كيف يمكن للتغيير في السياسة المالية المساعدة في مكافحة التدخين

عندما يتعلق الأمر باستراتيجيات الصحة العامة، حققت السويد إنجازاً كبيراً بتجاوز الأفكار التقليدية، لتصبح رائدة العالم في تقليل معدلات التدخين.

جاء هذا الإنجاز إثر سياسة خلاقة طبقت السويد عبرها مفاهيم الحد من المخاطر مع نهج تنظيمي شامل نفذت من خلاله عدداً من البرامج التثقيفية والتوعوية الهادفة لتحقيق الوقاية الفعلية من التدخين بالإقلاع عنه، بالتوازي مع إتاحة المنتجات البديلة وطرحها للتداول بأسعار في المتناول.

ولعل أبرز ما قامت به السويد، ما اتخذه صانعو السياسات مؤخراً من قرار خفض الضرائب بنسبة 20% على منتج “السنوس”، وهو نوع من عبوات النيكوتين التي تعتبر أقل خطورةً من السجائر التقليدية، وذلك في خطوة من المأمول أن تنقذ المزيد من الأرواح، كما تسطَّر كنموذج في الحوكمة الواعية التي قد تُحدث ثورة في الصحة العامة في عدة بلدان أخرى.

وفي الوقت الذي غالباً ما يضيع فيه النقاش المستمر حول سلامة وتنظيم المنتجات البديلة للنيكوتين في شبكة من المعلومات الخاطئة والجمود الأيديولوجي، وبينما يستمر المعارضون في تصنيف جميع منتجات النيكوتين ضمن حملة ضد الصحة العامة، كانت الحكومة السويدية قد اقترحت مؤخراً خفض الضريبة بنسبة 20% على “السنوس”.

هذا التغيير لم يكن مجرد سياسة اقتصادية؛ إنما استراتيجية صحية عامة مبنية على التمييز العلمي بين المنتجات المختلفة بناءً على مستويات المخاطر التي تشكلها، وقائمة على منهج استباقي للحد من مخاطر التبغ، وهو الذي من شأنه رسم خارطة طريق للعديد من البلدان التي تعاني من العواقب المدمرة للأمراض المرتبطة بالتدخين.

وتقترب السويد من إعلانها دولة “خالية من التدخين”، وهو إنجاز يعود بشكل كبير إلى سياساتها المستندة إلى الأدلة. ومع معدل تدخين مذهل يبلغ 5.6%، والذي يقترب بسرعة من عتبة إعلان السويد دولة “خالية من التدخين”، والتي حددتها منظمة الصحة العالمية عند 5%، فإن السويد تتمتع أيضاً بأقل معدلات من حيث الإصابة بالأمراض المرتبطة بالتدخين في أوروبا، وهي متقدمة بـ 17 عاماً على هدف الاتحاد الأوروبي لعام 2040 لتحقيق نفس الوضع.

بالنظر لكل هذه المعطيات، لا تزال التساؤلات الهامة تطرح نفسها حول ما الذي يجعل السويد ناجحة جداً في تقليل معدلات التدخين؟ في واقع الأمر، فإن المسألة غاية في البساطة: تعتمد الحكومة السويدية على البيانات الواقعية بدلاً عن إثارة المخاوف، وتختار توجيه المدخنين نحو خيارات أفضل بدلاً عن معاقبتهم.

خلاصة القول، تقدم التجربة السويدية في مكافحة التدخين مثالاً رائداً للدول الساعية لتحسين الصحة العامة عبر سياسات مالية مدروسة. التركيز على الأدلة العلمية وتمييز المنتجات البديلة الأقل خطورة هو ما مكن السويد من تحقيق نجاحات ملموسة في خفض معدلات التدخين. هذه التجربة تظهر أن التعامل الواعي مع السياسات الضريبية يمكن أن يُحدث تحولاً جذرياً في استراتيجيات الصحة العامة، ويوفر حلولاً عملية لمشاكل صحية معقدة. وعلى ذلك، فإن الطريق مفتوح أمام حكومات العالم لتبني سياسات مماثلة ومستلهمة من المنهجية السويدية الناجحة.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى