ميرتس بين الشعبوية والسياسة هل تهدد خططه تماسك الديمقراطية الألمانية؟
يمان شواف – إعلامي خبير في الشأن الألماني والأوروبي وقضايا الشرق الأوسط
مع اقتراب موعد الانتخابات الألمانية المبكرة، تتصاعد حدة التنافس السياسي وتزداد وضوحاً ملامح الخطاب الانتخابي، خاصة في ظل المواقف المثيرة للجدل التي يتبناها زعيم المعارضة، فريدريش ميرتس عرف ميرتس بتوجهاته المتشددة فيما يتعلق بسياسات الهجرة واللجوء، حيث بات يستخدم هذا الملف كوسيلة لجذب الناخبين، في خطاب لا يخلو من الشعبوية واستغلال الأحداث الأمنية لتوجيه أصابع الاتهام إلى اللاجئين والمهاجرين.
ميرتس وسياسات الهجرة: بين التشدد والشعبوية
من خلال مراجعة تصريحات ميرتس خلال السنوات الأخيرة، نجد أنه لم يفوت فرصة لمهاجمة اللاجئين والمهاجرين، متهماً إياهم بالمسؤولية عن تدهور الأوضاع الاقتصادية وتزايد حوادث العنف في البلاد.
في أحدث الأمثلة، استغل ميرتس حادثة الطعن في مدينة أشافنبورغ، التي ارتكبها طالب لجوء أفغاني يعاني من اضطرابات نفسية، لطرح خطط متشددة تستهدف الحد من الهجرة وتسهيل عمليات الترحيل.
أعلن ميرتس عن خطة مكونة من خمس نقاط تهدف إلى تشديد سياسات الهجرة واللجوء، عازماً على طرحها في البرلمان الألماني للتصويت، حتى لو تطلب ذلك التعاون مع نواب حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي. هذا النهج يمثل تحولاً جذرياً وخطيراً في السياسة الألمانية، إذ يكسر الإجماع التاريخي الذي حافظت عليه الجمهورية الاتحادية منذ تأسيسها قبل 75 عاماً، وهو رفض التعاون مع المتطرفين اليمينيين.
اتهامات مستشار ألمانيا لميرتس
المستشار الألماني أولاف شولتس، المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، اتهم ميرتس بانتهاك الدستور من خلال استغلال حادثة أشافنبورغ لتمرير أجندته السياسية. الحادثة، التي راح ضحيتها شخصان أحدهما طفل، كان ضحاياها من الأجانب، إلا أن ميرتس لم يتردد في استثمارها لضرب اللاجئين والمهاجرين.
يرى شولتس أن خطط ميرتس ليست فقط مخالفة للقيم الدستورية، بل إنها تهدد التماسك الديمقراطي في البلاد، خاصة في ظل دعواته للتعاون مع حزب “البديل من أجل ألمانيا.
التعاون مع “البديل من أجل ألمانيا”: سابقة خطيرة
ما يثير القلق الأكبر هو استعداد ميرتس للتعاون مع حزب البديل من أجل ألمانيا لتمرير خططه.
هذا الحزب اليميني الشعبوي، الذي تقوده أليس فايدل، يحتفل بما يسميه “سقوط جدار الحماية” الذي كان يمنع الأحزاب الديمقراطية من التعاون معه.
هذه السابقة تهدد بإضفاء شرعية على خطاب البديل الشعبوي والمتطرف، وتفتح الباب أمام إمكانية تشكيل حكومة مستقبلية تضم الاتحاد المسيحي الديمقراطي وحزب البديل.
أسئلة وشكوك حول مستقبل الديمقراطية
تثير مواقف ميرتس تساؤلات جادة حول التزامه بالقيم الديمقراطية، إذا كان مستعداً للتعاون مع “البديل من أجل ألمانيا” قبل الانتخابات، فكيف يمكن الوثوق بأنه لن يمد يده إلى الحزب نفسه بعد الانتخابات لتشكيل حكومة؟
هذه المخاوف ليست بعيدة عن الواقع، خاصة في ظل الطموحات الواضحة لميرتس في الوصول إلى منصب المستشارية، حتى لو كان ذلك على حساب القيم التي بُنيت عليها الديمقراطية الألمانية.
خطر انهيار الإجماع الديمقراطي
منذ تأسيس الجمهورية الاتحادية، كان هناك إجماع واضح بين الأحزاب الديمقراطية على رفض التعاون مع القوى اليمينية المتطرفة.
الآن يبدو أن ميرتس على وشك كسر هذا الإجماع، مما قد يؤدي إلى تغييرات عميقة في المشهد السياسي الألماني، هذه الخطوة إذا ما تمت، لن تكون مجرد تحول سياسي، بل ستكون تهديداً مباشراً للتماسك الديمقراطي الذي يُعدّ أحد أسس الاستقرار في ألمانيا.
معركة الديمقراطية ضد الشعبوية
على الديمقراطيين في ألمانيا، من مختلف التيارات السياسية، أن يقفوا صفاً واحداً في مواجهة هذا التوجه الشعبوي الذي يتبناه ميرتس.
التحدي الأكبر الآن هو حماية القيم الدستورية وصون التماسك الديمقراطي، بعيداً عن الخطابات التحريضية التي تستغل القضايا الحساسة لتحقيق مكاسب انتخابية.
الشعبوية قد تمنح مكاسب مؤقتة، لكنها تهدد استقرار المجتمعات على المدى الطويل، وهذا ما يجب على الألمان إدراكه قبل فوات الأوان.