كفى يا أرباب المال إنهاكًا للمواطن: بين تبريرات واهية لرفع الأسعار وإغضاب الشارع !
كتب أ.د. محمد الفرجات
في ظل واقع اقتصادي خانق يعيش فيه المواطن الأردني منذ سنوات، يتزايد العبء عليه نتيجة موجات متكررة من رفع الأسعار، تبررها أطراف متعددة تحت ذرائع متباينة، أبرزها “ارتفاع الأسعار عالميًا”. لكن حين ننظر بعين الفحص والتمحيص إلى الحقائق، نجد أن بعض هذه التبريرات ليست سوى ادعاءات واهية تستغل الظروف العالمية لتبرير أرباح مبالغ فيها على حساب المواطن.
القهوة مثالًا: تبرير واهٍ لرفع الأسعار
في كل مرة ترتفع أسعار السلع، تُستخدم حجج مثل “ارتفاع الأسعار عالميًا” لتبرير زيادة غير منطقية في السوق المحلي. القهوة، على سبيل المثال، أصبحت حديث الجميع بسبب زيادات كبيرة في سعرها المحلي، رغم استقرار أو تراجع أسعارها عالميًا في بعض الفترات. الأمر لا يتعلق فقط بالقهوة، بل يمتد إلى العديد من السلع الأساسية التي يعتمد عليها المواطن يوميًا.
الفقر والبطالة وثبات الرواتب: معادلة خانقة
الرواتب في الأردن ثابتة منذ ما يقارب عقد ونصف، في وقت تتزايد فيه تكاليف المعيشة بشكل غير مسبوق. ومع تزايد نسب الفقر والبطالة، يصبح الحفاظ على أسعار المواد التموينية في متناول الطبقتين الفقيرة والمتوسطة ضرورة ملحّة. فالاستمرار في التضييق على هذه الفئات، التي تمثل الأغلبية العظمى من الشعب، يشكل تهديدًا حقيقيًا للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
تأثير الظروف السياسية والإقليمية:
الأردن ليس بمعزل عن الظروف السياسية المحيطة، التي تجعل من الحكمة عدم إثارة غضب الشارع بالتضييق على المواطنين. إن الاستقرار الاجتماعي والأمني هو صمام الأمان للوطن، وأي محاولة لزيادة الضغط الاقتصادي على الناس قد تكون لها تبعات خطيرة.
دراسة سلاسل التزويد والتوزيع: أين الحل؟
الحل يبدأ بتولي الحكومة دورها بعزم وحزم وبسيف القانون، بفحص دقيق وشامل لسلاسل التزويد والنقل، وأسعار الإنتاج والتصنيع والتوزيع لكل السلع. يجب التأكد من أن الأسعار التي يدفعها المواطن تمثل التكلفة الحقيقية وهوامش ربح معقولة، بعيدًا عن المبالغات والجشع.
يجب الرقابة على هذه العمليات وتنفيذ القانون بصرامة ضد كل من يستغل المواطن، وهذا أمر لا يقبل التأجيل.
نَكْل البنوك بالمقترضين: أعباء الفوائد المتزايدة
المواطن الأردني لا يعاني فقط من غلاء السلع والخدمات، بل أيضًا من السياسات البنكية التي تُلقي بثقلها عليه. مع كل رفع للفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي، تسارع البنوك المحلية إلى رفع الفوائد على المقترضين. لكن عند خفض الفيدرالي للفائدة، لا تتبع البنوك المحلية الخطوة ذاتها بالسرعة نفسها، إن لم تكن تمتنع تمامًا عن الخفض، أو تجبر المواطن على توقيع عقود لتثبيت الفائدة على نسب عالية. هذا النهج يزيد من أعباء المواطنين ويستنزف دخلهم الشهري المحدود، ويستنزف السيولة من الأسواق، ويضعف قوة المواطن الشرائية، فيؤثر سلبا على الأسواق ودورة الكاش، مما يثير تساؤل عن دور الجهات الرقابية كجمعية البتوك والبنك المركزي.
فاتورة المياه والكهرباء: بين التبرير والإجحاف
لم تتوقف الضغوط عند أسعار السلع فقط، بل امتدت إلى الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء. فاتورة المياه التي كانت تُدفع كل ثلاثة أشهر أصبحت شهرية، مع قيم تعادل تقريبًا الفاتورة السابقة ذات الثلاثة أشهر. أما الكهرباء، فقد وضعت شرائح جديدة لأسعار الاستهلاك، مرفقة بأسعار أعلى لفترات الذروة، مما يضاعف الفاتورة على الأسر بشكل مرهق.
شركات الخدمات: بين الاستغلال وغياب الرقابة
شركات التأمين الطبي وتأمين السيارات، وشركات الاتصالات، وغيرها من مقدمي الخدمات باتوا يرفعون الأسعار بكل المبررات، متذرعين بارتفاع التكاليف. المواطن، الذي أصبح محاصرًا من كل جهة، لم يعد قادرًا على التحمل، وهو ما يتطلب تدخلاً حكوميًا صارمًا.
رسالة أخيرة: كفى إنهاكًا للمواطن
إن المواطن الأردني يئن تحت وطأة أعباء اقتصادية لا تنتهي، ومع غياب التوازن بين دخل المواطن وتكاليف المعيشة، يصبح التحدي الأكبر هو إعادة الثقة بين المواطن والحكومة.
على الحكومة أن تكون بصف المواطن، تدافع عنه أمام قوى النفوذ المالي وأرباب المال والتجار؛ ويعد تنفيذ القانون بحزم ضد الاستغلال والجشع، وضمان توفير احتياجات المواطنين بأسعار عادلة، هو الطريق الوحيد لاستعادة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
الرسالة واضحة: المواطن لم يعد يتحمل.