الدكتورة روان الحياري تكتب غزة و سوريا الجديدة، مفترقُ طرقٍ بين إعادة الإعمار والتحديات

مع الإعلان عن وقف إطلاق النار في غزة المتوقع غدًا، تدخل المنطقة مرحلة جديدة تحمل في طياتها تحديات وفرصًا سياسية كبيرة. فالصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني في غزة، رسالة للعالم بأن الحقوق الوطنية ليست للمساومة، وأن مخيمات الشتات شواهد على خيبات أبى الفلسطينيون تكرارها، فكان خيارهم الأرض مهما غلى الثمن. – أفخر بأن كان فيه وطني الأردن و لايزال داعماً سياسياً وإنسانياً لذلك الصمود منذ اليوم الأول، متحملاً كلفته السياسية بكل شجاعة، دون انتظار أي مقابل-، يعيد ذلك أيضا رسم أولويات التوازنات الإقليمية في المنطقة خاصة بشأن التطبيع، فإن أي تحركات دون تحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية، لن تحقق أهدافها الإستراتيجية، خاصة في ظل تزايد التوترات الإقليمية. فالإدارة الأمريكية الجديدة لعبت دوراً اساسياً في وقف الحرب و كما سيبدو في فرض توازنات جديدة ضمن فوضى لم تكن لتخدم أحد.

يظل النقاش الآن مفتوحًا حول إدارة غزة في مرحلة ما بعد الحرب، فهل ستنشأ قيادةً موحدة تضمن التوازن وضبط الأوضاع الامنية والسياسية والإقتصادية بمشاركة جميع الفصائل؟ وما هو دور الأطراف الإقليمية والدولية ؟ خاصةً في ظل ما تشهده المنطقة من تغيرات داخلية وخارجية، تتطلب إعادة تقييم سياساتها، فنجاح هذه المرحلة يعتمد على تحقيق مصالحة وطنية تضع القضية الفلسطينية في إطار شامل يتجاوز الانقسامات، وفرصة للأطراف المعنية لإعادة تقييم سياساتها، خاصة في ظل الأزمات الداخلية المتفاقمة.

سوريا اليوم تواجه مستقبلًا حذراً، – لا أتحدث فيه عن مرحلة النصر والفرح بمن ذهب، وإنما مرحلة قادمة أهم، تتبلور فيها هوية سوريا الجديدة السياسية ونظامها، في مرحلة تعاد فيها صياغة التوازنات الإقليمية، فالدور الإيراني -الذي كان محوريًا- يشهد تراجعًا، فعلاوة على تجفيف وكلائه في المنطقة، تواجه ايران أزمات وجودية، أصولها اقتصادية وسياسية داخلية، في مقابل تصاعد الدور التركي الذي يعكس تحولات استراتيجية، حيث يبدو أن أنقرة حصلت على دور رئيسي في الشمال السوري ضمن تفاهمات مع القوى الدولية، مما يعيد تشكيل موازين القوى في الإقليم بشكل جذري.

بالتزامن مع بروز تحدياتٍ جوهرية تتعلق بالعودة الطوعية للاجئين حول العالم وإعادة الإعمار، والمصالح الاستراتيجية أوالارادة السياسية لدى دول المنطقة واللاعبين الاساسيين فيها في ظل سيطرة إسرائيل على أجزاء استراتيجية من الأراضي السورية، مما يثير تساؤلات حول مدى استعداد دول المنطقة لمواجهة تبعات التطورات في سوريا.

في ظل هذه التحديات، لا بد من وقفة جادة لإعادة تقييم المواقف والمسؤوليات، فان أي حل مستدام يتطلب رؤية شاملة و معالجة جذرية بدلًا من التفاعل مع النتائج ومعالجتها بشكل منفصل، ضمن استراتيجية مستدامة تستجيب للتحديات الحالية، وتبني مستقبلًا مشتركًا قائمًا على العدالة والتنمية. فالقضية الفلسطينية وسوريا الجديدة، هما مفتاحا الاستقرار أو الفوضى في المنطقة، ولا يمكن فصل مصير أي منهما عن الآخر،

الدكتورة روان سليمان الحياري

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى