر نوعية الهواء عاملاً حاسمًا في صحة السكان. التعرض للملوثات يمكن أن يؤدي إلى مشكلات صحية مكلفة. تنفيذ استراتيجيات لحماية نوعية الهواء، مثل زراعة الأشجار وتوفير المساحات الخضراء، يُساهم في تقليل تكاليف الرعاية الصحية المرتبطة بالأمراض الناتجة عن تلوث الهواء. تحسين نوعية الهواء يُساعد أيضًا في تقليل الأعباء المالية على الأنظمة الصحية.
دور نظم المعلومات الجغرافية
تُعتبر نظم المعلومات الجغرافية أدوات حيوية في تخطيط استعمالات الأراضي. تمكّن هذه النظم المخططين من تحليل البيانات البيئية والاجتماعية بشكل فعّال. يمكن استخدامها لتحديد المناطق الأكثر احتياجًا للخدمات الصحية والتأكد من أن توفير هذه الخدمات يكون في مناطق استراتيجية، مما يُقلل من التكاليف العامة ويُحسن الكفاءة.
إن الربط بين تخطيط استعمالات الأراضي وصحة السكان يُعدّ عنصرًا أساسيًا في تعزيز الحياة الحضرية المستدامة. من خلال تطبيق مبادئ التخطيط الذكي، واختيار المواقع بعناية، وتوفير البنية التحتية الملائمة، يمكن تحقيق بيئة حضرية صحية تعزز من رفاهية السكان وتقلل من المخاطر الصحية والضغوط المالية. إن فهم هذه العلاقة يعزز من تطوير مدن قادرة على مواجهة التحديات البيئية والصحية بشكل فعّال، مما يضمن كلفة اقتصادية أقل على السكان ورفاهية مستدامة.